12-فبراير-2016

باراك أوباما (Getty)

المقال التالي هو ترجمة مقال "ايميل هوكايم" في الفورين بوليسي عن آثار التدخل الروسي في الأزمة واستراتيجة أوباما التي ساعدت هذا التدخل في تحقيق أهدافه


يا له من فارقٍ هائل صنعه عامٌ واحد في سوريا، ودخول قوة جوية روسية ضخمة على خط المعركة.

في فبراير الماضي، قام نظام الرئيس بشار الأسد والقوات الشيعية المعاونة له بمحاولةٍ واسعة النطاق لمحاصرة حلب، المدينة الشمالية المقسمة بين النظام والمتمردين منذ العام 2012 والتي سحقتها قنابل الديكتاتور البرميلية. في مفاجأة لهؤلاء الذين سخروا من أدائهم، ناهيك عن وجودهم؛ صدت الفصائل الرئيسية للمتمردين الإسلاميين وغير الإسلاميين الهجوم آنذاك. تبع ذلك سلسلة من المكاسب للمتمردين عبر البلاد، والتي أضعفت الأسد بشدة إلى حد أنها أدت إلى تدخل موسكو في سبتمبر، بالتنسيق مع زيادة القوات الإيرانية، لضمان بقائه.

بعد عامٍ من تلك الأحداث، وعقب بدايةٍ بطيئة – ورغم التقييمات الغربية المتفائلة بأن موسكو لا تستطيع تحمل بذل جهدٍ عسكري ذي أثرٍ بالخارج – فإن الحملة الروسية تؤتي ثمرها أخيرًا لتسفر عن نتائج تصب في صالح قوات الأسد. في الأسبوع الماضي، سمحت القوة الجوية الروسية للأسد والقوات شبه العسكرية المتحالفة معه بقطع ممر أعزاز الضيق الذي يسيطر عليه المتمردين، والذي يربط الحدود التركية بمدينة حلب. الآن أصبح الحصار الكامل للمدينة واردًا، مع تحرك قوات النظام والمقاتلين الشيعة من الجنوب والغرب والشمال. إذا سقطت الأجزاء التي يسيطر عليها المتمردين من المدينة فسوف يكون ذلك انتصارًا دراميًا للأسد والإخفاق الأكبر للتمرد منذ بداية الانتفاضة في 2011.

ترغب روسيا والنظام السوري في رؤية الولايات المتحدة تتحمل الجهد المبذول ضد داعش، ليركزوا هم على سحق التيار الرئيسي للمعارضة غربي سوريا

بالتوازي مع ذلك، أبلغت روسيا جيران سوريا بالقواعد الجديدة للعبة. تم ترهيب الأردن ودفعها إلى التقليل من مساعدتها للجبهة الجنوبية، التحالف غير الإسلامي الرئيسي في جنوب البلاد، والذي منع حتى الآن وجود المتطرفين على حدودها. أسفر إسقاط تركيا لطائرةٍ حربية روسية عبرت إلى مجالها الجوي في نوفمبر عن نتائج عكسية: وجهت موسكو قوتها النيرانية انتقامًا نحو أصدقاء تركيا المتمردين عبر محافظتي حلب وإدلب. توددت روسيا أيضًا إلى الأكراد السوريين، والذين وجدوا شريكًا جديدًا لملاعبة الولايات المتحدة في علاقاتهم المعقدة مع واشنطن. كما وافقت روسيا على تسويةٍ مؤقتة للمصالح الإسرائيلية في جنوب سوريا.

داخل سوريا، ورغم التمنيات المهذبة لوزير الخارجية جون كيري، أصابت الأغلبية الساحقة من الضربات الروسية مقاتلين غير تابعين لتنظيم الدولة الإسلامية. بالفعل، ترغب روسيا والنظام السوري في رؤية الولايات المتحدة تتحمل نصيب الأسد من الجهد المبذول ضد الوحش الجهادي في الشرق، ليركزوا على سحق التيار الرئيسي للتمرد غربي سوريا. هدفهم النهائي هو إجبار العالم على الاختيار بين الأسد والتنظيم الإرهابي.

