26-أكتوبر-2018

إسحق رابين في ضيافة الحسين بن طلال في عمان (Getty)

ألترا صوت – فريق التحرير

"تعتبر الحدود، كما هي محددة في الملحق 1(أ)، الحدود الدولية الدائمة والآمنة والمعترف بها بين الأردن وإسرائيل دون المساس بوضع أي أراضي وقعت تحت سيطرة الحكم العسكري الإسرائيلي عام 1967". - اتفاقية وادي عربة 1994، الفقرة الثالثة، البند الثاني.

في عام 1926 أصدرت الحكومة الأردنية، المندوب السامي في الأردن آنذاك، قرارًا يمنح اليهودي الصهيوني بنحاس روتنبرغ امتياز امتلاك كامل أراضي بلدة الباقورة، وهي أراضي أردنية خالصة، تابعة لمحافظة إربد شمال الأردن، وتبلغ مساحتها 6 آلاف دونم، من أجل إقامة مشروع توليد كهرباء فلسطين، في مقابل دفع ثلاثة جنيهات فلسطينية عن كل دونم.

لم يلتفت "سلام" وادي عربة للعديد من القضايا الشائكة، التي يعتبرها الشارع الأردني مذلة ومضرّة بالصالح العام، ولعل قضية الأسرى الأردنيين أهمها

يقول عبد السلام المجالي رئيس الوزراء الأسبق، وموقع اتفاقية السلام عن الجانب الأردني، في إحدى المقابلات التلفزيونية، أن عقد الامتياز سالف الذكر ما زال محفوظًا في دائرة الأراضي والمساحة في مدينة إربد، حتى الآن. إلا أن بعض المطلعين يشيرون أن العقد اشترط عدم انتقال الملكية أو تنازل صاحب الامتياز عن هذه الأرض وبيعها لأي جهة، على أن تعود في نهاية التعاقد، بعد 70 عاما من ذلك التاريخ، إلى الملكية الأردنية.

اقرأ/ي أيضًا: "صفقة العار" في الأردن: الشعب يرفض الغاز المسروق

بعد أقل من ثلاثين عامًا، وبالتحديد في 1954، صدر قانون آخر ألغى امتياز مشروع شركة الكهرباء داخل الأراضي الأردنية الهاشمية، كما ويشير إلى أن التنازل عن هذه الأراضي لشركة الكهرباء الفلسطينية كان مشروطًا باستعمالها بحسب شروط المنح عام 1926، وبالتالي فإن إلغاء الامتياز يعيد الأراضي للسيادة الأردنية مباشرة.

بالعودة إلى بنحاس روتنبرغ وهو يهودي من أصول روسية انخرط في دعم مشاريع الحركة الصهيونية، وساعد على تأسيس وتطوير منظمة الهاغاناة، يقضي الاتفاق بعدم شرعية أي تنازل عن ملكية الأرض من جانب روتبرغ لأطراف أخرى، إلا أنه قام بنقل الملكية للوكالة اليهودية المسؤولة في ذلك الوقت عن توطين اليهود في فلسطين، ونقلت الأخيرة ملكية الأراضي لمجموعة من اليهود، لتصبح في النهاية ملكيات خاصة، يحترمها الجانب الأردني!

ضد وادي عربة

وصولًا إلى عام 1994 جرى توقيع اتفاق السلام بين الأردن وإسرائيل، الملك الراحل حسين بن طلال وإسحق رابين، لتصبح الأردن بذلك ثالث طرف عربي، بعد مصر في كامب ديفيد ومنظمة التحرير الفلسطينية في أوسلو، التي تطبع العلاقات مع إسرائيل. نص الاتفاق على ثلاثين فقرة، فيما فصّلت الفقرة الثالثة منه بالإضافة للملحق الأول "أ، ب، ج" ما يتعلق بالأراضي وترسيم الحدود بين البلدين. وبالرغم من أن الاتفاق لا ينص على تحديد مدة زمنية محددة "لاستغلال" الأراضي الأردنية من الجانب الإسرائيلي، إلا أن المسؤولين الأمنيين من الجانبين، أكدوا على وجوب اعتماد 25 سنة، كمدة تقوم فيها إسرائيل بالبقاء في هذه المناطق.

كما أكد الاتفاق على أحقية أي طرف من أطراف الاتفاق، إيقاف العمل بالملحق المتعلق بأراضي الباقورة والغمر، ينطبق على أراضي الغمر ذات الشروط، وذلك عبر إبلاغ الطرف الآخر بعدم الرغبة في تجديد استغلال الأرض لـ25 عامًا أخرى قبل سنة واحدة على الأقل من انتهاء المدة الزمنية المحددة. وهذا بالتحديد، ما قام به الملك الأردني عبد الله الثاني قبل عدة أيام، عندما نشر عبر صفحته على موقع تويتر: " لطالما كانت الباقورة والغمر على رأس أولوياتنا، وقرارنا هو إنهاء ملحقي الباقورة والغمر من اتفاقية السلام انطلاقًا من حرصنا على اتخاذ كل ما يلزم من أجل الأردن والأردنيين".

