08-فبراير-2016

مواطنون سوريون في دمشق 2007، يقرؤون نتائج الامتحانات (Getty)

قبلَ سنوات، ومعَ توريث بشار الأسد رئيسًا للجمهورية العربية السورية، أوهمت القيادة المورثة بالعصا الشعبَ بالانفتاح على منظمات المجتمع المدني والصحافة والثقافة، فتأسست بعض المنتديات السياسية والثقافية وراحَ سياسيون واقتصاديون وأساتذة جامعات إلى الأبعد وتحدثوا في تطوير المجتمع والنظام وحتى الحزب القائد للدولة والمجتمع "البعث"، وخاضوا انتخابات مجلس الشعب في جو احتفالي مستبشرين خيرًا.

ونتيجة الهياج العارم، وحبًا بالديمقراطية في سوريا، سجنَ عارف دليلة بعد محاضرة ألقاها على أسماع "الرئيس"

وكان نتيجة الهياج العارم حبًا بالديمقراطية أن سجنَ عارف دليلة بعد محاضرة خاصة ألقاها على أسماع "الرئيس" الذي اكتفىَ بهزِّ رأسه آنذاك وتلقف زبانيتهُ الاقتصادي العالمي وأستاذ كلية الاقتصاد في جامعة دمشق، وزجَّ به في السجن مع اللوطيين ومدمني المخدرات والحوَش، بينما راح ميشيل كيلو موهومًا ومنكبًا في لجنة تطوير "البعث" وهو غير البعثي، ليكبّ ما دونهُ من أبحاث في سلةِ نفايات في مكتبِ علي مملوك، رئيس إدارة أمن الدولة ومكتب الأمن القومي، وسجنَ مأمون الحمصي، وضُربَ رياض سيف على ظهره وبطنهِ ووجهه حتى ضاعت ملامحهُ في زحمةِ اللكمات، وكانَ أن أفرجَ عن المعارض حسن سعدون وفي زيارتنا له في قريته تل الزبيب في ريف القامشلي، اتفقنا في حال تعرض دورية الأمن لنا ومعرفتهم بزيارتنا، سنقول: ذهبنا لننصحه بالكفِّ عن معارضاته وعليه أن يتوب فالبلاد تسير بخطىً حثيثةً إلى "التطوير والتحديث".

لم تكنُ الصحافة بحال أفضل سواء من ناحيةِ تصديق الكذبة والنوم عليها أو في حلم يقظتها وتبولها في سروالها قبلَ أن يقيل اللواء حمد سميرة المسالمة التي ذرفت دمعتين جافتين على أهلها في درعا، كلفتها تلك الدمعات خسرانها وظيفتها ومغادرة البلد، ربما إلى غير رجعة.

وزير الإعلام في أحسن أحوالهِ يرتقي إلى مستوى رئيس مفرزة أمن، وليس من صلاحياته إقالة أحد أو توظيف أو تثبيت أحد آخر، وعندما يقيلُ لواء وكل اسمه حمد رئيسة تحرير صحيفة ظاهرها خارج حسبة النظام المدرسية، وباطنها وسيلة انتفاع، فهذا يعني القيمة العليا لهذا المنصبِ الصحاثقافي!

المواطن العربي العتيد ليس فقط رهن السياسة وعصيان الأنظمة الغليظة وإنّما هو مكَبٌ للفضلات الثقافية

ثقافيًا وتحديدًا في وزارة الثقافة، وربّما كان هذا بوجود رياض (النعسان) آغا، وللأمانة لاتوجد قرابة بين رياض نعسان آغا وزميلنا وصديقنا خضر الآغا، فالأول من إدلب والثاني من السلمية، ولقب خضر يقترن بأل التعريف بينما تختفي الأل من كنية رياض؛ يقال إنَّ خمسة مدراء في الوزارة أقيلوا بإدانات مبرمة من هيئة الشفافية والنزاهة، فكما معلوم عن "القائد الشاب" الذي قدمَ نفسه مواطنًا قبل أي شيء بأنّه قائد "مسيرة التطوير والتحديث"، كما قدم والده نفسه قائدًا "للحركة التصحيحية"، وبدلًا من ذهابِ الخمسة اللانزيهين إلى المكان الطبيعي في هذه الحالة، فقد عيّن أحدهم مديرًا للمركز الثقافي في اليمن، وبدلًا من أن يستلم في الوزارة راتب موظف من الفئة الأولى في أقصى مراميه آنذاك 20 ألفًا سوريًا، صار يقبض 7000 دولار، وعين آخر بالملحقية الثقافية في بلغاريا، وآخر صار مديرًا لثقافة ريف دمشق، والاثنان الآخران أعادا انتشارهما في التلفزيون العربي السوري "الذي يكذب في كل شيء حتى في النشرة الجوية"، كما قال الراحل ممدوح عدوان.

الأكثرُ نشاحة من كلِّ ما تقدم العرف السيء الذي دأبت عليهِ الصحفِ باستكتابِ كتّابٍ منتهي الصلاحية والأهلية وإعادة تدوير فضلاتهم، ليبصقوا على القارئ أسبوعيًا بزاوية باهتةٍ ممجوجةٍ تدعو للتقيؤ، بحجةِ رد الجميل لهم وتأمين مبلغ يؤمن بعض متطلباتهم المعيشية، وكان يمكن تخصيص راتب تقاعدي وحفظ ماء الوجهِ للكاتبِ والمتلقي الذي صار لزامًا عليهِ أن يطالعَ ما يطرحه الكاتب الذي كان في يوم ما مضى، يكتب بشكل جيد نسبة إلى تلك الحقبة الموسومة بالخوف وقلةِ الكتّاب، فترة يجوز فيها المثل "من قلة الرجال سَموا الديك أبو علي" وكذلك "من قلة الخيل سرَجوا عالكدش"!

إذن، المواطن العربي العتيد ليس فقط رهن السياسة وعصيان الأنظمة الغليظة وإنّما هو مكَبٌ للفضلات الثقافية، وعليهِ أن يعلكَ هذه الحال طالما أنَّ العالم الديمقراطي نفسه لم يقرأ الحركة التصحيحية: الحركة التخريبية، ولم ينظر إلى التطوير والتحديث على أنه تزوير وتأخير!

اقرأ/ي أيضًا:

الصورة الطبقية للمؤسسة العسكرية في سوريا

حافظ الأسد.. ذاكرة الرعب