04-يونيو-2016

أحد سدود لبنان(جوزيف عيد/أ.ف.ب)

يقع سدّ جنّة المزمع تشييده في وادٍ تحت منطقة "قرطبا"، بتكلفةٍ قدرها 300 مليون دولار ويهدف لتغذية منطقة جبيل ومحيطها بالمياه، كحلٍّ لمشكلةٍ مزمنةٍ تعانيها المنطقة منذ عقود. السّد سيحوي 38 مليون متر مكعب، فضلاً عن توفير طاقة نظيفة وتنشيط الزراعة والسياحة. يفتقر لبنان للعمل الفعلي على مستوى البنى التّحتية، لا سدود ولا تطوير في المقوّمات المتاحة.

تحول سد "جنّة" المزمع تشييده في وادٍ تحت منطقة "قرطبا" اللبنانية إلى معركة طائفية وسياسية

في المبدأ العام، لا مشكلة مع أي مشروعٍ إنمائي، أو هكذا من المفترض، لكن اشتعلت السّاحة السّياسية بلبنان، مجلس الوزراء خاصّةً، طرفٌ يؤيّد السّد وطرفٌ يرفضه. طبيعة الأرض اللبنانية كلسية، أي "كارست"، يعني أنّها متشقّقة أي يمكن للمياه أن تتسرّب منها، وبالتّالي، فالسّد لا قيمة عملية له، بينما يدافع الطّرف المساند للسدّ عنه بأن علاجه سهل، وأنّه سيرفع الحرمان عن شريحة كبيرةٍ من اللبنانيين، على أن يعوّض الخلل البيئي بالإفادة من حيث البنى التّحتية للناس.

اقرأ/ي أيضًا: عن الأكلاف الاقتصادية للإرهاب

الملفت في متابعة الملف، أنّه اتخذ طابعًا طائفيًا، فعدم تمرير السّد هو بحسب النّواب والوزراء المدافعين عنه، مساهمة في حرمان المسيحيين وتهميشهم في لبنان، لذلك تحوّل السّد إلى معركة بدل أن يكون مشروعًا تنمويًا.

كلّف السّد إلى حد الآن ما يقارب 100 مليون دولار، كدراساتٍ وتحضيرات وإجراء مناقصات، في مثالٍ لا يزال حاضرًا في أذهان اللبنانيين، سدّ "شبروح"، الذي خاض لأجله إميل لحود، رئيس الجمهورية الأسبق، معارك كبيرة، انتهت بتكليف خزينة الدّولة دفع 150 مليون دولار دون جدوى. أكثر من جلسةٍ تم تعطيلها لتمرير مشروع السّد، مواقف متطرّفة وأصواتٌ مرتفعة، العمل في السّد جارٍ حاليًا، دون انتظار حتّى قرار مجلس الوزراء، في الوادي الذي يحتوي ثروةً بيئية كبيرة، ووجهة سياحيّة نشطة، وادي "نهر إبراهيم" سيمحى من ذاكرة اللبنانيين في حال استمر المشروع في التّقدم والعمل.

بعد التّدقيق والمتابعة، تبين أن الشّركة المتعهدّة بالمشروع هي "Andrade Gutierrez"، شركة برازيلية، تعتبر من الشّركات الكُبرى في قطاع المقاولات البرازيلي، متهمة بعدّة قضايا فساد، وأُجبرت بقرارٍ قضائي على إرجاع 258 مليون دولار للحكومة البرازيلية كحكمٍ ناجزٍ في قضية "بتروبراس" الشّهيرة، في شهر أيّار/مايو 2016، وستكون الشّركة مجبرة على الاعتذار العلني للشعب البرازيلي، والمساهمة في أعمال ومشارع خدمات اجتماعية، كتعويضٍ معنوي عن الجنح التي ارتكبتها.

تعامل السّياسيين اللبنانيين في مشاريع إنمائية وطنية مع شركاتٍ مشبوهة أو فاسدة ليس جديدًا

اقرأ/ي أيضًا: العملة الوطنية اللبنانية في الميزان

تعامل السّياسيين مع شركاتٍ مشبوهة ليس جديدًا، في السّابق، اضطرت السّفارة الرّوسية وبعدها الألمانية، لنفي وجود أسماء شركات، وهي شركات طرحها مجلس الوزراء كشركات ترحيلٍ للنّفايات، ظهر بعدها أنّها شركاتٌ غير معنية، أو بعيدة الاختصاص عن النّفايات، وذكرها من قبل الحكومة كان من باب الانتفاع، في استمرار وتمديدٍ لعقيدة الفساد المعهودة. اليوم، تفوّقت الحكومة على نفسها، لم تعتمد شركة وهمية خجلاً من فسادها، بل لجأت مباشرةً إلى شركةٍ فاسدةٍ بالأصل، مع جهل الشّعب اللبناني لنسب الأرباح والمكاسب التي سينالها الأطراف السّياسيون المشاركون في أعمال التّلزيم وإقرار المشروع وفتح المناقصات.

بغضّ النّظر عن تمرير قرار بناء السّد من عدمه، إنجازه أم عدم إنجازه، هناك مشكلتان مزمنتان من حيث التّعامل ما بين الحكومة والهيئات الرّقابية من جهة، والشّعب من جهةٍ أخرى، في ظلّ عدم وجود قانون يكفل للمواطن حرّية الوصول للمعلومات، وطبعًا انعدام الشّفافية، خاصّةً في المشاريع التّنموية أو التأهيلية، الحديث غير محصورٍ هنا بالضّرر الاقتصادي والبيئي فقط، بل بما يطال صحّة السّكان وسلامتهم العامّة، فالسّد مع الطّبيعة الصّخرية الكلسية قابلٌ للانهيار بأي لحظة، والخلاف السّياسي، على الحصص كما هو مرجّح، لا يلحظ الجانب الصّحي أبدًا.

اقرأ/ي أيضًا: 

اقتصاد لبنان.. ما ذنب اللجوء!؟

أبرز 10 فضائح فساد في لبنان