النظام يتقدم في كافة الأنحاء. في البداية، أبدى المتمردون مقاومةً شرسة، لكن الزيادة في الأسلحة المضادة للدبابات والتي تم الإعلان عنها بكثافة لم تستطع سوى تأجيل خسائرهم بينما كان يتم دك مخازن الأسلحة ومراكز القيادة والمواقع الخلفية الخاصة بهم. غطى القصف الروسي الذي لا يلين حول دمشق الأحياء التي يسيطر عليها المتمردين بالدماء؛ في ديسمبر، قتلت الضربات الجوية زهران علوش، قائد التنظيم الإسلامي الرئيسي هناك. في الجنوب، دعمت روسيا بالكامل هجوم النظام في منطقة درعا، ما أضعف الجبهة الجنوبية. واجهت تنظيمات المتمردين في محافظتي حماة وحمص قصفًا عنيفًا أدى إلى تحييدها بدرجةٍ كبيرة. إلى الشمال منها، طرد مزيجٌ من قوات الأسد والميليشيات الشيعية الإيرانية والقوة النيرانية الروسية تحالف جيش الفتح الإسلامي القوي من محافظة اللاذقية.

لكن مكاسب النظام حول حلب هي التي تمثل أكبر خطر على التمرد. أحد العواقب السيئة لقطع ممر أعزاز هو أن ذلك يصب في صالح جبهة النصرة المرتبطة بتنظيم القاعدة، حيث أن شحنات الأسلحة سوف يتوجب عليها المرور عبر إدلب، مركز قوة الحركة الجهادية. يحتمل أن تكون إدلب هي الهدف القادم للنظام. قد يرسل الانهيار المحتمل للمتمردين في حلب آلاف المقاتلين المحبطين من التخلي عنهم إلى أيدي النصرة أو داعش.

سوف يتسبب حصار حلب أيضًا في كارثةٍ إنسانية تتخطى الحصار المروع لمضايا والمناطق الأخرى التي حازت اهتمام العالم (قصير الأمد). 

سوف يتسبب حصار حلب أيضًا في كارثةٍ إنسانية تتخطى الحصار المروع لمضايا والمناطق الأخرى التي حازت اهتمام العالم (قصير الأمد). يفر الآلاف من سكان حلب بالفعل في اتجاه كيليس، البلدة التركية التي تقع على الجانب الآخر من الحدود في مقابل أعزاز. الأزمة الإنسانية، إذا كان مازال لدى أي شخص شك، هي استراتيجية متعمدة للنظام وروسيا لتفريغ المناطق المهمة من السكان الإشكاليين – بينما تشل حركة المتمردين والبلدان المجاورة والدول الغربية والأمم المتحدة.

اتبع الأسد طوال الوقت استراتيجية للتصعيد وتقليل الحساسية التدريجييين والتي، للأسف، حققت نجاحًا. يقارن السوريون بالفعل الغضب والاستجابة العالميين نحو حصار داعش لكوباني في 2014 بلا مبالاة العالم نحو مأساتهم الحالية.

لتعقيد الأمور أكثر، قد تسمح مكاسب النظام لقوات سوريا الديمقراطية التي يهيمن عليها الأكراد وتفضلها الولايات المتحدة بالسيطرة على المنطقة التي يسيطر عليها حاليًا الجيش السوري الحر والميليشيات الإسلامية بين الحدود التركية والخط الأمامي الجديد للنظام شمال بلدتي نبل والزهراء الشيعيتين. سوف يجعل هذا قوات سوريا الديمقراطية في مواجهة داعش على جبهتين: من الغرب، إذا استولى أكراد مقاطعة عفرين على تل رفعت وأعزاز والمناطق المحيطة، ومن الشرق، حيث تفكر وحدات حماية الشعب في عبور نهر الفرات. هزيمة داعش سوف تغلق الحدود مع تركيا، ما سوف يحقق هدفًا أمريكيًا هامًا.

