18-مايو-2019

لم يستطع أي طرف حسم الصراع عسكريًا في ليبيا (أ.ف.ب)

ليست المواجهة العسكرية وحدها التي ستكتب فيما يبدو كلمة النهاية لتلك المواجهات الدائرة على تخوم طرابلس بين قوات اللواء المتقاعد خليفة حفتر من جهة والقوات المدافعة عن العاصمة الليبية والموالية لحكومة الوفاق المعترف بها دوليًا بقيادة فايز السراج، من جهة أخرى.

فقد تحولت المعركة خلال الأيام الماضية من محاور القتال العسكرية لأخرى دبلوماسية، يسعى الطرفان فيها من خلال زيارات لعواصم الدول الأوروبية والعربية إلى حشد الأنصار من خارج الحدود، بعد أن تحولت المعارك العسكرية التي تدور منذ 4 نيسان/إبريل الماضي، لروتين يومي، لا يبدو قادرًا على الحسم لأي طرف في وقت قريب.

الوضع العسكري وخريطة التحالفات وتفاصيلها، جزء هام من فهم كيف تجري الأمور حاليًا في ليبيا، وماذا يريد كل طرف من الأطراف الأخرى. فكلا الجانبين له من الحلفاء والمؤيدين ما يجعلهما متساويين

التحالفات والوضع العسكري

الوضع العسكري وخريطة التحالفات وتفاصيلها، جزء هام من فهم كيف تجري الأمور حاليًا في ليبيا، وماذا يريد كل طرف من الأطراف الأخرى. فكلا الجانبين له من الحلفاء والمؤيدين ما يجعلهما متساويين، على الأقل بشكل نظري.

على مستوى الدعم الدولي، تحظى حكومة الوفاق بتأييد إيطاليا وبريطانيا وتركيا، فيما يحظى حفتر بدعم مصر والسعودية والإمارات، وبتأييد معنوي من الولايات المتحدة التي تحول موقفها، بعد أن كان وزير الخارجية الأمريكي قد طلب في 6 نيسان/أبريل بالوقف الفوري للهجوم العسكري، الذي يقوده حفتر، حيث أجرى ترامب اتصالًا هاتفيًا مع اللواء المتقاعد، فيما ذكرت  صحيفة "وول ستريت جورنال" أن التحول الذي طرأ على السياسة الأمريكية فيما يخص ليبيا جاء بعد ضغوط سعودية ومصرية على الرئيس الأمريكي لدعم قوات حفتر.

في أوروبا يبدو الوضع أكثر تعقيدًا، حيث تعلن فرنسا رفضها الحرب والحل العسكري، لكنها بشكل عملي تعرقل بيانات الاتحاد الأوروبي الرافضة لهجوم حفتر كما حدث في 11 نيسان/أبريل الماضي، ما دفع وزير الداخلية في حكومة الوفاق لاتهام باريس بدعم حفتر، فيما تقف ألمانيا على الحياد.

على الأرض هناك اختلاف كبير بين داعمي الطرفين، إذ يحظى حفتر بحلفاء بحدود مشتركة مثل مصر، تضمن له مرورًا سريعًا وسهلًا للمعدات العسكرية، أو الدعم المالي القادم من الإمارات والسعودية، كما يحاط بدعم متزايد من الأجنحة الإعلامية للدول الثلاثة، وكذلك بحماية دبلوماسية وتسويق متصاعد لتبييض جرائمه في الخارج، فيما يكتفي حلفاء حكومة الوفاق بالدعم المعنوي والدبلوماسي، وبعض الدعم الإعلامي، دون ظهور معدات عسكرية متطورة كما هو الحال مع حفتر بالرغم من الاعتراف الدولي بحكومة الوفاق.

يحصل حفتر أيضًا على ما يمكن تسميته بدعم استخباراتي وعسكري، ففي 16 نيسان/أبريل الماضي، أعلنت وزارة الدفاع التونسية اعتقال مجموعة فرنسية تحمل أسلحة وجوازات سفر دبلوماسية، على الحدود الليبية التونسية. ودارت حول المجموعة أزمة حادة، حيث قالت باريس إنهم من أعضاء الفريق الأمني للسفارة الفرنسية في طرابلس، بالرغم من أن السفارة مغلقة وأن السفيرة الفرنسية في ليبيا تعمل من تونس، ما دفع البعض للحديث عن دعم فرنسي استخباراتي لحفتر.

