28-ديسمبر-2017

مثل ترامب عاملًا أساسيًا في الاضطرابات العديدة التي شهدتها الولايات المتحدة في 2017 (Getty)

"لقد كان عامًا مليئًا بالاضطرابات في الحياة الأمريكية. وكان العامل الأساسي فيها هو دونالد ترامب"، بهذا تبدأ صحيفة "The World Weekly" تقريرها الذي تقدم فيه جردًا للعام الأول لحكم ترامب، الذي تصفه بـ"الرئيس الأقل شعبية في التاريخ الأمريكي الحديث. في السطور التالية نقدم لكم التقرير مترجمًا بتصرف.


بعدما أقسم اليمين الدستورية على منصة مبنى الكابيتول الأمريكي، في العشرين من شهر كانون الثاني/يناير 2017، بدا وجود دونالد ترامب متناقضًا بشكلٍ غريب. وتعرض للسخرية من كونه "غير صالح للمكتب البيضاوي"، بل إنّ كافة استطلاعات الرأي تقريبًا، أشارت إلى فشله، والعديد من المراقبين اعتبروه -في البداية على الأقل- مرشحًا بمثابة "نكتة هزلية".

كل استطلاعات الرأي تقريبًا قالت بفشل ترامب في الانتخابات، واعتبره عديد المراقبين بمثابة "نكتة هزلية"، لكنه خيب الظنون وانتصر! 

ولكن عندما خاطب الحفل الافتتاحي في ذلك اليوم الرَّطِب من شهر كانون الثاني/يناير، كان دونالد ترامب هو الرئيس الـ45 للولايات المتحدة الأمريكية.

اقرأ/ي أيضًا: دونالد ترامب.. سيرة موجزة لممثل فاشل

وفي خطابه الافتتاحي لولايته الأولى، قال ترامب، إن "يوم العشرين من شهر كانون الثاني/يناير 2017، سوف يذكره التاريخ على أنه اليوم الذي أصبح فيه الشعب الحاكم الحقيقي لهذه الأمة مرة أخرى"، مُضيفًا أن "الرجال والنساء المنسيين في بلادنا، لن يُنسوا بعد ذلك اليوم، الجميع يستمع إليكم الآن".

بدأ هذا الشعور بالاضطراب في المكتب البيضاوي. وقالت مصادر لصحيفة نيويورك تايمز، إن ترامب يبدأ كل يوم كجزء من لعبة "معركة من أجل إثبات الذات". كل شيءٍ عن المواجهة، عبر حسابه الرسمي الآن على تويتر، والذي يغذيه من خلال مشاهدة الأخبار التلفزيونية لمدة تصل إلى ثماني ساعات في اليوم. جديرٌ بالذكر أن البيت الأبيض قد رفض هذا التقرير ووصفه بالكاذب.

ومع ذلك، وفي خضم كفاحه من أجل البقاء، بدأ ترامب في وضع جدول أعماله المحافظ الذي أطلق عليه "أمريكا أولًا". وبعد مرور 100 يوم من التعثر، قام ترامب بتنفيذ العديد من وُعود حملته الانتخابية، فقد تم تجريد الأنظمة البيئية من مهامها، وهو يقوم ببناء نظامٍ قضائي اتحادي موجَّه نحو المحافظين، والذي يُنتظَر أن يستمر جيلًا كاملًا، ويجسده قاضي المحكمة العليا المعين حديثًا، نيل غورسوتش، كما أنّه يُجري بناء نماذج أولية لجداره الحدودي مع المكسيك الذي وعد به كثيرًا.

المعلومات المضللة

عندما تفشل إحدى تحركاته، يعود ترامب إلى اعتماد خطاباته الفريدة من نوعها. تقول كاثلين هول جاميسون، أستاذ الاتصالات في جامعة بنسلفانيا، إن "ترامب يرفض المعلومات التي لا تناسبه، الصادرة من القيمين على المعرفة بشكل مؤسسي، ويلجأ في المقابل للمعلومات المضللة".

إن مناهضة رسائل ترامب لدولة المؤسسات لا تحتاج إلى إثبات، فهي تفسر الحقائق الموضوعية التي تنافى حججه عبر مستنقع الفساد في واشنطن، كما تحصر حلول الاضمحلال وقيادة أمريكا إلى بر آمن، عبر معلوماته الخاصة التي طبعًا يزعم ويروج لكونها لا تشوبها شائبة.  

قال أندرو روزنبرغ، مدير مركز العلوم والديمقراطية في اتحاد العلماء المهتمين: "لقد نحّت هذه الحكومة، العلم جانبًا، فهي لا تأخذ العلم في الاعتبار كجزء من سياستنا العامة، مظهرة اهتمامًا ضئيلًا بتعزيز المشاريع العلمية".

