20-يوليو-2022
temperature of 40°C and a stop sign

يختلف الاستعداد التكيفي للتغيرات المناخية المفاجئة بين الدول (Getty)

سادت حالة من الهلع في المملكة المتحدة خلال الأيام الماضية، وتم الإعلان عن حالة طوارئ جوية قصوى غير مسبوقة في تاريخ البلاد، بسبب مرور موجة حارّة فوق أرجاء الشمال الغربي لأوروبا. وقد تعددت أشكال الاستجابة لهذه الحالة الطارئة، بين تعطيل للمدارس، وتعليق لبعض الرحلات الجوية والبريّة، وإيعاز بخفض سرعات القطارات تحسبًا لأي حوادث، وحظر للسباحة في المياه المفتوحة، والنشرات الجوية المفتوحة على شاشات التلفاز، والكثير من النصائح الطبية، إضافة إلى حالة السكون النسبية التي تسيّدت خلال ساعات النهار في مدن بريطانيا المزدحمة بالمارة والسياح في مثل هذا الوقت من العام. أما السبب، فهو أن درجات الحرارة قد تبلغ الأربعين وحسب. 

بلوغ درجات الحرارة حاجز الأربعين مئوية في أوروبا له عواقب مختلفة مقارنة بمناطق أخرى في العالم

إلا أن رقم الأربعين المئوية حين يتعلق بدرجات الحرارة، قد لا يكون صادمًا لدى الكثيرين من البشر، حتى في المناطق ذات درجات الحرارة الأكثر اعتدالًا في المنطقة العربية مثلًا، حيث تنذر الأربعين بحرارة عالية ومزعجة، لكن من دون أن تثير حالة من القلق العام، عداك عن إعلان حالة طوارئ أو تعليق الأعمال التجارية أو تعطيل المدارس وما شابه ذلك من خطوات احترازية يراها كثيرون مبالغًا بها للتعامل مع درجة حرارة بالكاد تلامس الأربعين، ولساعات محدودة فقط وقت الذروة في النهار.

فلماذا ارتعب البريطانيون وغيرهم من الأوروبيين من وصول الحرارة إلى حاجز الأربعين مئوية، ولم قررت السلطات هناك التحوّط الطارئ لمثل هذا الظرف الجويّ غير المسبوق في تاريخها؟

بلاد بنيت للأجواء الباردة

تعدّ بريطانيا، مثل كثير غيرها شمال أوروبا، بلادًا غير مهيأة للتعامل مع الأجواء شديدة الحرارة، مقارنة ببلدان أخرى أكثر قدرة على التكيف مع هذا المناخ. ولعل هذا يساعد في تفسير التوقعات السائدة بين عديد الخبراء، والذين تخوفوا من وقوع أكثر من 1000 حالة وفاة بين البريطانيين في إنجلترا وويلز بسبب موجة الحر الشديدة التي تؤثر على المنطقة.

MMT UK

ولفهم الصورة العامة بشكل أوضح، لا بدّ من توضيح مفهوم بالغ الأهمية يتعلق بتحديد معدل درجات الحرارة الدنيا التي تتزايد بعدها فرص وفاة الناس الأصحاء. ولهذا المفهوم مصطلح علمي خاص هو (Minimum Mortality Temperature)، أو (MMT) والذي يعني حد درجة الحرارة الخطرة على صحة الإنسان في حال ارتفاعها، وهي تتباين بشكل كبير بين دول العالم المختلفة، بحسب طبيعة المناخ السائد تاريخيًا بها.

وللمقارنة بين الدول في المنطقة العربية والشرق الأوسط وغيرها من الدول الأوروبية والغربية في هذا الصدد، بحسب الحدّ الأعلى للحرارة غير الخطرة على الحياة (MMT)، قمنا بوضع هذا الجدول، بالاعتماد على معلومات واردة في تقرير تفصيلي صادر عن شبكة "إم سي سي" البريطانية للأبحاث. 

أوروبا

الدولة

درجة MMT

المملكة المتحدة

17 درجة مئوية

فرنسا

20 درجة مئوية

إسبانيا

21 درجة مئوية

إيطاليا

22 درجة مئوية

ألمانيا

18 درجة مئوية

السويد

16 درجة مئوية

النرويج

16 درجة مئوية

 

أمريكا الشمالية

الدولة

درجة MMT

الولايات المتحدة الأمريكية

23.2 درجة مئوية

كندا

19.5 درجة مئوية

 

الشرق الأوسط

الدولة

درجة MMT

الكويت

31 درجة مئوية

إيران

28 درجة مئوية

 

 

 

 

 

 

وهكذا يظهر الفرق بين الدول المختلفة فيما يتعلق بالحدّ الأعلى من الحرارة التي يبدأ التهديد النسبي على البشر بالتزايد في حال تجاوزها. ففي المملكة المتحدة تعد درجة 40 مئوية فوق هذا المعدّل بحوالي 23 درجة مئوية، بينما يتضاءل هذا الفرق بين الدرجتين في مناطق أخرى، مثل الكويت، ليكون أقل من 10 درجات فقط. وبحسب خبراء المناخ، فإن فهم هذه الأرقام يساعد بالضرورة على إدراك ما تعنيه عمومًا من قدرة الناس على توقّع مثل هذه الدرجات المرتفعة في الحرارة والتكيّف معها عبر الزمن، ولاسيما من الناحية الماديّة، أي التجهيزات والأدوات اللازمة للتعامل مع هذه الأجواء، مثل المراوح والمكيفات، عدا عن طرق وأدوات البناء وتجهيز المباني والشوارع، والبنى التحتية الأخرى، والنمط المعيشي بأكمله والذي يتأثر بشكل كبير بطبيعة المناخ. 

وبناء على ذلك، فإن تقدير الخطر الصحيّ لدرجة حرارة 40 مئوية تختلف بشكل جذري بين دولة مثل المملكة المتحدة، وبين دول أخرى مثل الكويت أو إيران أو السعودية، أو حتى دول ذات مناخ أكثر اعتدالًا مثل الأردن وفلسطين. فالناس والدول ذات استعدادات تكيفيّة متباينة بحسب معدلات الحرارة المسجلة بها تاريخيًا، وباعتبار أن أي زيادة فوق 17 درجة مئوية في المملكة المتحدة تعني اختلافًا ملحوظًا فوق المعدّل، فإن الوصول إلى درجة 40 مئوية سيعني بالضرورة حالة طارئة قد تثير الهلع بين السلطات والمواطنين على حد سواء.

يرى بعض الباحثين بأن أجساد الناس قد يطرأ عليها مع الزمن تغيرات فسيولوجية في منطقة معيّنة للمساعدة على التأقلم مع الأجواء السائدة

الأمر أشبه بهبوط درجات الحرارة إلى دون الصفر بشكل مفاجئ وغير مسبوق في دولة عربية ذات مناخ حارّ نسبيًا، إذ قد يشكّل ذلك صدمة للسكان والسلطات على حدّ سواء، وقد ينذر بتشكيل خطر على حياة الناس في حال لم تتوفر الإمكانات للتعامل مع هذا البرد واتّقائه، سواء داخل المباني والمنازل أو في الشوارع والأماكن العامّة.