تقلق احتمالية المزيد من التوسع الكردي تركيا بالفعل. خلال الصيف، كانت تركيا تأمل في إقامة منطقة آمنة في نفس المنطقة تحديدًا. ضغطت تركيا على جبهة النصرة للانسحاب واختارت حلفائها في سوريا، ومن بينهم حركة أحرار الشام الإسلامية البارزة، ليكونوا القائمين على تنفيذها. متسقةً مع سجلها في التردد المحسوب، تركت إدارة الرئيس باراك أوباما الطلب التركي معلقًا حتى لم يعد ممكنًا تطبيقه. تواجه تركيا معضلةً مؤلمة: هل تقف متفرجة بينما تتجمع عاصفة على حدودها، أو تقوم بتدخلٍ مباشر في سوريا سوف يشعل حتمًا مشكلتها الكردية ويضعها في مواجهة كلٍ من داعش ومجموعة من القوات الحليفة للأسد، من بينها القوات الروسية.

في الوقت الحالي فإن تركيا والسعودية، داعمي التمرد الرئيسيين، ليس لديهما أي خيارات. ليس من المحتمل أن تغير أي كمية من الأسلحة توازن القوى. كان إدخال أسلحة مضادة للطائرات خيارًا متاحًا ضد قوات الأسد الجوية يومًا ما، لكن أيًا من البلدين – مشتبهين في أن الولايات المتحدة صامتة في مواجهة نهج موسكو – ليست مستعدة للتصعيد ضد الرئيس فلاديمير بوتين بدون غطاء.

للمفارقة فإن ذلك التغير الخطير في ديناميكيات المعركة يحدث بينما يدفع مبعوث الأمم المتحدة ستيفان دي ميستورا مجددًا نحو مسارٍ دبلوماسي في جنيف. لكن التطورات على الأرض تهدد بإخراج مخطط الدبلوماسي الأنيق لتحقيق السلام عن مساره. سواء كان ذلك مستحقًا أم لا فإن دي ميستورا تلوثه حقيقة أن الأمم المتحدة ليست لها مصداقية في أعين الكثير من السوريين بسبب تشابكات ذراعها الإنساني الإشكالية مع النظام. رغم قرارات الأمم المتحدة، ماتزال أغلب المساعدات لا تصل إلى الذين هم في أشد الاحتياج إليها؛ في الواقع، لقد أصبحت المساعدات أداة في استراتيجية الأسد الحربية، في حين أن كلًا من كيري ودي ميستورا ليس مستعدًا للضغط على روسيا والأسد خوفًا من تعريض محادثات جنيف المجهضة للخطر.

غير آبهٍ بذلك الجدل، يعتمد نهج دي مستورا من الأعلى لأسفل هذه المرة على تقاربٍ واضح بين الولايات المتحدة وروسيا. في قلب ذلك التقارب يقع أمل واشنطن الأزلي في أن إحباط روسيا من الأسد سوف يُترجم بطريقةٍ ما إلى استعدادٍ للإطاحة به. لكن ما إذا كان الأسد يروق لبوتين كان دائمًا أمرًا هامشيًا. لدى الرئيس الروسي بالطبع تحفظاتٍ على الأسد، لكن بالحكم من سلوك قواته في الشيشان والآن في سوريا، فإنها تتعلق بالأداء لا المبادئ الإنسانية أو شرعية الأسد. في الوقت الحالي، تفهم موسكو أنه بدون الأسد لا يوجد نظام في دمشق يمكن أن يعطي الشرعية لتدخلها.

منذ عام 2011، اختبأت الولايات المتحدة خلف الأمل في تحولٍ روسي وغضت الطرف عن ممارسات بوتين لتجنب الخيارات الصعبة بشأن سوريا. عندما بدأ الهجوم الروسي، توقع مسؤولون مثل نائب وزير الخارجية توني بلينكين مستنقعًا لتبرير سلبية واشنطن. إذا كان محتمًا على التدخل الروسي الفشل، بعد كل شيء، فإن الولايات المتحدة لم تكن مستعدة للقيام بأي دور.

