سوريا بعد نتائج تحقيق أحداث الساحل: اختبار للقضاء ودعوة أميركية للشرع
23 يوليو 2025
وثّقت لجنة التحقيق في أحداث الساحل السوري مقتل 1426 شخصًا وفقدان 20 آخرين خلال المواجهات الدامية التي شهدتها المنطقة في آذار/مارس الماضي. ويبقى السؤال المطروح لدى غالبية السوريين: هل ستُفضي نتائج التحقيق إلى مساءلة ومحاسبة حقيقية على الجرائم الطائفية التي تُعدّ من أخطر التهديدات التي تمزّق النسيج الاجتماعي، وربما تقود إلى تقسيم البلاد مستقبلًا؟ أم أن الملف سيُطوى كغيره دون تحقيق العدالة المنشودة للضحايا وذويهم؟
وفيما تتزامن نتائج تحقيق الساحل مع دعوات متزايدة لفتح تحقيق جاد في أحداث السويداء الأخيرة، كشف المبعوث الأميركي إلى سوريا، توماس برّاك، في تصريح لوكالة "رويترز"، عن بعض ما دار في لقائه مع الرئيس السوري أحمد الشرع.
دعوة أميركية إلى إعادة تقويم السياسات
قال المبعوث الأميركي إنه دعا الرئيس أحمد الشرع إلى "تقويم سياساته وتبنّي نهج أكثر شمولًا بعد أحداث السويداء". وأضاف أنه "نصح الشرع بإعادة النظر في هيكلة الجيش وتقليص نفوذ الإسلاميين، كما طلب تقديم دعم أمني إقليمي".
كشفت نتائج التحقيق في أحداث الساحل السوري أن 1426 شخصًا قتلوا في الأحداث، بينهم 90 امرأة بالإضافة لعدد من الأطفال، يصل عددهم حسب تحقيق التلفزيون العربي إلى أكثر من 100 طفل، هذا بالإضافة إلى 20 آخرين لا يزالون مفقودين
أكد برّاك في تصريحاته لـ"رويترز" أنه "من دون تغييرٍ سريع، فإن الشرع يُخاطر بفقدان القوة الدافعة التي أتت به ذات مرة إلى السلطة"، واعتبر براك أنّ على الرئيس السوري أن يتوجّه إلى العالم بخطابٍ مفاده: "سأتأقلم سريعًا، لأنني إن لم أفعل سأفقد طاقة الكون التي كانت تقف ورائي". وأضاف براك أنّ الشرع يمكن أن "ينضج كرئيس، ويقول: الشيء الصحيح الذي يجب أن أفعله هو ألّا أتبع أسلوبي الذي لا يُحقّق المرجو منه".
وشدّد براك في تصريحاته، التي تحمل بين طيّاتها إملاءات وتهديدات، على ضرورة أن تكون الحكومة الجديدة "أكثر شمولًا، عبر إلحاق ودمج الأقليات في هيكل الحكم"، معتبرًا أن ذلك يجب أن يحدث في "أسرع وقت".
يُشار إلى أنّ السلطات الجديدة في دمشق، ومن منطلق رفض المحاصصة الطائفية، شكّلت حكومةً يرى كثيرون أنها غير مُمثِّلة للشعب السوري بمختلف مكوِّناته، بل طغى عليها مكوِّن واحد من خلفية أيديولوجية واحدة، مع استثناءات قليلة، كان الهدف منها التنويع لا أكثر، خاصةً أنّ تلك الأسماء أُسنِدت إليها حقائب وزارية ثانوية، في حين أُسنِدت الحقائب الوزارية الرئيسية لجهة سياسية بعينها (هيئة تحرير الشام سابقًا).
وحول نقطة التشكيل الحكومي وشكل الحكومة الملائمة في الحالة السورية، أوضح برّاك أن "واشنطن لا تفرض الشكل السياسي الذي يجب أن تكون عليه سوريا، سوى أن يتّسم بالاستقرار والوحدة والعدالة والشمول"، مضيفًا: "إذا انتهى الأمر بحكومة اتحادية، فهذا هو قرارهم. والإجابة على هذا السؤال هي أن الجميع قد يحتاج الآن إلى التكيّف"، على حدّ قوله.
في المقابل، رفض المبعوث الأميركي التقارير التي تُحمِّل قوات الأمن السورية مسؤولية الانتهاكات بحق المدنيين الدروز، مشيرًا في هذا الصدد إلى أن مسلحي تنظيم الدولة الإسلامية، المعروف بـ"داعش"، "ربما كانوا متنكرين في زي الحكومة". وأضاف أن "المقاطع المصوَّرة على وسائل التواصل الاجتماعي يُمكن التلاعب بها بسهولة، وبالتالي لا يُمكن الاعتماد عليها". وتابع برّاك: "لم تدخل القوات السورية إلى المدينة. هذه الفظائع التي تحدث لا ترتكبها قوات النظام السوري. إنهم ليسوا حتى في المدينة لأنهم اتفقوا مع إسرائيل على عدم دخولها"، وفق تعبيره.
