23-مارس-2018

سمير الزبن

لا يمكن حصر الأعمال الروائية التي تناولت الثورة السورية، إلا أنها، غالبًا، تناولت هذا الحدث إمّا من موقع الضحية، أو الموثّق لما يحدث حوله. في هذا السياق، تأتي رواية "دفتر الرئيس" (دار الحرية للنشر، 2018) للكاتب الفلسطينيّ السوري سمير زبن لتقدّم هذا الحدث من موقع الجلّاد، أي النظام السوري.

"دفتر الرئيس" رواية تعيد قراءة الواقع السوري من خلال دفتر للدكتاتور يعثر عليه في المستقبل

تُعالج رواية "دفتر الرئيس" إذًا، بشكلٍ مُباشر، قضايا تتعلّق بتاريخ سوريا الحديث، مُركِّزةً على سنوات الاحتجاج التي تُروى أحداثها، وكما أسلفنا، من منظور الجلّاد لا الضحيّة.

اقرأ/ي أيضًا: رشا عدلي.. إضاءة ما أهمله التاريخ

يُمهّد سمير الزبن لأحداث رواية "دفتر الرئيس" بحكاية تتناول حدثًا وقع في ربيع سنة 2022  في المغرب. هذا الحدث ليس إلّا عثور أحد الأشخاص على دفتر الرئيس داخل إحدى الشقق السكنيّة في منطقة المزّة في دمشق. يسرد هذا الشخص تفاصيل وملابسات حصوله على هذا الدفتر الذي تركه الرئيس بعد هروبه من دمشق إلى اللاذقية، إثر تراجع الدعم الإيراني لهُ بعد موجة احتجاجات ضخمة تجتاح إيران، وتطالب، عدا عن تحسين الوضع الاجتماعي، وقف دعم الرئيس. بالإضافة إلى استقالة الرئيس السوري بعد احتجاجات شعبية مشابهة لتلك التي انطلقت في إيران. وسحب الرئيس الروسي الجديد للقوات الروسية من سوريا.

بعد وقف الدعم وتخلي حلفائه عنه، يهرب الرئيس إلى اللاذقية، مسقط رأسه، حيث تتخلّص منه طائفته هناك، بالإضافة إلى عدد من المُحيطين به، كونهُ بات يشكّلُ خطرًا عليها، وأيضًا، لتمهّد بذلك سعيها إلى المصالحة مع بقية مكوّنات الشعب السوري، غير أنّ دوامة العنف وحالة الفوضى التي تدخل بها سوريا تحول بين الطائفة والمصالحة المنتظرة.

دفتر الرئيس

بعد فراره، يحاول الشخص الذي وجد الدفتر أن ينشره لدى دار نشر دون ذكر اسمه، خوفًا من الملاحقة والتتبع، لا سيما وأنّ الحقيبة التي عثر فيها على الدفتر كانت تحوي مالًا افتتح به مشروعًا في المغرب ليتمكّن من الحصول على إقامة هناك.

ينتقل السرد لاحقًا في الرواية إلى الرئيس نفسه في الفصل الثاني من رواية "دفتر الرئيس". في هذا الفصل، يروي الرئيس تجربته طيلة سنواتٍ عدّة في موقع الرئاسة، مؤكِّدًا أنّهُ لم يكن يسعى إليه، وأنّ ما حدث تمّ بمشيئة القدر. يبدأ بعد ذلك بسرد التحديات التي واجهتهُ بعد أن ورث السلطة عن والده الذي مهَّد له كل شيء قبل وفاته، على الرغم من شكّه في قدراته المتواضعة.

من ناحية أخرى، يرى الرئيس أنّه تفوّق على أبيه، كونه، وكما يزعم، انتصر على مؤامرة كونية لم يكن والده لينتصر عليها. وبعد التدخل الروسي الذي أذلّه بشروطه، يقول الرئيس أنّ التاريخ سوف يذكر فترة حكمه، بوصفها "الانعطافة الأهم في تاريخ سوريا، بل في المنطقة والعالم بأكمله".

 حنا أرندت: إن أعظم الشرور في العالم يرتكبها أشخاص نكرات

في حديثه لـ"ألترا صوت" يقول سمير الزبن: "إنّها رواية عن المجرمين بوصفهم بشر، يرتكبون ما يرتكبون من جرائم بوصفهم كذلك، حتى الرجل الأول في سورية يبدو كأنه ترس في ماكينة قتل صممها رجل ميت وبقيت تأتمر الميت الذي استمر يحكم البلد من قبره. وهذا ما يجعل الاستشهاد الذي تنقله الرواية عن حنا أرندت"إنّ أعظم الشرور في العالم يرتكبها أشخاص نكرات" حقيقة واقعة في الواقع السوري الحالي.


من الرواية

بعد وفاة أخي، استدعاني أبي وأخبرني ان عليّ البقاء في دمشق، وأن أنسى موضوع العودة إلى لندن لإكمال اختصاصي، قال: "هناك مهام كبرى بحاجة لك، أهم من دراستك، وعليك أن تتفرغ لها". فهمت قراره بحرفيته، لقد فهمت أن عليّ البقاء في دمشق، ولم أفهم أنه اختارني خليفة له إلا بعد أيام . حتى تلك اللحظة، لم أفكر أن أكون بديلا عنه وأحتل منصبه في يوم من الأيام، وبعد أن وصلني خبر وفاة أخي، لم يخطر لي ذلك أيضًا، وفي دمشق دار الهمس حول أخي الذي يصغرني، وقد سمعت هذا الهمس بنفسي، لم أكن أنا والحسبان. هكذا اعتقدت، وهكذا كانت الشائعات، ولكن أبي وحسما لأي لغط يمكن أن يتسبب في خلق حساسية في العائلة، كان قد اتخذ قراره باختياري، ولم يقبل أن يتجاوزني لمصلحة أخي الذي يصغرني، لأن هذا يعني الشقاق في العائلة، كان خياره الترتيب الزمني وهذا الترتيب لصالحي. لم أكن يوما تواقا إلى السلطة وأبي يعرف ذلك.

 

اقرأ/ي أيضًا:

هشام ناجح.. الكاتب الذي صنعته "مهن القسوة"

أفونسو كروش.. لقاءات شخصية مع أبطال "الجريمة والعقاب" و"فهرنهايت 451"