09-يناير-2017

أحد مقاتلي الجيش الحر خلال إحدى معارك درع الفرات (حسين ناصر/الأناضول)

لا يزال وقف إطلاق النار الموقع نهاية العام الفائت بين المعارضة والنظام السوري بضمانة تركية-روسية مهددًا بالانهيار نتيجة التصعيد العسكري الذي تشهده جبهات ريف دمشق، في الوقت الذي أعلنت عدة فصائل معارضة توحدها تحت مسمى "مجلس قيادة تحرير سوريا"، وهو ما ينبئ بأن العام الجاري سيكون مفصليًا في المفاوضات المرتقب حدوثها خلال الأيام القادمة.

لا يزال وقف إطلاق النار بين المعارضة والنظام السوري مهددًا بالانهيار نتيجة التصعيد العسكري الذي تشهده جبهات ريف دمشق

وفي وثيقة تناقلتها مختلف وسائل إعلام المعارضة منذ يومين، أعلنت تسعة فصائل -بينها حركة "أحرار الشام الإسلامية" أكبر فصائل المعارضة شمال سوريا- التوحد تحت مسمى "مجلس قيادة تحرير سوريا"، والاتفاق على تشكيل هيئتين عسكرية وسياسية، وأن يتم اتخاذ القرارات بالتوافق فيما بينها.

اقرأ/ي أيضًا: هل تفشل إيران مؤتمر الأستانا؟

ويأتي الإعلان عن تشكيل المجلس الجديد، بعد أيام من شن مقاتلات التحالف الدولي الذي تقوده واشنطن غارات جوية استهدفت في محافظة إدلب مجموعة من قيادات جبهة "فتح الشام"، التي استثنيت إلى جانب تنظيم "الدولة الإسلامية" من اتفاق وقف إطلاق النار، وهو ما يحمل مدلولين، الأول أن إرادة الرئيس الأمريكي باراك أوباما تريد إثبات التزامها باستهداف المنظمات المدرجة على لائحة الإرهاب في سوريا قبل انتهاء مهامها، وثانيهما أن فصائل المعارضة تريد الاتجاه لتحييد "فتح الشام" عن أي عملية اندماج إلا بالموافقة على شروطها.

وفيما تراقب معظم وسائل الإعلام آخر التطورات الميدانية في "وادي بردى"، بدأت "غرفة عمليات ريف حمص الشمالي" هجومًا على حواجز النظام الواقعة بين حمص-السلمية تمكنت فيها من السيطرة على حاجزين على الأقل، بعد ساعات قليلة من إعلان المتحدث الرسمي باسم هيئة أركان "جيش الإسلام" حمزة بيرقدار استعادتهم السيطرة بالاشتراك مع فصائل أخرى "على عدة نقاط هامة على محور كتيبة الصواريخ في الغوطة الشرقية سيطرت عليها قوات الأسد مؤخرًا".

وبموازاة ذلك تستمر الحملة العسكرية التي بدأتها قوات النظام مدعومة بعناصر "حزب الله" اللبناني على "وادي بردى" منذ أكثر من 15 يومًا، ونقل العديد من وسائل الإعلام ونشطاء في ريف دمشق استهداف مقاتلات النظام السوري منطقتي "عين الفيجة، وبسيمة" بغاز الكلور السام، إضافة لشن مقاتلات روسية وسورية عشرات الغارات الجوية على منطقة الوادي.

وزعمت وسائل إعلام تتبع للنظام السوري أن "فتح الشام" أطلقت النار على ورشة الصيانة التي كانت متجهة لإصلاح مضخات المياه في نبع "عين الفيجة" بعد استهدافها من قبل الطيران الحربي بالبراميل المتفجرة نهاية العام الفائت ما أدى لانقطاع المياه عن سكان العاصمة دمشق.

ونفت "الهيئة الإعلامية في وادي بردى" عبر صفحتها الرسمية على موقع "فيسبوك" صحة الأخبار التي نقلها النظام السوري، مؤكدة أن ورشة الصيانة "بقيت واقفة على حاجز قرية دير قانون طيلة يوم أمس (السبت)، بانتظار انتهاء جولات المفاوضات"، وكذبت المعارضة ادعاءات النظام المرتبطة بتواجد لـ"فتح الشام" في الوادي بعدة تصاريح صحفية، مشددة أن الأخيرة انسحبت بشكل كامل في فترة سابقة من العام الفائت.

