14-يونيو-2018

تورطت الولايات المتحدة بعمليات تعذيب في اليمن (Getty)

تتالت التقارير التي تكشف يومًا بعد آخر، عن انتهاكات أمريكية في اليمن، سواء بشكل مباشر أو من خلال دعم التحالف الذي تقوده السعودية، وحتى من خلال دعم ميليشيات مشبوهة موالية للإمارات. وتشير المعلومات الأخيرة، عن تورط وكالات الاستخبارات الأمريكية بتعذيب معتقلين في اليمن، من خلال وكلاء موالين للإمارات على الأرض. يبين هذا التقرير المترجم عن موقع "ميديل إيست آي" البريطاني، تفاصيل هذه الانتهاكات.


وُصف استخدام التعذيب من قبل وكالات الاستخبارات الأمريكية الذي كشف عنه إبان عهد جورج بوش، بأنه يمثل "أكثر الفصول ظلامية" في التاريخ الأمريكي.

ساعد سوء المعاملة الفاضح الذي تعرض له المحتجزون العراقيون في سجن أبوغريب ومعسكر بوكا، في ميلاد داعش

لم تمحق هذه الحقائق فقط السلطة الأخلاقية التي كانت تدعيها الولايات المتحدة خلال "الحرب على الإرهاب"، التي شنتها في العقد الأول من هذا القرن، بل إن سوء المعاملة الفاضح الذي تعرض له المحتجزون العراقيون في سجن أبوغريب ومعسكر بوكا، ساعد في ميلاد الدولة التي أعلنت أنها تمثل الخلافة الإسلامية وأعاد إحياء حركة الجهاد العالمية.

لكنك تجانب الصواب إذا اعتقدت أن هذا الفصل الشائن من التاريخ الأمريكي بدأ وانتهى مع إدارة بوش، وعلى ضوء تصويت الكونغرس الأمريكي الذي يسيطر عليه الجمهوريون لصالح إجراء تحقيق بشأن لجوء القوات الأمريكية إلى التعذيب من عدمه، أثناء استجوابهم لسجناء في اليمن، لا يسعنا إلا أن نستبعد الشك إزاء وجود حقائق أخرى كثيرة يجب علينا معرفتها.

شبكة سرية من السجون

تدعو الإجراءات المتخذة يوم الخميس والتي تم التصويت لصالحها بالإجماع، وزير الدفاع الأمريكي جيمس ماتيس إلى التقصي بشأن انخراط أفراد في الجيش الأمريكي أو حلفائهم في التعذيب في اليمن، ويأتي هذا التحقيق بلا شك ردًا على تحقيق وكالة أسوشييتد برس، الذي كشف عن اختفاء مئات من المحتجزين الذين اعتقلوا أثناء مطاردة مقاتلي تنظيم القاعدة في شبكة سجون سرية في جنوب اليمن.

اقرأ/ي أيضًا: بسبب جرائمها في اليمن.. ضغوط أوروبية لوقف بيع السلاح للسعودية

أفاد المحتجزون بأنهم "حشروا في حاويات شحن ملطخة بالبراز معصوبي الأعين طوال أسابيع"، وتعرضوا لوسيلة تعذيب تدعى "الشواية" حيث تربط الضحية بقضيب معدني ومن ثم يدار هذا القضيب حول محوره فوق شعلة من النار، تمامًا كشواء يجري تحميصه.

ووفقًا لتحقيق وكالة أسوشييتد برس، أعد ما لا يقل عن 18 مركز اعتقال سريًا في عدد من المواقع في جميع أرجاء جنوب اليمن من قبل القوات الإماراتية، أو بالتعاون من القوات اليمنية، من بينها قواعد عسكرية وفيلات خاصة، وموانئ بحرية وحتى نواد ليلية. في حين اعترف مسؤولون كبار في وزارة الدفاع الأمريكية أن أفرادًا عسكريين أمريكيين تورطوا في عمليات الاستجواب في تلك السجون السرية، أنكروا تمامًا مشاركتهم في تعذيب المحتجزين أو أي معرفة بانتهاكات حقوق الإنسان.

والآن تلقى البنتاغون أمرًا من الكونغرس الأمريكي بالتقصي في مدى مصداقية هذا الإنكار، ويأتي هذا في نفس الوقت الذي صدق فيه المشرعون على ترشيح جينا هاسبل لمنصب مديرة وكالة الاستخبارات المركزية ومايك بومبيو لوزارة الخارجية، حيث أشرفت الأولى على برنامج التعذيب التابع لوكالة الاستخبارات المركزية إبان إدارة بوش ودافع الأخير عن هذه الممارسات. النفاق كما يقولون لا يعرف حدودًا.

