30-أبريل-2019

الفنان سميح شقير (فيسبوك)

في الأمس القريب، كانت تونس ومصر وسوريا واليمن. واليوم، الجزائر والسودان، ولا نعرف من يلتحق بركب هاتين الثورتين في قادم الأيام. الربيع العربيّ إذًا يضرب مجدّدًا. والأنظمة العربية القمعية تعيش حالة رعب. توسِّعُ من القمع فإذا بالقمع يُضاعف من احتمالات الثورة. وعن الثورة تحديدًا، هناك من هو على موعدٍ دائمٍ معها؛ إنّه سميح شقير، الفنّان السوريّ الذي لا يتخلّف عن اللحاق بمواعيد كبيرة كهذه على الإطلاق. ولا يتردَّد أو يُماطل في اتّخاذ موقفٍ واضح من انتفاضات الشعوب؛ موقف مؤيد لها دون شك، فالشعب عنده أوّلًا.

لا يتخلّف الفنان السوري سميح شقير عن اللحاق بمواعيد كبيرة مثل الثورات على الإطلاق

سميح شقير، في التعريف الأدّق له، هو فنّانٌ يحلو للأنظمة القمعية كرهه. ومن بعد هذه الأنظمة، يحلُّ في المرتبة الثانية مباشرةً الفنّانون المقرّبون منها، والمؤيدون لأفعالها. هو عند هؤلاء فنّان باع وطنه لأجل حفنةٍ من الدولارات. ولكنّه في الواقع فنّان يفضحُ من خلال مواقفه المضيئة تجاه الشعوب، قذارة زمرةٍ متعفّنة، تعملُ برتبة مخبرٍ عند الأنظمة وأجهزة أمنها. إنّه يفرّق جيدًا بين الوطن والأنظمة، وما من رابطٍ بينهما عنده. فالأخيرة ليست شيئًا، والأوّل كلّ شيء. والخلط بين الأنظمة والوطن هو لعبة المستبد. والوطنية لا يُمكن أن تُقاس بالموقف من سلطةٍ حاكمة، يقول شقير في واحدٍ من حواراته، فيصيب مناصري الاستبداد من فنّانين مخبرين في مقتل.

اقرأ/ي أيضًا: حمزة نمرة.. راوٍ يتجول بالأغاني

لم يغادر صاحب "زهر الرمّان" خندق الأغنية القريبة من تطلّعات الشعوب. المتاريس المنصوبة منذ ثمانينات القرن الماضي بينه وبين الاحتلال الإسرائيليّ وأشباهه من الأنظمة القمعية العربية، لن تزول إطلاقًا. هذا أساس التزامه الذي لا يتّسق غالبًا مع مُحيطه. فأغنية شقير ذات طابع إنسانيّ ووجدانيّ بحت. بدأت أوّلًا في خدمة الدفاع عن القضية الفلسطينية، ونضال الشعب الفلسطينيّ ضدّ الاحتلال الإسرائيليّ. "رمانة... رمانة ع خصري وكلاشينكوف بإيدي/ ودنيا شعلانة/ وطيّارات ترمي الموت أطنانه/ علينا ترمي والعون ما جانا/ ردّينا يلي بينرد، وقابلنا المدفع بالفرد/ اشهدي يا بيروت يا علينا".

هكذا غنّى للمقاومة الفلسطينية في بيروت. ويوم اشتدّ الحصار على العاصمة اللبنانية في الثمانينيات لإخراج المقاومة، وإخماد آخر معاقل الثورة الفلسطينية، في مؤامرةٍ لعب نظام الأسد فيها دورًا كبيرًا، بل كان في المقدّمة أيضًا، لم يكن من المنطقي لسميح شقير أن يظلّ صامتًا. وإلّا، ما قيمة الفن؟ قال في ذلك الوقت: "يا مخبّر عن أيام الحصار/ قلن بيروت حد اليم، تعصر دم، وجمع الثوار الملتم/ بيروت العطشانة كانت عم تسقي صهيون السم/ وتحاصر العروش لبدا هالبارودة تستلم".

وحين هانت الجولان على نظام الأسد الأب ومن بعده الابن، لم تهن على ابن بلدة القريا في محافظة السويداء، جنوب سورية. وحين كانت المتاجرة بالمدينة المحتلّة في ذروتها، سرًا وعلانية، صرخ شقير مخاطبًا الجولان بأغنيةٍ تحت عنوان "يا الجولان" قال فيها: "يا الجولان يلّي ما تهون علينا/ ردّادينك من إيد المحتل انطرينا/ ولا بدّ الشمل يلتم/ رخّاصين فداكِ الدم/ سامعينك ياما طول الليل/ وإنتِ تنادي علينا".