على العموم، فإن الطرفين يتهمان بعضهما البعض بالحصول على دعم أجنبي. على سبيل المثال، تتهم القوات التابعة لحفتر الوفاق بتلقي دعم من دول أوروبية من بينها البرتغال، بعد أن ألقت القبض على طيار يحمل الجنسية البرتغالية، وقالت إنه تابع لحكومة الوفاق. كما أعلن أحمد المسماري المتحدث باسم جيش حفتر إسقاط طائرة بدون طيار تركية الصنع، فيما تشير تقارير أممية وأخرى صحفية لتدخلات ومساعدات كبرى تصل لقوات حفتر في المعركة، وهو ما سقط فيه أحمد المسماري المتحدث العسكري باسم جيش حفتر، عندما قال في أحد المؤتمرات الصحفية "إن ضربات جوية صديقة استهدفت قوات معادية في معركة طرابلس". ولكنه عاد من جديد وقال إنه قصد بالطائرات الصديقة تلك التي من نفس جيشه وليست لدول أخرى. في المقابل قالت وكالة الأنباء الفرنسية إن خبراء أمميين يحققون في احتمال ضلوع أبوظبي عسكريًا في النزاع الدائر في ليبيا، من نيسان/أبريل الماضي، بعد إطلاق صواريخ من طائرات مسيرة صينية الصنع يمتلك الجيش الإماراتي مثلها، حسب تقرير سري اطلعت عليه الوكالة.

اقرأ/ي أيضًا: تحالف السعودية والإمارات يدمر ليبيا بأيدي حفتر

الوفاق.. صراع دبلوماسي  

تستبعد خريطة التحالفات التي يسعى إليها السراج مصر والإمارات والسعودية بطبيعة الحال، حتى من أي محاولة لجعلهم على الحياد، فيما تبدو الدول الأوروبية أكثر قبولًا لما يعرف بـ"المهادنات السياسية"، ما دفع حكومة الوفاق للعمل على الولوج إلى قادة وصناع القرار في القارة العجوز، في محاولة لاستقطاب قادة العواصم الأوروبية، وهو ما تقدمت به على حفتر.

انطلق فايز السراج نحو أوروبا في رحلتين، استمرت الأولى ثلاثة أيام بدأت في 7 أيار/مايو، زار خلالها أربعة عواصم أوروبية هي روما وباريس وبرلين ولندن، ثم عاد لليبيا من جديد خاوي الوفاض، أو هكذا قال البعض، إذ اعتبر بعض مؤيدي حكومة الوفاق أن رحلة السراج غير موفقة، فهو لم يحصل على دعم أوروبي واضح، كما لم يتبن القادة الأوروبيين خاصة في برلين وباريس مطالب حكومته برفض الهجوم على طرابلس.

لكن في تفاصيل الأحداث يبدو الأمر غير ذلك، ففرنسا التي ترفض إدانة حفتر، قررت  بالرغم من زيارة السراج الاستمرار في موقفها، ما جعل حكومة الوفاق تتخذ قرارًا عقب لقاء جمع السراج بالرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، بتعليق نشاط نحو 40 شركة أجنبية قالت الحكومة إنها تعمل بدون ترخيص من بينها شركة النفط الفرنسية توتال، إلى جانب شركات من بينها تاليس الفرنسية للطيران والدفاع، وشركة سيمنز الألمانية، وشركة معدات الاتصالات ألكاتيل لوسنت، وفقًا لرويترز التي نقلت عن مسؤول حكومي ليبي.

التلويح بما يمكن تسميته عقوبات اقتصادية للدول الأوروبية وإظهار بعض مظاهر القوة، لم يمتد لوقت طويل وعادت الحكومة الليبية المعترف بها دوليًا للإعلان عن تعطيل القرار، ومنحت وزارة الاقتصاد للشركات فترة سماح ثلاثة أشهر لتسوية أوضاعها القانونية بعد انتهاء تصاريحها لممارسة النشاط، وكان من ضمن الشركات شركة "بوتشيلي" الإيطالية، لكن القائمة لم تشمل شركة إيني الإيطالية وهي ذات استثمارات واسعة في ليبيا، ما فسره البعض على أنه رسالة للجميع، بقدرة الوفاق على التلويح بالتهديدات الاقتصادية ضد مؤيدي حفتر. ويسيطر الجنرال المتقاعد حاليًا على آبار البترول في أغلب مناطق وسط البلاد، لكنه سيجد صعوبة في بيعه "رسميًا" إلا عبر المؤسسة الوطنية للنفط التابعة لحكومة طرابلس، المعترف بها أمميًا.

