22-أغسطس-2016

عقب غارة جوية لقوات نظام الأسد على مناطق سكنية في حي البستان بحلب

يبدو جليًا أن معرفة المجتمعات الغربية بالثقافة السورية كانت حكرًا على متابعي رواد الإستشراق وجامعي القطع التراثية الذين تشكلت لديهم رؤية عامة عن الشرق الذي يمثل القلب والعاطفة الدينية، ورغم تطوع العديد من الناشطين الأجانب والباحثين عن عمل في منظمات تعنى بالشأن السوري إلا أن معرفتهم بقيت سطحية وبالإعتماد على ما يبثه الإعلام في تغطياته المتغيرة.

ماذا كان يعرف الناشطون الحقوقيون الأجانب والعاملون حديثًا في المنظمات الدولية المهتمة بالملف السوري عن سوريا؟ سؤال يعقبه عقد للحاجبين وتردد في الإجابة، قبل أن تتحدث إيمي بعاطفة واضحة أنها سمعت قبل أن تنتقل من الولايات المتحدة الأمريكية إلى تركيا، عن ثورة تدور أحداثها في مكان ما من الشرق الأوسط ضد ديكتاتور ورث عن أبيه كرسي الحكم.

تختزل إيمي الكثير من الأحداث كونها أصبحت ماضيًا وصولًا إلى ظهور تنظيم الدولة الإسلامية "داعش" فهي تعلمت شيئاَ عن تنوع المعارضة السورية ولكن ليس الكثيرعن الثقافة السورية. وتتابع إيمي أنه وبعد فترة من حديث الإعلام عن الإحتجاجات في سورية باتوا يعرفون الكثير عن ثنائية المأساة السورية كما يسوقها الغرب؛ داعش واللاجئون.

عزلة "مجتمع داعش" عن العالم -إلا من خلال إصدارات الذبح- قابلها تعتيم على مجتمع النظام واعتباره سليمًا من وباء الحرب وعسكرة الثقافة وتبعه كشفٌ لحقيقة النظام الإسلامي الراديكالي القائم في الشمال السوري

قلة من المتابعين للشأن السوري أجروا بحثًا غير جغرافي عن سوريا بعد وصول أفواج اللاجئين إلى أوربا والعالم، أما الخارطة الأكثر انتشارًا هي توزع قوى الصراع على كامل الأراضي السورية. خرائط النفوذ والسيطرة العسكرية تجاوزت وظيفتها الإعلامية والعسكرية الإستراتيجية لتكون معبرةً أيضًا عن تبعية البيئات الإجتماعية ثقافيًا وسياسيًا لقوى الصراع!

اقرأ/ي أيضًا: ماذا لو مات.. عمران

المناطق الخاضعة لسيطرة قوى الصراع، النظام السوري، تنظيم داعش، المعارضة السورية بتوجهاتها، وقوات الحماية الشعبية الكردية، أطراف الصراع هذه باتت اليوم كأنها قوى ديمقراطية تحكم وتدير وتسيطر بقبول شعبي وبعقد إجتماعي! ولم تتحكم بمصائر الأهالي بقوة السلاح وبالترهيب من الفراغ الإداري والفوضى.

خمس سنوات من الحرب أسست لنشوء مجتمعات عسكرية، مباحة دماؤها لبعضها البعض تحت شعارات ومبررات عدة، ويبقى "مجتمع داعش" البقعة المكانية والمعنوية التي ستشهد النتائج الأفظع لعسكرة المجتمع والثقافة. وتوضح الحرب التي يشنها الحلف العالمي ضد الإرهاب، أن العالم تخلى أخلاقيًا عن مجتمع داعش ومجتمع الفصائل الإسلامية المتطرفة، وما جرى ويجري في حلب وإدلب من مجازر دليل واضح على هذا التخلي.

جاء تنظيم داعش إلى سوريا حاملًا مشروع الخلافة ومايعنيه ذلك من تأسيس مركز يكون نقطة إنطلاق عملياته كما كثر الحديث حاليًا؛ والسؤال لماذا تُرك داعش حتى يكبر ويتمدد؟ ولماذا غذت الدول الداعمة "الشقيقة والصديقة" بالسلاح حركات الإسلام الراديكالي في مناطق الشمال السوري مع اليقين بأنها ستكون هدفًا مع مجتمعاتها الرهينة للحرب الحالية؟

عزلة "مجتمع داعش" عن العالم -إلا من خلال إصدارات الذبح- قابلها تعتيم على مجتمع النظام واعتباره سليمًا من وباء الحرب وعسكرة الثقافة وتبعه كشفٌ لحقيقة النظام الإسلامي الراديكالي القائم في الشمال السوري؛ وتسويق لمجتمع الأكراد الذي يبدو الآن منفصلًا تاريخيًا عن "جيرانه" العرب.