يعود انخراط سميح شقير، صاحب "قيثارتان"، في هذا النوع من الفن تحديدًا، دون غيره، إلى المناخ السياسي الذي كان سائدًا في المنطقة العربية قبل وبعد حقبة الثمانينيات. وكذلك، لأنّ لا فنّ من دون موقفٍ حقيقي، ودون الالتحام مع تطلّعات الشعب وآماله. وعندما تبدّلت الأحوال، وانقلبت من نضالٍ وثورة ضدّ الاحتلال الإسرائيليّ تحديدًا، إلى نضالٍ ضدّ أنظمةٍ قمعية دكتاتورية كرّست وجود الاحتلال وأطالت بعمره؛ لم يتخلّف ابن الجنوب السوريّ عن اللحاق بركب ثورات الربيع العربيّ. فالمعادلة عنده لا تزال ثابتة؛ الشعب أوّلًا. هكذا، هنّأ التونسيين بسقوط زين العابدين بن علي: "هربت تماسيح مبارح وانقرض الديناصور/ من لمّا الثورة قامت، وكتار اللي خافوا، وارتجفوا، واهتزوا ويستنّوا مين اللي عليه الدور". ولأنّ حسني مبارك تأخّر قليلًا في اللحاق بالطاغية الأوّل، شدّ شقير على يد الثوار المصريين.

مع الشيخ إمام في بيروت في الذكرى الستين للحزب الشيوعي اللبناني (فيسبوك)

وصلت شرارة الربيع العربيّ إلى سوريا سريعًا. ومن العاصمة الفرنسية باريس، حيث انتقل قبل وقتٍ قصير من اندلاع الثورة إليها للعلاج؛ صدرت أغنية "يا حيف" مُهداةً إلى شهداء مدينة درعا، لتكون الأغنية الأشدّ صلةً بالثورة والثوار السوريين. الأغنية التي كسرت حواجز الخوف من جنوب سوريا إلى شمالها، كانت بحدّ ذاتها تهمة، أو بمعنى أدق، كانت بمفردها ثورة. قال فيها: "يا حيف/ زخّ رصاص على الناس العزّل يا حيف/ وأطفال بعمر الورد تعتقلن كيف؟/ كيف؟ وإنت ابن بلادي/ وتقتل بولادي/ وضهرك للعادي/ وعليّ هاجم بالسيف/ وهادا اللي صاير يا حيف/ وبدرعا ويا يمّا ويا حيف".

أغنية "يا حيف" لسميح شقير هي الأغنية الأشدّ صلةً بالثورة والثوّار السوريين

قبل أيامٍ قليلة، غنّى سميح شقير للسودان، مكرِّسًا مواقفه ومبادئه بمساندة ثورةٍ عربية جديدة. ولا شكّ في أنّ صاحب "وقع خطانا" غنّى للسودان مستمدًّا زخم الأغنية من وجع السوريين. ولا شك في أنّ الأغنية لا تخرج من شقير وحده، وإنّما من الشعب السوريّ. فالسودانيون رفاق الحلم، ومُسارعة شقير للاحتفاء بقطف هذا الشعب لأولى ثمار ثورته ضدّ نظام عمر البشير، أوّل من زار بشّار الأسد على متن طائرة روسية؛ حدث باسم السوريين ممن يقفون ضدّ الاستبداد. "والفرح سوداني/ والأمل سوداني/ها كسرنا القيد/ لا ما نرضى القيد تاني/ ها همّه رفاق الحلم دول/ همهم يهوي القهر ويزول/ همّه صوت بلادي/ لعم بينادي/ ويا قطار الحرية/ استناني".

اقرأ/ي أيضًا: ياسر المناوهلي.. الإفلات من مصير الهُواة

نفهم أنّ السودان والبلدان العربية حاضرة في بال سميح شقير. الفنّان الملتزم كان قد غنى قبل سنوات بعيدة من اندلاع الثورة السودانية أغنية بعنوان "بعدك عايش في بالنا"، استعاد فيها عبد الخالق محجوب، المناضل الشيوعيّ الذي أعدمه الانقلابي جعفر النميري في تموز/يوليو 1971. يقول: "بعدك عايش في بالنا/ فلاحينا وعمَالِنا/ ينادوا يا محجوب/ مهما سدّوا دروب علينا/ حنكمل مشوارنا".

 

اقرأ/ي أيضًا:

فرقة "ناس الغيوان".. الزمن المغربي لم يرحل

ريم بنّا.. لم تكن تلك حياتي