أصبح من الواضح أن مسألة استخدام الولايات المتحدة للتعذيب أعمق بكثير وأكثر انتشارًا ومنهجية مما يذاع عنها علنا، بحسب ما تبين من الشهادات والوثائق التي نشرتها مجموعة الدفاع عن حقوق الإنسان البريطانية  CAGE في نيسان/أبريل الماضي، والتي اتهمت محققي وكالة FBI الأمريكية من بينهم علي صوفان الشخصية المركزية في مسلسل Looming Tower التلفزيوني، بتعذيب المحتجز القطري علي المري على التراب الأمريكي.

الإيهام بالغرق

عندما أجريت مقابلة مع علي المري، وصف لي كيف عذبه المحققون الأمريكيون باستخدام ما يعرف بـ"الخنق الجاف "dry-boarding" وهي تقنية تعذيب محسنة يقوم فيها المحققون بحشر قطعة قماش في حلق الضحية ويغلقون فمه بالشريط اللاصق لمحاكاة الاختناق.

يقول مري: "أجبروني على النظر إلى الأعلى وعندما نظرت إلى أعلى أغلقت عيني. في تلك اللحظة أحضر علي صوفان الجوارب ووضع يديه على فكي وأجبرني على فتح فمي. وضع الجوارب بداخله ومن ثم أغلق فمي، وبعدها قام راموس (محقق FBI) بإغلاق فمي بالشريط اللاصق طوليًا وأفقيًا، ومن ثم بدأت بالاختناق".

وأضاف المري قائلًا: "في البداية لعب صوفان دور الشرطي الجيد معي وأحضر لي طعامًا عربيا وبيتزا، وأخبرني أن الحديث معه هو أفضل طريقة بالنسبة لي لأعود إلى عائلتي. لكنه لاحظ أن هذه الطريقة لم تكن نافعة، ومن ثم هددني بأن يتم اغتصابي من قبل مثليين في الجيش الأمريكي، وهددني بأن يتم اغتصاب زوجتي أمامي وأمام أطفالي".

اقرأ/ي أيضًا: التحالف السعودي يقتل 33 مدنيًا في ضربة واحدة.. استهداف أعراس اليمن مجددًا

يتخذ الأمريكيون موقفًا متساهلًا تجاه التعذيب كما بين استطلاع للرأي أجرته رويترز في 2016، توصل إلى أن ثلثي الأمريكيين يعتقدون أن استخدام التعذيب لاستخلاص المعلومات من الإرهابيين المشبته بهم أمر مبرر، وتزايدت هذه النسبة بين المصوتين الجمهوريين لتصل إلى 82%. لذا فإنه من المعقول أن نفترض أن هذا الدعم الشعبي الواسع المتمثل في مناصرة دونالد ترامب للتعذيب، يترجم إلى استخدام واسع لهذا لتعذيب خلف الأبواب المغلقة.

توكيل الأعمال القذرة للغير

يصر آخرون على أن الولايات المتحدة حتى وإن التزمت في تحقيقاتها بالقانون الدولي وأعراف حقوق الإنسان، إلا أن هناك أدلة تشير إلى أنها توكل حلفاءها للقيام بأعمالها القذرة كما فعلت في السنوات الأولى بعد هجمات 9/11.

يتخذ الأمريكيون موقفًا متساهلًا تجاه التعذيب كما بين استطلاع للرأي أجرته رويترز في 2016

قال أندرياس كريغ المدرس المساعد بكلية الملك في لندن، في مقابلة مع الجزيرة: "ما فعلته الولايات المتحدة في الأساس أنها قامت بتصدير هذا العمل لوكلاء تأتي على رأسهم الإمارات العربية المتحدة، لكن حتى الإمارات العربية صدرت هذا العمل للمجموعات المحلية، حتى يصير التحكم والإشراف وحتى إلصاقها بالولايات المتحدة بشكل مباشر أو غير مباشر، أمرًا صعبًا للغاية".

الأدهى من ذلك أن لجنة من خبراء الأمم المتحدة أكدت ما توصل إليه تحقيق وكالة أسوشيتد برس/ متهمة الإمارات العربية المتحدة التي تعد حليفًا مخلصًا للولايات المتحدة، بممارسة التعذيب عن طريق الصعق الكهربائي والضرب وما هو أسوأ من ذلك.

يعود الأمر للبنتاغون الآن لتحديد مدى تورط الولايات المتحدة في استخدام وسائل التعذيب في اليمن ــ لكن على الأقل يمكننا أن نفترض أننا لم نقرأ بعد الصفحة الأخيرة من هذا الفصل البشع في التاريخ الأمريكي.

 

اقرأ/ي أيضًا:

مؤامرة ابن زايد.. الإطاحة بالشرعية في اليمن ضمن مهمات التخريب

مسؤول أممي: الأزمة الإنسانية في اليمن هي الأسوأ منذ نصف قرن