اقرأ/ي أيضًا: العراق وسوريا.. لعنات الإمبراطوريات الأبدية

الحديث يوميًا عن التهديدات الأمنية القادمة من مجتمعات العسكرة، والأمنية الوبائية فيما يتعلق بالهاربين من حدود داعش الشرعية وصواريخ التحالف الدولي ليس إلا نتيجة طبيعية لسير السياسية الدولية وفق توقيت داعش في سوريا. السياسيون لم يكونوا خارج دائرة الصراع المسلح، إذ برز ارتباط السياسيين المحسوبين على أطراف الصراع كافة بالعسكرة؛ كأداة للمحافظة على المجتمع في حالة تأهب عسكري واستنفار دائم للقتال الذي أضحى باب رزق وأداة لحماية الوجود من خطر "الجماعات الأخرى".

ولو أن الأسبقية في عسكرة الثقافة كانت للنظام السوري عبر سيطرته على التعليم وتجنيده الأطفال في طلائعه وشبيبته وصولًا بالتجهيز العقائدي في الجيش لمحاربة العدو المنتظر والذي ظهر بعد فترة ليست بالطويلة قياسًا للأجيال التي تعسكرت وتمارس ما تعلمته حاليًا، إلا ان المجتمعات التي ركز عليها الغرب المناهض للإرهاب هي مجتمع داعش والنصرة وباقي الفصائل المتطرفة.

التقارير الصادرة عن منظمة اليونسف والشبكة السورية لحقوق الإنسان تشير إلى أن 400 طفل قتلوا على جبهات القتال في سوريا، أما الأطفال الذي جندهم داعش في مجموعة أشبال الخلافة تجاوز عددهم ال 1100طفل قتل منهم 89 على الأقل.

لا يبتعد النظام السوري كثيرًاعن تنظيم داعش في فرضه ثقافة السلاح على الأطفال في مناطق سيطرته، هناك ترى الأطفال دون سن ال18 عشرة يتدربو ن على حمل السلاح في مجموعات سميت أشبال الدفاع الوطني النسخة المصغرة عن ميليشيا الدفاع الوطني السورية، ولم يتوقف تجنيده للأطفال عند تدريبهم على حمل السلاح، فبحسب الشبكة السورية لحقوق الإنسان جند النظام 69 طفلًا في أعمال السخرة وحفر الخنادق على الجبهات.

وبالنسبة للمناطق الكردية فإن التجنيد الإجباري يدخل في إطار ما يطلق عليه الدفاع الذاتي وحماية الوجود الكردي، وسجلت منظمة هيومن رايتس ووتش في تقرير صدر في تموز 2015، إن «وحدات حماية الشعب الكردية (الجناح العسكري لحزب الاتحاد الديموقراطي الكردي في سورية)، جنّدت 1919طفلًا في صفوفها، في مناطق سيطرتها في الحسكة وعفرين وعين العرب (كوباني).

في ربيع العام المصرم 2015 لفت انتباهي 6 شباب صغار يلبسون الثياب العسكرية في أحد مراكز التسوق بمدينة غازي عنتاب التركية، وبعد التعارف تبين أنهم مقاتلون في إحدى الفصائل الإسلامية العاملة في حلب وريفها، وكانت أعمارهم تتراوح بين 17وال18 عامًا ما يعني أنهم بدؤا القتال في صفوف المعارضة منذ 3 سنوات أي عندما كانت أعمارهم تتراوح بين ال 15 وال14 عامًا.

والمثير في حديث الأطفال المقاتلين استعدادهم للتضحية من أجل تأسيس دولة الخلافة الديمقراطية في سوريا! السياسة الأكثر وضوحًا فيما يتعلق بمستقبل سوريا تمثلت في ضرب الهوية الثقافية والعملية التعليمية، وتأسيس مجتمعات عسكرية تتلقى السلاح والمادة الثقافية والآيديولوجية من الدول الصديقة والشقيقة.

قسم من "المجتمعات" المصنفة على قائمة الإرهاب سيكون ضربها من مهمة التحالفات الدولية، ومايتبقى منها تكمله الحرب الداخلية للمجتمعات المُعسكرة؛ ريثما ينتهي العمل بتوقيت الدولة لإسلامية في سوريا.

اقرأ/ي أيضًا:
الليبرالية العربية المحتاجة إلى التطرف
أكراد سوريا.. هل بدأت معركة السيطرة على الحسكة؟