09-أبريل-2020

الفنان سمعان خوّام (فيسبوك)

لا أعلم الكثير عن حياة الفنان سمعان خوّام، التقيتُ فيه مرة واحدة، حين كان منهمكًا في إبداء أراءه السياسية وانفعالاته أمام الجميع. حاملًا الويسكي في يده، وأنا أجول لأرى اللوحات المعلقة، والمرمية على الأرض، تاركًا لي أثرًا ما، لم أفهمه. فلم أشأ أن أكتب عنه. رغم عدم إيماني بأنه لا يجب ألا نكتب ما لا نفهمه. فكلّ شيء يشبه المجهول كالموتِ مثلًا، هو جميل إلى حد السؤال.

كلّ شيء يشبه المجهول كالموتِ مثلًا، هو جميل إلى حد السؤال

يقول تيودور أدورنو في هذا السياق: "إنَّ الفنّ يطلب الحقيقة.. وإنّ الحقيقة مضمونه الجوهري". من هنا يحضر خوّام بكثافة في عبقريته حين يجسد التاريخ الحقيقي، أيّ تاريخ "الآلام المتراكمة" في لوحاته.

اقرأ/ي أيضًا: إسماعيل شموط.. يده هي التي ترى وقلبه هو الذي يرسم

لقد نجحتْ بالفعل لوحات هذا الرسّام في إثارة غضبي ورغبتي في أن أصرخَ، هذا الانفعال المفاجئ الذي شعرتُ به حينها، لم يكن تشويهًا للجمالِ إنَّما العبور ربما نحو الرائع.

هل يمكن أن نصبحَ مرآة للوحة ما؟

في عام 1895، أبدعَ الرسام النروجي إدوارد مونش (Edvard Munch) عملًا دعاه "الصرخة". هذا الرأس الصارخ الذي يفضي إلى الفظاعةِ في الحدث. لم أكنْ أدرك أنَّ الحدث هو أن أرى لوحة سمعان وسط زحمة لوحات الفنانين الآخرين.

متخليًا عن الفن المصقول المفرط في الجمال والنقاء، دافعًا بنفسه نحو البربرية الرائعة.

ألمْ ينثر أدورنو في "النظرية الاستطيقية" فلسفته الغريبة التي تمزج بين البشر والحيوان والمهرج؟

إنَّ الثلاثي حيوان – مجنون - مهرج هو أحد مقومات الفن بحسب تعبير أدورنو. ليجمع على نحو مثير بين الطبيعة والمهرج، أيّ ذكرى الطفولة البشرية الأولى.

في ناحية متصلة، وحينَ بشرّ نيتشه على نحو ساخر ربما، بعصر تراجيدي جديد، أي فنّ مضاد للنموذج المسيحي الاخلاقيّ، كانَ سمعان الذي سعى في ثورة 17 تشرين الأول/أكتوبر، الثورة اللبنانية المجيدة، إلى نقل الفنّ من كارثة انحطاط الإنسان الحديث ومن التشيئة والهيمنة والعقل الاداتي، نحو ثورة على الفن ذاته، لينطلق بعدها إلى: فنّ الثورة.

مع خوّام، يصير الفنّ القدرة على المواجهة والصمود، حينَ لم يعد في العالم سوى الشرّ، منذُ بودلير.

يعلّق ههنا أدورنو قائلًا: "زهور الشرّ أي عنوان شيطاني يفضح القبح والشر على نحو مريع! وكيف يتحول الشر إلى زهرة؟".

من هنا يعقد سمعان، الفنان السوري - اللبناني، مع العمليات الجراحية الكثيرة التي أجراها بفعل انفجار اللغم فيه، خيطًا من المحاكاة، تجسدت في أعماله التي رفضت التأقلم مع مجتمع الهيمنة.

 

اقرأ/ي أيضًا:

النحات العراقي أحمد البحراني.. وسائد من البرونز

الفنان الفلسطيني مصطفى الحلاج.. تراجيديا في الحياة والموت