لاحقًا، بدى أن السراج قد جنى ثمار قرار وقف الشركات وعودتها، في الزيارة الثانية لأوروبا، وبالتحديد بروكسيل في 12 أيار/مايو، وللمرة الأولى تمتنع فرنسا عن تعطيل بيان أوروبي مشترك يعتبر هجوم قوات حفتر على طرابلس "تهديدًا للأمن والسلم الدوليين". حيث صدر  البيان بعد لقاء جمع وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي والسراج في بروكسيل.

نجح السراج بشكل ما في تحريك الموقف الفرنسي وكسب على الأقل مساحة لتكون باريس على الحياد لفترة ما، فيما حاول عبر مقال نشره في صحيفة "وول ستريت جورنال" الأمريكية جذب انتباه البيت الأبيض، قائلًا "إن العالم لطالما نظر إلى أمريكا كمثال على ما يمكن أن تجلبه الديمقراطية، ألا وهو الحرية والسلام والرخاء". مضيفًا "أن ليبيا مستعدة للديمقراطية والليبيين لن يقبلوا ديكتاتورية عسكرية أخرى على غرار ديكتاتورية القذافي"، وأشار إلى أنه ما يزال يأمل أن ينجح الرئيس الأمريكي دونالد ترامب حيث فشل الرؤساء السابقون، ويستخدم قوته لخلق السلام والاستقرار والأمن في ليبيا والمنطقة ككل.

اقرأ/ي أيضًا: مغامرة حفتر في طرابلس.. ما فرص طرفي الصراع؟

جهود حفتر وسوء الوضع الإنساني

في مقابل تحركات السراج، سعى مؤيدو حفتر لإعادته للمشهد من جديد، وخلال الأيام الأولى من زيارة السراج لأوروبا اتجه الجنرال المتقاعد إلى مصر واستمر فيها ثلاثة أيام حتى السبت الماضي، دون أن يعلن عن سبب بقاءه تلك المدة. وتعد تلك الزيارة الثانية له لمصر، منذ بداية الحملة العسكرية على طرابلس. وانتشرت يوم الأربعاء فيديوهات لشخص في الحرم المكي وحوله قوات أمنيه قيل إنه خليفة حفتر يؤدي العمرة، لكن الرياض لم تعلن رسميًا إن كان قد التقى العاهل السعودي الملك سلمان بن عبدالعزيز أو نجلة محمد بن سلمان.

وعلى خطى السراج اتجه حفتر إلى أوروبا وبدأ بنفس العاصمة التي زارها رئيس حكومة الوفاق في رحلته الأولى، روما، وعقد الخميس اجتماعًا مع رئيس الوزراء الإيطالي جوزيبي كونتي، ومن المتوقع أن يغادر حفتر روما إلى باريس للقاء الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون.

يحظى حفتر بحلفاء بحدود مشتركة مثل مصر، تضمن له مرورًا سريعًا وسهلًا للمعدات العسكرية، أو الدعم المالي القادم من الإمارات والسعودية، كما يحاط بدعم متزايد من الأجنحة الإعلامية للدول الثلاثة

ويلاقي حفتر وضعًا عسكريًا ما زال لم يحسم الفائز في المعركة، حيث تواجه قواته المدعومة بأسلحة حديثة مقاتلين على عدة محاور، وفي المقابل تزداد الأوضاع الإنسانية في العاصمة صعوبة، وتستمر خسائر الليبيين، فوفقًا لمنظمة الصحة العالمية في ليبيا، فإن أعداد الضحايا جراء الأعمال القتالية في طرابلس وحولها بلغ نحو 454 قتيلًا و2154 جريحًا حتى الأسبوع الماضي، من المواجهات، كما تضررت نحو 12 سيارة إسعاف في المصادمات. وفي الوقت ذاته طالب مكتب الـ"يونيسيف" منظمة الأمم المتحدة للطفولة في ليبيا، بضرورة الحصول على 5.5 مليون دولار لتتمكن من مواصلة الاستجابة العاجلة وتلبية الاحتياجات الإنسانية للسكان، ودعت بعثة الأمم المتحدة قبل شهر رمضان لهدنة إنسانية لمدة أسبوع لتتمكن من القيام بمهامها، ولكن اللواء خليفة حفتر، رفض ودعا قواته في تسجيل صوتي، إلى التصعيد رمضان، وطالبهم بـ"تلقين أعدائهم درسًا".

 

اقرأ/ي أيضًا: 

تلاعب دبلوماسي وعسكري.. ماذا يُجهّز السيسي لليبيا برعاية أبوظبي؟

ماذا يريد حفتر من حملته العسكرية على طرابلس؟