من جانب آخر، لم تلتفت اتفاقية السلام للعديد من القضايا الشائكة، والتي يعتبرها الشارع الأردني مذلة ومضرّة بالصالح العام، ولعل قضية الأسرى الأردنيين أهمها، إذ ما يزال يقبع ما يقارب 25 أسيرًا أردنيًا في سجون الاحتلال الإسرائيلي، تحت ظروف اعتقال قاسية، تفتقر، بحسب نادي الأسير الفلسطيني، لأدنى مقومات الحياة الإنسانية الكريمة. كما يخضعون لجميع الانتهاكات والعقوبات التي يتعرض لها الأسير الفلسطيني في ذات السجون، ما أدى لإصابة عدد منهم بالأمراض المختلفة، نتيجة للاهمال الطبي المتعمد.  وبالرغم من خوض الأسرى الأردنيون للكثير من النضالات والإضرابات المفتوحة عن الطعام، لإيصال صوتهم لحكومتهم، إلا أن الحكومة لم تحرّك ساكنًا في هذه القضية، التي تتهم بالتقصير والإهمال الدائم لها.

الأسرى الأردنيون، والممارسات الإسرائيلية بحق المقدسيين والأماكن المقدسة في فلسطين، التي تملك الأردن حق الوصاية عليها، والإضرار المباشر بمصالح المواطن الأردني التي نتجت عن اتفاقية السلام، جعلت الشارع الأردني في غليان دائم، وموقف دائم رافض لأية محاولة لتطبيع العلاقات مع إسرائيل. 

نتج عن موقف الشارع الأردني سلسلة طويلة من أحداث وفعاليات الرفض، ترجمها المواطن الأردني بمسيرات رفض ووقفات احتجاجية أمام السفارة الإسرائيلية في عمان، كما توجه بعضها إلى المناطق الحدودية، وخاصة أراضي الباقورة والغمر، إلا أن الأجهزة الأمنية الأردنية كانت دائمًا تمنع وصول أي احتجاج لنقاط التماس.

في آذار/مارس 1997، أطلق جندي أردني يدعى أحمد الدقامسة النار على مجموعة "فتيات" إسرائيليات بسبب استهزائهن به أثناء أدائه للصلاة، قرب بلدة الباقورة، وحكم عليه آنذاك بالسجن المؤبد. إلى أن أفرجت عنه السلطات الأردنية بعد انتهاء مدة حكم المؤبد عام 2017. وعلى خلفية اغتيال القاضي الأردني رائد زعيتر على يد جندي إسرائيلي عند معبر الكرامة في آذار/مارس 2014، قرر مجلس النواب الأردني وبالإجماع الطلب بالإفراج عن الجندي أحمد الدقامسة، إلا أن السلطات الأردنية أبقت على الدقامسة حتى إنهاء محكوميته.

تظهر  طبيعة التعامل الشعبي مع ملف اتفاقية الغاز مع إسرائيل أو مع قضية الدقامسة موقف الشارع الأردني من التعامل مع الإسرائيليين، ورغبته الدائمة في مواجهة السياسات الإسرائيلية المستغلة للمنطقة وشعوبها، كما يدين بشكل مباشر، أيضًا، التخاذل للموقف الرسمي الأردني تجاه هذه السياسات. إذ اعتاد الأردن على صلة دائمة بفلسطين وقضيتها، من موقع صاحب القضية، حتى قبل قيام إسرائيل وفي غمار الانتداب البريطاني على ضفتي النهر، كما قدم الأردن قائمة طويلة من الشهداء والفدائيين إضافة للأسرى. ومن الأبطال الذين اشتهروا بقيادة معارك حرب العصابات في نكبة فلسطين، بعيدًا عن دور الجيش الأردني الذي كان قائده البريطاني غلوب باشا آنذاك، محمد الحنيطي، الذي وبخ غلوب باشا مرة على إثر تدخل الأخير وسؤاله: مالك ومال الفلسطينيين يا حنيطي؟

اتفاقيات لا تعبر عن الشارع الأردني!

يبدو أن جزءا كبيرًا من وراء قرار الملك جاء استجابة لواقع الشارع الأردني الذي طالما أدرك خطورة اتفاق السلام بين الأردن وإسرائيل ورفضه، فبجانب احتلال إسرائيل لعدة أماكن أردنية على طول الحدود التي فصّلها نهر الأردن، واستغلال المقدرات البيئية من ماء وخصوبة تربة وسياحة، أصبح الموقف شبه الرسمي "مجلس النواب الأردني، ومجموعة من النقابات" متطابقًا مع الرأي الشعبي الذي يرفض من الأساس أي تعامل مع الإسرائيليين.