وتعد التحركات الرئيسية، مثل انسحاب الولايات المتحدة من اتفاق باريس للمناخ، بمثابة أعراضٍ للإعراض الحكومي واسع النطاق عن الممارسات العلمية. كما عانت التقارير العلمية التي تتعارض مع سياسة الحكومة من إيقاف المنح التمويلية المفاجيء، أو حتى حذفها من مواقع الحكومة الفيدرالية!

وفي حادثة وقعت في شهر تشرين الأول/أكتوبر لعام 2017، أوقف ثلاثة من علماء وكالة حماية البيئة فجأة عن تقديم دراستهم حول تأثير تغير المناخ على خليج مصب نهر ناراغانسيت، والتي كان يفترض تقديمها في إحدى المؤتمرات، دون ذكر مبرر لهذا التصرف.

من جهة اُخرى، استخدم ترامب مصطلح "الأخبار الكاذبة" لينزع الشرعية عن التغطيات التي يراها ناقدة له ولحكومته، وقد دخلت في دائرة اتهام ترامب، مؤسسات إعلامية معروفة بموضوعيتها ودقتها. كذلك وجه ترامب تهديدات للصحفيين، وحرمهم من طرح الأسئلة في المؤتمرات الصحفية، بسبب ما ادعى أنها "تقارير مزيفة"!

عن هذا قالت كورتني رادش من لجنة حماية الصحفيين، إن "هذا المستوى من الهجوم الشخصي على وسائل الإعلام، لم يسبق له مثيل من رئيس للولايات المتحدة الأمريكية "، مُضيفًا أنّ "صدور مثل هذا الخطاب المناهض للصحافة من أعلى مستويات في السلطة، من شأنه أن يرسل رسالةً ضمنية أنه من المقبول مهاجمة الصحفيين وتهميشهم".

وفي هذا الصدد، يُذكر أن لجنة حماية الصحفيين، قد وثقت 39 هجومًا جسديًا على الصحفيين في الولايات المتحدة، خلال عام 2017، الأول في حكم ترامب.

وثقت لجنة حماية الصحفيين، 39 اعتداءً جسديًا على الصحفيين في الولايات المتحدة، خلال 2017، العام الأول لحكم ترامب

وكان للهجة ترامب الخطابية أثر عالمي، فقد شهد هذا العام ارتفاعًا في عدد الصحفيين الذين سُجنوا بتهم نشر أخبار كاذبة إلى 21 صحفيًا، مقارنةً بتسعةٍ فقط في عام 2016. وكانت الحكومات غير الديمقراطية مثل حكومات كمبوديا وروسيا ومصر، من أشد المؤيدين لمعاملة ترامب العنيفة للصحافة والصحفيين.

اقرأ/ي أيضًا: ترامب.. خطر على الصحافة والرئاسة معًا 

تقول تقول كورتني رادش: "إن مقولة ترامب: (الأخبار الكاذبة) قد استُخدمت من قِبل الحكومات الاستبدادية في جميع أنحاء العالم لتبرير قمع التغطيات المعارضة".

رئيس عدائي والكثير من المعارضين

في استطلاع رأي أجرته وكالة أسوشيتد برس، في شهر كانون الأول/ديسمبر، بلغت نسبة المشاركين فيه 32%، حصل ترامب على أقل معدل شعبيه سجله رئيس في سنته الأولى. ومن بين الذين شملهم الاستطلاع، رأى 52٪ أن البلاد صارت أسوأ حالًا منذ أن أصبح ترامب رئيسًا، فيما يعتقد 67٪ أن الولايات المتحدة "أصبحت إلى حدٍ ما، أكثر انقسامًا تحت رئاسة ترامب".

وكانت الاحتجاجات هي سمة عامه الأول في منصبه كرئيس للولايات المتحدة، والتي بدأت منذ اليوم الأول من ولايته بما عرف بـ"مسيرة المرأة"، والتي عبر من خلالها مليون شخص جابوا شوارع العاصمة واشنطن، في تحدٍ لشعار ترامب المعبر عن أيوديولوجيته (أمريكا أولًا). ثم الاحتجاجات في 80 مطارًا على قرار حظر دخول المسلمين للولايات المتحدة، إلى تعطيل جلسات الاستماع، لإلغاء برنامج أوباما كير. وشهدت أغلب السياسات المقترحة لحكومة ترامب غضبًا ومناهضة حماسية.

52% من الأمريكيين يرون أن بلادهم صارت أسوأ حالًا منذ تولي ترامب للرئاسة (أسوشيتد برس)
52% من الأمريكيين يرون أن بلادهم صارت أسوأ حالًا منذ تولي ترامب للرئاسة (أسوشيتد برس)

عن التظاهرات والاحتجاجات، تقول دانا فيشر، أستاذة علم الاجتماع بجامعة ميريلاند، إن "هذه الصور للمتظاهرين والمواقف السياسية التي تتحدى الحكومة، تمثل الأهمية المتزايدة لقيمة المقاومة في أمريكا المعاصرة".