ومع ذلك، لفت برّاك إلى أنّ "المخاطر في سوريا عالية للغاية بسبب غياب خطة أو بديل ممكن للحكومة الجديدة"، حسب زعمه. وفي إجابته عن سؤال "رويترز" عمّا إذا كانت الأوضاع في سوريا مرشّحة للانجراف نحو سيناريو ليبيا أو أفغانستان، أجاب برّاك قائلًا: "نعم، بل أسوأ من ذلك".
أمّا عن ضبط العلاقة بين تل أبيب ودمشق واحتواء التصعيد بينهما، فقال براك لرويترز إنّ "رسالتَه إلى إسرائيل هي إجراء حوار يهدف إلى تهدئة مخاوف تل أبيب بشأن القادة الجدد في سوريا"، مؤكدًا قدرة الولايات المتحدة على لعب دور ما وصفه بـ"الوسيط النزيه للمساعدة في تبديد أي مخاوف". يُذكر أن واشنطن تنفي دعمها للغارات الجوية الإسرائيلية الأخيرة على سوريا.
يُشار إلى أن إسرائيل تدخّلت خلال أحداث السويداء الأخيرة بقصف أهداف في السويداء ودمشق، بينها محيط القصر الرئاسي ومقر وزارة الدفاع، وذلك قبل أن يُعلَن عن اتفاق لوقف إطلاق النار بوساطة أميركية وإقليمية.
نتائج التحقيق في أحداث الساحل السوري الدامية
كشفت نتائج التحقيق في أحداث الساحل السوري عن مقتل 1426 شخصًا، بينهم 90 امرأة، وأكثر من 100 طفل، بحسب ما ورد في تحقيق سابق بثّه "التلفزيون العربي". كما أفادت النتائج بوجود 20 شخصًا لا يزالون في عداد المفقودين.
وفي تعليقه على نتائج التحقيق، قال المتحدث باسم لجنة تقصّي الحقائق في سوريا، ياسر الفرحان، إن اللجنة "حققت مع مرتكبي الانتهاكات في أحداث الساحل، بغضّ النظر عن الجهة التي يتبعون لها"، مؤكدًا أن "كل انتهاك يُعدّ عملًا مدانًا، ويجب أن يخضع مرتكبه للمحاسبة، أيًّا كانت الجهة التي ينتمي إليها".
وأشار "التلفزيون العربي" إلى أن الأرقام الواردة في تقرير اللجنة تتطابق إلى حدّ كبير مع ما توصّل إليه التحقيق الوثائقي الذي بثّه مؤخرًا.
توماس برّاك: من دون تغييرٍ سريع، فإن الشرع يخاطر بفقدان القوة الدافعة التي أتت به ذات مرة إلى السلطة
تحدث تقرير لجنة التحقيق السورية عن نحو 300 مشتبهٍ بهم سيُحالون إلى القضاء دون الكشف عن أسمائهم، رغم أن تحقيقًا أجراه "التلفزيون العربي" كشف هوية بعضهم، مشيرًا إلى انتماء بعضهم لمجموعات مسلّحة وردت أسماؤها في قوائم عقوبات الاتحاد الأوروبي.
وذكرت لجنة تقصي الحقائق بشأن أحداث الساحل السوري أن الانتهاكات ارتُكبت على يد عناصر انتحلت صفة القوات الحكومية أو خالفت أوامرها، مؤكدة إحالة الأدلة والقرائن إلى القضاء المختص. وأوضحت اللجنة أن دوافع هذه الانتهاكات كانت "ثأرية"، وأن التحقيق شمل جميع الأطراف، بمن فيهم الأجانب.
وأشارت اللجنة إلى أن القوائم التي أصدرتها تُعد نهائية، وأوصت في ختام تحقيقها بـ"محاسبة جميع المسؤولين عن الانتهاكات، وجبر ضرر الضحايا". كما شددت على أنها "بنت عملها على أساس الشبهة"، بوصفها ليست جهة قضائية.
وقد استمرت أحداث الساحل السوري لعدة أيام في آذار/مارس الماضي، إثر هجمات شنها مسلحون موالون للنظام السابق على قوات الأمن. وخلال عملية استعادة السيطرة على المنطقة، وقعت انتهاكات وعمليات قتل بحق مدنيين، إضافة إلى سلب وحرق ممتلكات، على يد مسلحين "لا يتبعون الحكومة"، بحسب "التلفزيون العربي".
وتضع نتائج هذا التحقيق القضاء السوري أمام اختبار حقيقي لمدى استقلاليته وحياده إزاء السلطة التنفيذية وجميع الأطراف المتورطة في أحداث الساحل الدامية. إذ إن القضاء وحده يمتلك سلطة محاكمة المشتبه بهم وتوقيع العقوبات المناسبة والعادلة بحقهم. وإذا نجح في هذا التحدي، فقد يسهم، وفقًا لمتابعين، في "تهدئة النفوس، وتعزيز الثقة في مؤسسات الدولة وسيادة القانون" في سوريا ما بعد نظام الأسد.