12-يونيو-2018

الباحث السياسي الجزائري سعيد ملاح (ألترا صوت)

كان المجال الزّمني الذي فصل بين ميلاد سعيد ملاح، الباحث في العلوم السّياسية وأستاذها بجامعة المسيلة، 260 كيلومترًا إلى الجنوب من الجزائر العاصمة، عام 1980، وحصوله على شهادة الأهلية العامّة/ البكالوريا عام 1998؛ ضاجًّا بالتّحوّلات السّياسية والأمنية.

ولد سعيد ملاح عام 1980 وحصل على درجة البكالوريوس في العلوم السياسية عام 2002، حيث كان الأول على دفعته

فخلاله بدأ الانتقال من الخيار الاشتراكي، الذي أقرّه الرّئيس هوّاري بومدين إلى خيار اقتصاد السّوق، الذي أقرّه الرّئيس الشّاذلي بن جديد. واندلعت مظاهرات الخامس من تشرين الأول/أكتوبر عام 1988، بما أدّى إلى إقرار أوّل دستور تعدّدي في البلاد في شباط/فبراير عام 1989، فتراجع الحزب الواحد "جبهة التّحرير الوطني" لصالح أحزاب جديدة هيمنت على البرلمان التعدّدي الأوّل، في مقدّمتها "الجبهة الإسلامية للإنقاذ".

اقرأ/ي أيضًا: الإخفاء القسري في الجزائر.. إرث العشرية السوداء المبهم

دفعت هذه الهيمنة، المؤسّسة العسكرية، إلى توقيف المسار الانتخابي، وإنشاء "المجلس الأعلى للدّولة" بقيادة الثّوري المنفي في المغرب منذ ستّينات القرن العشرين محمّد بوضياف، الذي قتل على مسمع ومرأى الجزائريين في شاشة التلفزيون عام 1992، تزامنًا مع انطلاق شرارة العنف والإرهاب، التي حصدت عشرات الآلاف من القتلى والمختفين قسريًا والجرحى والمعطوبين، بما دفع الرّئيس اليمين زروال، قبل إعلانه انتخابات رئاسية مبكّرة لم يشارك فيها، إلى إطلاق "قانون الرّحمة"، الذي كان تمهيدًا لقانون السّلم والمصالحة، الذي أطلقه الرّئيس عبد العزيز بوتفليقة مباشرة بعد انتخابه عام 1999.

"كلّ هذه المخاضات السّياسية"، يقول سعيد ملّاح لـ"ألترا صوت"، "جعلتني أختار دراسة العلوم السّياسية في جذع يجمع بينها وبين الصّحافة وعلم المكتبات، ثمّ اخترتها نهائيًا حتى تخرّجت الأوّل في دفعتي عام 2002".

"رغبتي الجامحة في تفكيك الوقائع السّياسية، التي اكتوى بها جيلي، هي ما برمجني على هذا الخيار، وعلى التفوّق فيه. إذ شاركت في مسابقة الماجستير، فنجحت والتحقت بجامعة قسنطينة، لأكون الأوّل أيضًا في دفعتي عام 2005"، عن رسالة كان موضوعها: "تأثير الأزمة الدّاخلية على السّياسة الخارجية الجزائرية". أهله ذلك ليكون أستاذًا مؤقتًا في الجامعة نفسها، ثم في جامعة بسكرة. 

اهتم ملاح بتتبع الانتقال الديمقراطي بعيد سقوط الأنظمة السلطوية بأمريكا اللاتينية، لرصد حدود الانتقال الديمقراطي الممكن عربيًا

في هذه الفترة، كان سعيد ملّاح يُزاوج بين التّدريس والإعداد لمذكّرة الدّكتوراه، التي حاول فيها أن يتتبّع ميلاد الانتقال الدّيمقرااطي، الذي رافق تجارب تفكّك الأنظمة السلطوية في أمريكا اللّاتينية وأوروبا الشّرقية، لرصد حدود الانتقال الدّيموقراطي في العالم العربي. "شغفت مبكّرًا بإجراء المقارنات بين الأنظمة والسّياسات والتيّارات والأيديولوجيات والمقولات السّياسية، للقبض على لحظة الاختلاف والائتلاف بينها، فيكون توقّع مآل إحداها بناءً على مآل الأخرى مسنودًا بالحقائق العلمية لا بالتخمينات الشّخصية".

