13-نوفمبر-2015

هاليت كروتولموس اتوسلو/ تركيا

شكّل إيميلان باغاتشييف، الملازم المنشق عن الجيش مع بعض الفلاحين، قوةً مسلحة وحكومة بديلة للإطاحة بالقيصر كاترينا الثانية في روسيا عام 1773، وبعد أن تمكّن من إنجاز عدد من الانتصارات تم القبض عليه، وأٌعدم في موسكو عام 1775، هذه الثورة في روسيا ألهمت الشاعر الروسي الكسندر بوشكين لكتابة "ابنة الآمر" 1836 التي ستكون من روائع الأدب الروسي. هذه الثورة التي لم نعد نعلم عنها سوى صورتها في الأدب، وفي بعض اللوحات التشكيلية التي تعود إلى تلك الفتر،ة إلى جانب الوثائق القيصريّة، تحولت تلك إلى متخيل رومانسي مثالي عن الثورات وقمعها على يد السلطة القيصريّة.

نعم هناك موت وعنف، هناك ضحايا بالآلاف، لكن ما هو المتوقع من نظام الأسد؟

كذلك الأمر في 2011، خرجت المظاهرات في محافظة درعا السورية ووُجهت بالقمع والرصاص الحي، ماكينة قتل بأكملها استُخدمت وما زالت تَستخدم كلّ ما لديها لقمع الثورة، الآن وبعد خمس سنوات، أصبحت عبارة "الزمن الجميل للثورة"، أو "أيام ما كانت ثورة".. باتت تردد بكثرة، بوصف ما يحدث في سوريا فقد جوهره وأهدافه. الانتقاد هنا موجه لمفهوم "أيام ما كانت ثورة" ألم تعد كذلك الآن؟ أليس من المنطقي لنا أن ندرك، ولو متأخرين، أن هذا الرد العنيف من قبل نظام الأسد هو تصرف منطقي، لن يُقابل المتظاهرون بالورود أو التصفيق بأن أرجعوا إلى بيوتكم الأسد سيرحل.

هذا التباكي على الزمن الجميل بوصف ما يحدث الآن ليس بـ"ثورة" ليس إلا موقفًا متحذلقًا، من قبل أولئك الساعين لتكون سوريا تُشابه المتخيل والأسطوري لتاريخ الثورات البعيد عن الواقع، نعم هناك موت وعنف، هناك ضحايا بالآلاف، لكن ما هو المتوقع من نظام الأسد؟ ما هو المتوقع من حلفائه؟ حتى الأدبيات المرتبطة بالثورة تحاول أيضًا رسم هذه المرجعية المتخيّلة عن الثورة، لكن ما حصل وما يحصل هو تطور صحّي لتركيبة المنطقة، سواء على الصعيد الطائفي أو السياسي، ظهور دولة الإسلام هو نتيجة طبيعية لفشل أشكال الدول المعاصرة التي كانت تدّعي أنها دول قانون.

العنف الممارس والذي نشهده من كل الأطراف هو عنف تاريخي، ليس وليد لحظة، لم يقرر نظام الأسد فجأة سجن وقتل جميع معارضيه، لم يكن قيام دولة الإسلام نتيجة نزوة أمريكيّة أو انتماءات ضائعة لم تجد لنفسها منفذ، التحذلق ومحاولة التمسك بما هو فانتازي عن الثورة هو إهانة للشهداء، لأولئك الذين قضوا.

لم يكن من الممكن أن يحصل غير ما حصل، باغاتشييف أُعدم وتحوّل إلى مادة أدبيّة وبقي القيصر على عرشه. السوريون اليوم يُقتلون ويُهَجرون يوميًا، لا بهدف كتابة قصيدة جميلة أو رواية عن زمن الثورات الجميل والقٌبل تحت الرصاص، الهدف هو الإطاحة بمافيا القمع التي لن تتردد بتقسيم أو بيع أي جزء.

بعد سنوات سنقرأ عن سوريا لم يعش فيها أي منّا، عن سوريا أخرى من نتاج المخيّلة

من هم في الخارج، وأنا منهم، نكتب عن سوريا فقدناها، نكتب عن الذاكرة، لا عن ما يحصل حاليًا، وكلما أٌعيد إنتاج الذاكرة/ الماضي تورطت أكثر في الخيال. بعد سنوات سنقرأ عن سوريا لم يعش فيها أي منّا، عن سوريا نتاج المخيّلة، وهناك جيل يتكون الآن، من أطفال المنافي والمهجرين سيتعرفون على سوريا مختلفة، سوريا الخيال، سوريا التي شهدت ثورة مرة، أما الآن، فهي في حرب، الهويات "السوريّة" الجديدة التي يكتسبها المهجّرون والمنفيون هي مزيح من الذاكرة والخيال والصور، سوريون يضعون سوريين في أقفاص كي لا يقتلهم سوريون آخرون، قابيل قتل هابيل، والآن نقول أن هذه أسطورة، بعد سنوات من الآن، هل سيقول البعض أن هذه أسطورة؟

الخيارات البديلة ستكون وحشية لأنها تحاكي نظام الديكتاتور لتحافظ على وجودها، لأن المعلوم أن نظام الأسد هو المرجعية الوحيدة لدى الكثيرين منا عن شكل "الدولة" على صعيد الممارسة، وإعادة إنتاجه "وهذا ما يحصل حاليًا" يعني أن شيئًا لم يتغير.

تفكيك المتخيل والذاكرة وانتهاك البنى المكتسبة عن شكل الدولة وممارساتها هو الوسيلة لتجاوز آليات القمع التي لا دور واع لنا في تكوينها، بل هي نتاج الخبرة الوحيدة التي يمتلكها الكثيرون منا مع مفهوم "الدولة"، كل هذا في سبيل أن نتجاوز فكرة الدولة ضد الفرد، أو مؤسسات "تَعلم" ضد شعب "يَجهل"، إلى جانب تجاوز سوريا المتخيّلة في عقولنا والتي تصلح للقصائد والروايات.

اقرأ/ي أيضًا:

موسم الارتداد عن الحب

سجن تدمر حيث "الأسد منع الله من الدخول"