وأدّى أسلوب ترامب الهجومي والعنيف في الإدارة، إلى حدوث انقسامات، وتحولت صورته الافتتاحية بالمنصب عن "المذبحة الأمريكية" إلى هجمات على ما يصوره على أنه اضمحلال أخلاقي في الولايات المتحدة، إذ وصف ترامب لاعبي الدوري الوطني لكرة القدم، بـ"غير الوطنيين"، إثر ركوعهم احتجاجًا على وحشية الشرطة والاضطهاد العرقي المنتشر. 

وتضيف فيشر، أن المقاومة في الولايات المتحدة هي، في جزءٍ منها، ضرورة ضد هذه الخطابات السياسية العدائية من ترامب وغيره، مُضيفةً أنّ "الزخم الذي بدأه حزب الشاي وغيره من ممثلي اليمين واليمين المتطرف، قد ساهم في نُشُوب حربٍ ثقافية حطمت الأساس العام للديمقراطية الأمريكية".

والعديد من هذه القضايا، تخلق أفكار صراعاتٍ لم يكن لها وجود من قبل، ففي استطلاعٍ للرأي أجراه مركز بيو للأبحاث، وجد أن 32٪ فقط من المشاركين يفضلون لفظ تحية العيد "ميري كريسمس - Merry Christmas"، فيما انقسمت هذه النسبة  بين 54٪ من الجمهوريين و19٪ من الديمقراطيين، بينما كان الأمر غير مهمٍ لبقية المشاركين في الاستطلاع، والذين بلغت نسبتهم 52٪.

المنسيون

كتب البروفيسور جاميسون، أن "الواقع المزدوج لنجاح ترامب الانتخابي، ومعاناته المبكرة في الحكم، يزيدان من أهمية الطرح المتسائل عما إذا كان النهج الخطابي لترامب سيظل جذابًا لقطاع كبير من الناخبين الأمريكيين أم لا".

القواعد السياسية الرئيسية لترامب هم من الطبقة العاملة البيضاء، التي مازالت، بالتأكيد، تقف من وراءه بثبات. وأظهر استطلاع للشعبية أجرته شبكة "إن بي سي" مع صحيفة وول ستريت جورنال، في تشرين الثاني/نوفمبر الماضي، في مقاطعات ترامب الانتخابية، أن 48% هو معدل شعبيته.

بينما يخبيء المستقبل طريقًا صعبًا للتوفيق بين خطابه الخالي من الحقائق وأفعاله، ففي هذا الأسبوع وافق الحزب الجمهوري على قانون التخفيضات الضريبية والوظائف، بتكلفةٍ مساهمة تُقدَّر بـ1.5 تريليون دولار.

"وظائف، وظائف، وظائف"، هكذا وعد ترامب مرارًا وتكرارًا، أن هذه الضريبة المدفوعة تهدف بالأساس إلى دعم اقتصادي لأنصاره "المنسيين". غير أن التحليلات الاقتصادية قد دحضت ادعاءات ترامب هذه، إذ أظهرت إحدى الدراسات أنه بحلول عام 2019، سيحصل المستثمرون الأجانب في الشركات الأمريكية على خمسة مليارات دولار من تطبيق هذا القانون، أكثر مما سيحصل عليه 80٪ من المستثمرين الصغار في أدنى سلم الدخل في جميع الولايات التي صوتت لصالح ترامب مجتمعة!

رغم أنّ الطبقة العاملة البيضاء تمثل القاعدة الانتخابية الأساسية لترامب، إلا أنّ هؤلاء هم "المنسيون" في سياساته وخططه الاقتصادية!

وبعد الانتهاء من جولة في الولايات المتحدة خلال شهر كانون الأول/ديسمبر، أصدر فيليب ألستون، المقرر الخاص للأمم المتحدة المعني بالفقر المدقع وحقوق الإنسان، تحذيرًا صارخًا بأنّ "حزمة الإصلاحات الضريبية المقترحة تراقب هذا العطاء الأمريكي إلى السبيل الذي تصبح فيه أكثر بلدان العالم المفتقرة للمساواة"، مُضيفًا: "إن الحلم الأميركي سرعان ما يتحول إلى الوهم الأمريكي". 

وختامًا لا تنسى الخطوة التجديفية المستفزة بشأن القضية الفلسطينية، عندما قرر ترامب الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل ونقل سفارة بلاده إليها وما ستتسبب به من متغيرات وتحفيز لعدم الاستقرار والاجحاف في الشرق الأوسط. 

 

اقرأ/ي أيضًا:

هل ستصمد الديمقراطية أمام شعبوية ترامب؟

هل صممت المنظومة الأمريكية لتحمّل رئيس مثل ترامب؟