اقرأ/ي أيضًا: مستقبل الديمقراطية والرأسمالية.. بربرية التضليل

يضيف: "كان توجّه البحث نقديًّا بامتياز. إذ حاولت إشكالية الرّسالة مساءلة الجوهر المهيمن على أجندات البحوث الغربية في الديمقراطية والانتقال إليها. كما حاولت تبنّي الخصوصيات التّحليلية للمنطقة العربية".

ظلّ اختيار سعيد ملّاح لمواضيع بحوثه مسنودًا بقناعة معرفية، هي ضرورة ارتباط الباحث بهموم وانشغالات جماعته الإنسانية. وانطلاقًا من عام 2006، بدأ يتوجّه في مشاركاته الدّولية والوطنية في الملتقيات العلمية، إلى محاولة إعادة توجيه أجندات البحوث السّياسية للاهتمام بالسّياقات التاريخية والقيمية، التي تميّز المنطقتين العربية والأفريقية. يقول: "ساءلت ظاهرة الديمقراطية والتحوّل إليها، وكذا استعصاء ترسيخ التجارب الانتقالية في الحالة العربية. كما أثرت إشكالية ترتيب الأولويات في المنطقة. أي هل يمكننا أن ننتقل إلى الديمقراطية قبل بناء الاتفاق والإجماع حول النموذج السّياسي، الذي يمثل السّقف الجماعي أي الدّولة؟".

نشر سعيد ملاح العديد من البحوث في العديد من المواقع والمجلّات الوازنة، منها "نقاش الدّين والسّياسة في المحال السّياسي العربي" في "المجلّة العربية للعلوم السّياسية"، و"الديمقراطية بين طرح العالمية وضغط الخصوصيات" في مجلّة "المستقبل العربي" التابعة لمركز الوحدة العربية، و"الدّولة كشرط مسبق للديمقراطية في العالم العربي" في مجلّة بيروتية.

 يرى سعيد ملّاح أنّ تدريس العلوم السّياسية في الجزائر ظلّ خاضعًا لهيمنة المشروع المعرفي الوضعي، الذي قادته المدرستان الأمريكية والإنجليزية، لذلك كانت اهتمامات ومشاريع البحوث السّياسية في الجزائر، بحسبه، مجرّد استكمال لما روّجته المخابر البحثية الغربية.

ظلّ اختيار سعيد ملّاح لمواضيع بحوثه مسنودًا بقناعة معرفية (ألترا صوت)
ظلّ اختيار سعيد ملّاح لمواضيع بحوثه مسنودًا بقناعة معرفية (ألترا صوت)

"وقد أنتج هذا التوجّه"، يقول سعيد ملّاح، "جيلًا دوغمائيًا يدرك العالم بنفس مفاتيح التّحليل، التي سوّقتها الجامعت الغربية"، مضيفًا: "ما منع العلوم السّياسية في الجزائر من تخريج باحثين يمارسون فعل الملاحظة عوضًا عن باحثين يمارسون فعل القراءة. فلا يفسّرون واقعهم بقدر ما ينتمون إلى مشاريع معرفية اشتغلت علي واقع الآخر تحت ضغط التوجّهات المنهجية الوضعية".

سعيد ملاح: "تدريس العلوم السياسية في الجزائر يخضع لهيمنة المشروع المعرفي الوضعي الذي قادته المدرستان الأمريكية والإنجليزية"

أدّى هذا الواقع، في نظر سعيد ملّاح، إلى ما أسماها "غربة العلوم السّياسية في الجزائر"، إذ ابتعدت عن جوهر هذا التخصّص، الذي هو تقديم نماذج معرفية إرشادية لصنّاع القرار السّياسي محلّيًا ودوليًا. يقول: "معظم الباحثين السّياسيين في العالم يفعلون ذلك في بلدانهم ما عدا في الجزائر".

 

اقرأ/ي أيضًا:

محمد شوقي الزين.. فيلسوف "العيش المشترك"

عبدالله مالك.. شاب يرعى أعمال الشباب في الجزائر