فقام أغلبية من النواب الأردنيون، 80 نائبًا من أصل 130، بتوقيع مذكرة للحكومة، يطالبونها بوقف التعامل باتفاقية السلام، في حين طالبت الأغلبية العظمى من النواب عمر الرزاز وزير الحكومة الأردنية الحالي، بعدم تجديد تأجير أراضي الباقورة والغمر لإسرائيل، ملوحين، كتهديد، بسحب الثقة من الحكومة الحالية في حال تجديد الاتفاقية لفترة أخرى قادمة.

وخلال الربع قرن الماضي، تصاعد الرفض الشعبي لتطبيع العلاقات مع الدولة العدوّ للعرب، وكانت نقابة المحامين الأردنيين قد وجهت إنذارًا عدليًا، بواسطة كاتب العدل للحكومة في محاكم المملكة كافة، حول النظام الخاص لأراضي الباقورة والغمر من اتفاقية وادي عربة، يطالب من خلاله الحكومة بعدم تجديد قرار تأجير المنطقتين لإسرائيل.

في حين سلم  نشطاء أردنيون مذكرة لرئيس الوزراء عمر الرزاز، طالبوه فيها بوقف اتفاق تأجير أراضي الباقورة والغمر وأم الرشراش لإسرائيل، وإشعار الاحتلال بعدم رغبة المملكة في تجديد تأجير هذه الأراضي، بموجب الملحقين 1/ب و1/ج ضمن اتفاقية السلام الأردنية الإسرائيلية العام 1994، الذي ينتهي في الـ 25 من أكتوبر/تشرين الأول الحالي.

اقرأ/ي أيضًا: ماذا سيحدث إذا لم يعد بالعالم ماء؟.. الأردن مثالًا

أما على المستوى الشعبي فخرجت مجموعة من التظاهرات، التي نظمها ائتلاف الأحزاب القومية واليسارية، والنقابات العمالية، و"الملتقى الوطني لاسترداد أراضي الباقورة والغمر"، طالبت بوقف التعامل مع إسرائيل وفق اتفاقية السلام، ورفضهم التطبيع مع الكيان الصهيوني، كما طالبت بـاسترداد أراضي "الباقورة والغمر" الأردنية، التي تستغلها إسرائيل منذ 25 عامًا، بموجب اتفاقية السلام الموقعة بين البلدين في 1994.

الموقف الإسرائيلي من الخطوة الأردنية

في الرد الأول من رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الذي أبداه في مراسم ذكرى اغتيال إسحق رابين قال "إن اتفاقية السلام مع الأردن هي ذخر هام يضاف إلى السلام مع مصر. وكلا اتفاقيتي السلام هاتين تبرزان كمرساة لاستقرار المنطقة. وتقف إسرائيل معهما كجبهة واحدة ضد التهديد الإيراني والإسلام المتطرف". 

أظهرت  طبيعة التعامل الشعبي مع ملف اتفاقية الغاز مع إسرائيل أو مع قضية  أحمد الدقامسة موقف الشارع الأردني من التعامل مع الإسرائيليين، ورغبته الدائمة في مواجهة السياسات الإسرائيلية المستغلة للمنطقة وشعوبها

كما يتجلى من تصريح نتنياهو الأخير المعني أن عدم تأكيده على التسليم بقرار الأردن، هو خطوة في اتجاه المماطلة، وهي السياسة الإسرائيلية الشهيرة في حالات مشابهة. كما أن فتح باب المفاوضات حول قرار الأردن، الذي طالب به نتنياهو هو تأكيد على هذه السياسة الإسرائيلية التي لم تسلم طواعيًا أرضًا احتلتها في يوم من الأيام.

في حين جاءت نبرة الوزراء الإسرائيليين أعلى من رئيسهم، فقد هدد  وزير الزراعة فى الحكومة الإسرائيلية، أورى أريئيل، الاثنين الماضي، بقطع المياه عن العاصمة الأردنية عمان، ردًا على إعلان الملك عبدالله الثانى، وقف العمل بملحق اتفاقية السلام مع إسرائيل عام 1994، فيما يخص الغمر والباقورة.

وتابع أريئيل " بفضل إسرائيل، يتمتع سكان العاصمة عمان بالمياه الإسرائيلية 4 أيام أسبوعيًا، وأدعو رئيس الوزراء نتنياهو ليوضح للملك أن الأردن بحاجة لإسرائيل أكثر من أن تكون إسرائيل بحاجة للأردن، وأن يسمح الملك عبدالله بتمديد الملحقين لمصلحة المزارعين الإسرائيليين. وإلغاء ملحقي أراضي الباقورة والغمر يعد استفزازًا لإسرائيل، التي توفر للأردن كميات كبيرة من المياه، ولولا هذه المياه، لكان سكان عمان يتمتعون بالمياه يومين فقط أسبوعيًا".

 

اقرأ/ي أيضًا: 

"!ولكنك لا تبدو عربيًا"

هرتسيليا حبيبتي.. شعث وبلير ومصائب أخرى!