 تنازلت الولايات المتحدة عن نقاط رئيسية بشأن مستقبل الأسد – تنازلات أسرعت روسيا والنظام في حصدها، بينما لم يقدما شيئًا في المقابل

لكن روسيا لم تستطع فقط زيادة إيقاع عملياتها العسكرية، وإنما أيضًا تبرير كلفتها المتصاعدة. وخلافًا لبعض المحللين الذين أشادوا بالتدخل الروسي واعتبروه أفضل فرصة لإيقاف توسع داعش، تعلم واشنطن جيدًا أن نتيجة الحملة الروسية هي تقوية التنظيم الجهادي في وسط سوريا على المدى القصير. يبدو هذا ثمنًا لا تمانع واشنطن في دفعه من أجل الإبقاء على عملية جنيف حية.

لكن إفلاس السياسة الأمريكية أعمق من ذلك. تنازلت الولايات المتحدة بالفعل عن بعض النقاط الرئيسية بشأن مستقبل الأسد – تنازلاتٍ أسرعت روسيا والنظام في حصدها، بينما لم يقدما شيئًا في المقابل. خلال الأيام الأولى لمحادثات جنيف وفي الأيام القليلة التي سبقتها، بات من الواضح أن الولايات المتحدة تمارس ضغطًا أكبر على المعارضة مما تمارسه على روسيا، ناهيك عن الأسد. بينما تصعد روسيا سياسيًا وعسكريًا، تتراجع الولايات المتحدة باستمرار، وتطلب من حلفائها القيام بالمثل. يضعف هذا المجموعات المتمردة التي تعتمد على شبكات إمداد تشرف عليها الولايات المتحدة: في الجنوب، طلبت الولايات المتحدة خفض عدد شحنات الأسلحة  إلى الجبهة الجنوبية، بينما في الشمال، تورد تقارير أن غرفة العمليات التي تتخذ من تركيا مقرًا لها هامدةٌ تمامًا.

النتيجة هي شعورٌ مفهوم وواسع النطاق بالخيانة بين صفوف التمرد، الذي تفقد فيه العناصر الصديقة للولايات المتحدة ماء وجهها وسط دوائر المعارضة. للمفارقة قد تكون نتيجة ذلك تفتيت التمرد – بعد أعوامٍ من تحسر الحكومات الغربية على الانقسامات بين نفس هذه المجموعات.

من المفهوم ان تعتمد الولايات المتحدة على عملية سياسية وتدفع المعارضة السورية إلى المشاركة في الحوار بحسن نية. لكن فعل ذلك بالتزامن مع تعريض التمرد لآلة القتل الأسدية الروسية الإيرانية وبدون التخطيط للطوارئ هو أمرٌ شائن. تبدو واشنطن غافلة عن الحقيقة البسيطة أن الدبلوماسية لها كلفة، وفشلها أيضًا – ربما بسبب أن تلك الكلفة سيتحملها التمرد، الذي ليس لدى الولايات المتحدة احترام له أو اهتمام به على أي حال، وسوف يرثها خليفة أوباما.

الظروف مهيأة لانهيارٍ كارثي لمحادثات جنيف – والتي تم تأجيلها حتى أواخر فبراير – وعامٍ مؤلمٍ ودموي في سوريا. تفهم جميع الأطراف أنه من غير المرجح أن يغير أوباما، والذي قاوم أي مشاركةٍ جادة في البلاد، مساره الآن؛ وجميعهم يفترضون، ربما على نحوٍ صحيح، أنه مهتم أكثر بمظهر وجود عملية من إنفاق أي رأسمال سياسي عليها. كنتيجةٍ لذلك، تتطلع جميع الأطراف التي لها يد في تحديد مستقبل سوريا إلى عام 2017، محاولين التموضع في انتظار الساكن الجديد للبيت الأبيض. يضمن هذا اتباع سياسة حافة الهوية، والتصعيد، والمزيد من البؤس. تتشكل 2016 لتصبح العام الذي سيجني فيه الأسد مكاسب سياسية وعسكرية كبيرة.

اقرأ/ي أيضًا: 

كيف تجتذب داعش المجرمين والمسلمين الجدد؟

سوريا..المعارضة أمام رهان حلب