يوماً ما، عندما يقرر أحد المؤرخين كتابة تاريخ سوريا، في السنوات الخمسين الأخيرة، ويتعرض لمختلف أشكال القمع والاستبداد والتعذيب والاضطهاد التي طالت السوريين في كل مكان، الأكيد أنه سيخصص نصيبًا لطلبة الجامعات وما طالهم من اضطهاد وظلم. ولطالما كان "الفصل من الجامعة بتهم سياسية" جريمة ترتكبها أجهزة النظام المختلفة، المخابراتية والتعليمية والنقابية، بحق الطلاب وتتكرر هذه الجريمة كل عام وفي كل الجامعات السورية، بحق العشرات أو المئات.
يعود منع العمل السياسي بين طلاب الجامعات إلى السبعينيات عند وصول الأسد الأب إلى السلطة، وكان ذلك إحدى الركائز التي استند عليها النظام منذ عام 1972، بعد توقيع معاهدة ميثاق جبهة الأحزاب الموالية له "الجبهة الوطنية التقدمية".
إثر ذلك قام حزب البعث الحاكم، وبموافقة الأحزاب الموالية له باحتكار العمل في الوسط الجامعي، وبدأت قصة "الفصل من الجامعة بتهم سياسية" تطال كل طالب ينشط سياسيًا خارج دوائر النظام وأجهزته وأحزابه، أو ينشئ منتديات وكتلًا طلابية، أو يقوم بإصدار مجلات حائط أو يوزع الصحف والنشريات السياسية والثقافية وغيرها. وهكذا، أحكم النظام قبضته على الجامعة، وأنهى أهم أنشطة الطلبة من خلال القمع والتهديد بالاعتقال والفصل من الجامعة، في عملية استمرت منذ عقود.
احتكر حزب البعث الحاكم في سوريا طيلة سنوات الأنشطة في الوسط الجامعي
تشكل لجان الانضباط في كل كلية ومعهد في سوريا من أساتذة الكلية أو القسم ومن أعضاء اتحاد الطلبة، بالإضافة إلى مندوبين من الفروع الأمنية، ويحرص النظام على أن تكون هذه اللجان من الموالين له في كل الأحوال. وتقوم هذه اللجان بإصدار قرارات الفصل من الكلية أو الجامعة بحق الطلاب، بموجب تقارير أمنية وحزبية بعثية تعتبرهم "مخربين ومثيري شغب في الجامعة".
وارتفع أعداد المفصولين من جامعاتهم في سوريا بعد شهر آذار/مارس 2011 على خلفية الحراك الطلابي المتنوع، الذي نشأ آنذاك بتأثير الثورات الشبابية العربية. كانت كلية الطب البشري في جامعة دمشق، تشهد اعتصامات ومظاهرات متفرقة طوال عام 2011 وقام النظام بمعاقبة المشاركين في الحراك الطلابي وجرى فصل يمان القادري، طالبة سنة ثالثة طب بشري، بعد اعتقالها في أحد الفروع الأمنية لـ 23 يوماً.
تشكل لجان الانضباط في سوريا من الأساتذة وأعضاء اتحاد الطلبة ومندوبين من الفروع الأمنية، ويحرص النظام على أن تكون هذه اللجان من الموالين له
وصدرت قرارات الفصل من الجامعة لنشطاء المظاهرات الطلابية في جامعة دمشق، مثل آلاء جحا من كلية الطب البشري، وأحمد قزيز من كلية الصيدلة، ولمى العيسمي وكنان القوتلي ووائل كيخيا ومي رستم من كلية هندسة العمارة، وعدي السيد وخالد مروة من كلية الهندسة الميكانيكية والكهربائية.
أما في جامعة حلب، والتي شهدت أكبر حراك طلابي في السنوات الأخيرة، وخاصة الإضراب الكبير صيف عام 2012، فقد قامت أجهزة النظام بمعاقبة نشطاء الحراك في كل كلية ومعهد في الجامعة. وشملت قرارات الفصل بتهم سياسية 298 طالب وطالبة مثل جكرخوين ملا من كلية الهندسة المدنية وجيهان الريس وسهام حوت وفاديا نعنوع من كلية الآداب والعلوم الإنسانية وسوسن عكر وجهاد أحمد من كلية العلوم وغيرهم.
هكذا، نال طلبة جامعتي دمشق وحلب الحصة الأكبر من قرارات الفصل، بينما النسبة الأقل كانت من حصة جامعات حمص واللاذقية ودير الزور والحسكة. وكانت آخر قرارات الفصل الجماعية من الجامعة بتاريخ 30 كانون الأول/ديسمبر 2014 في جامعة حلب وطالت العشرات من الطلاب والطالبات.