اقرأ/ي أيضًا: هل ينجح النظام السوري باستعادة وادي بردى؟

ويظهر أن سكان مناطق سيطرة النظام بشكل عام سيشهدون أزمة خدمية أكبر من التي مروا بها خلال السنوات الفائتة، بعد قيام تنظيم الدولة بتفجير شركة "حيان" للغاز الطبيعي بريف حمص الشرقي، بحسب ما نقلت وكالة "أعماق" الناطقة باسمه، مشيرة أن العملية جاءت لأن الشركة تشكل "موردًا اقتصاديًا كبيرًا استغله النظام السوري في تمويل عملياته العسكرية" على حد قولها.

ويرجح التصعيد العسكري الأخير الذي بدأته قوات النظام والميليشيات الأجنبية المدعومة من إيران تأجيل موعد المؤتمر المزمع انعقاده الشهر الجاري في العاصمة الكازاخية "الأستانا"، وسط تأكيد المستشار القانوني لفصائل المعارضة، أسامة أبو زيد، أن المعارضة لن تمضي "خطوة واحدة" لاتفاق "الأستانا" ما لم يتم احترام وقف إطلاق النار، وهو ما شدد عليه عدد من القيادات العسكرية في تغريدات لهم عبر صفحاتهم الشخصية على موقع "تويتر".

التصعيد الذي يمارسه النظام السوري في ريف دمشق، يؤكد مدى تأثير إيران التي تسعى لإدراج نفسها مفاوضًا أساسيًا في مفاوضات الأستانا

ويخالف حديث رئيس النظام السوري بشار الأسد للنائب الفرنسي، تييري مارياني، أنه "على استعداد للمصالحة (مع المعارضة) شرط إلقاء أسلحتهم"، بحسب ما ذكرت وكالة الأنباء الفرنسية، ما يحدث على الأرض من تصعيد عسكري على كافة الجبهات التي تسيطر فصائل المعارضة الموقعة على اتفاق وقف إطلاق النار، ويتضارب مع تصريحاته لوسائل إعلام فرنسية يقول فيها إن "النصر" سيتحقق عندما يقضي على "جميع الإرهابيين"، ما يدل على عدم مصداقيته في الذهاب لمؤتمر "الأستانا".

كما أن التصعيد الذي يمارسه النظام في المناطق المحيطة بالعاصمة دمشق، يؤكد مدى التأثير الإيراني عليه، والتي تسعى لإدراج نفسها مفاوضًا أساسيًا في "الأستانا"، لضمان بقاء الأسد في السلطة، بينما تصر أنقرة، أحد الأطراف الأساسية في المؤتمر - أن تتضمن المرحلة القادمة رحيل الأسد عن السلطة.

ومن المنتظر أن تلعب روسيا دورًا هامًا في الضغط على النظام السوري للالتزام بوقف إطلاق النار، وهو ما لم تمارسه حتى الآن، وسط مطالب تركية يومية للالتزام بالقرار، وتهديد المعارضة بعدم الذهاب لاجتماع "الأستانا"، وفي حال لم يتم التوصل لأي مبادرة جديدة فإنه يتوقع أن يبدأ النظام تصعيدًا عسكريًا جديدًا يستهدف محافظة إدلب التي تسيطر عليها المعارضة بشكل شبه كامل، وهو ما أكدته وسائل إعلام تابعة للنظام السوري.

ويعتبر العام الجاري مفصليًا في الأزمة السورية، إذ يبدو أن جميع الأطراف الدولية لديها اتفاق في أنه يجب التوصل لحل سياسي، رغم إصرار إيران على مضي النظام بالحل العسكري، الذي أودى بحياة مئات الآلاف من المدنيين، ويرجح أن يكون للدول الرئيسية الفاعلة في سوريا دور بارز في رسم ملامح المرحلة القادمة بعيدًا عن إيران التي تحاول التأثير سلبًا على أي اتفاق للهدنة عبر خروقاتها المتكررة.

اقرأ/ي أيضًا:

 سوريا..هدنة النوايا الحسنة؟

الطائرة الروسية ترفع من خسائر تدخل موسكو في سوريا