26-يوليو-2020

ملصق مسلسل "شارع شيكاغو"

كشف السجال الذي بدأه بعض رواد التواصل الاجتماعي ضد "مشروع القبلة" التي جمعت الفنانة سلاف فواخرجي مع زميلها مهيار خضور، في ملصق العمل الترويجي لمسلسل "شارع شيكاغو"، مقدار العنف الذي استبطنه موقف المحتجين ضد كل من فواخرجي ومخرج العمل محمد عبد العزيز. ذلك أن البعض منهم لم يكتفِ بتسجيل اعتراضه على الوضعية التي تم اعتمادها المخرج لأخذ القبلة، التي رؤوا فيها مشهدًا شبقيًا يخدش الحياء العام، بل تعداه إلى الحط من كرامة الاثنين عبر أقذع العبارات وأحط الأوصاف، التي انتهت بتنطح الزوج وائل رمضان للرد على الردح المقيت بردح أفظع وأفدح منه.

لا توفر السلطة الأسدية فرصة في إلقاء اللوم في انغلاق المجتمع على ذاته على عاتق الجماعات الجهادية خاصة والدينية عامة

الزوج الغاضب من الطريقة التي تم التعرض فيها لشرفه الذكوري، لم يتوقف عند تبنيه لالتقاط الصورة موضوع السجال، وتذيلها بعبارة "بعدسة وائل رمضان": "موفقة سلاف الغالية، إن شاء الله. واللي من جوا وسخ بيشوف الوساخة، ولو بالأراضي المقدسة". وإنما زاد عليها بسيل طويل من الشتائم الشوارعية، ذات المرجعية السلطوية "دمرتم سوريا، وأغتصبتم بناتكم باسم الدين، البراء منكم، وقلنا عنكم (مغرر بكم). كلماتكم النابية تدل على مرجعية تمويلكم، يا أحفاد قريش".

اقرأ/ي أيضًا: باب الحارة... "العرصات" تتكاثر

تتقاطع تعليقات المعترضين الشائنة مع ردح رمضان الجارح مع السمة الجوهرية للخطاب السجاليّ، الذي يصر على التهرب من البرهنة على الموضوع مطرح الخلاف (القبلة)، أي تقديم الحجج المنطقية التي جعلت من قبلة فواخرجي فاحشة ومبتذلة، كما تقديم الحجج المضادة لها من قبل رمضان، التي تجعل منها طبيعية ومسوغة. ليقفز للبرهنة على الشخص موضوع النقد، عبر الذهاب للتعريض بفواخرجي وعبد العزيز عبر أسوء الألفاظ والأحكام الأخلاقية، ومن ثمن نهوض رمضان للحط من ذات المعترضين بذات اللغة المبتذلة.

فما العلاقة بين قبلة فواخرجي التي كانت تهم بتأديتها تبعًا لمتطلبات الصدق الفني الذي يجب أن يرتقي لمستوى الحالة العاطفية التي تعيشها الشخصية الدرامية وسلوكها الأخلاقي، أيًا يكن نوعه أو طبيعته؟ إلا إذا كانت الذات الناقدة تسعى للنيل من الضحية، إما لاختلاف معايير الموقف الأخلاقي بين الذات الناقدة والذات موضوع النقد تجاه القبلة خاصة وحضور الجسد البشري في الحيز العام عامة، أو أن الأمر يتعدى الموقف من القبلة وحواشيها، إلى التعريض بموقف فواخرجي الموالي لنظام الأسد الاستبدادي.

ما العلاقة بين دحض الاتهامات الموجهة للزوجة الفنانة، وبين تعريض رمضان بأخلاق من انتقدوها أو عرضوا بها؟ إلا إذا كان يعتقد بصوابية رفع المعترضين إلى مستوى الخصوم، الذين يجب العمل على التخلص منهم رمزيًا عبر اللجوء إلى التبخيس من قيمتهم الأخلاقية، على نحو يفضي إلى إخراجهم من الدين والدنيا معًا، أي شيطنتهم "أغتصبتم بناتكم". كما إخراجهم من دائرة الوطنية إلى دائرة الخيانة العظمى "دمرتم سوريا"، كل ذلك كتوطئة لإقناع نفسه بأحقية العنف الماحق الذي مارسه النظام ضدهم، والذي على ما يبدو لم يشف غليله منهم، بكونهم على صلة روحية مع الجحود والكفر "أحفاد قريش".

بدت ردة فعل المخرج محمد عبد العزيز في بدايتها أكثر عقلانية من زميله رمضان، إذ إنه بدلًا من أن يبدد طاقته بالسجال مع منتقديه، الذين تجرأوا على نعته "بـالمنحلّ أخلاقيًا"، سعى لشرح دلالة القبلة في البوستر مع الظروف الحافة بها، من حيث كونها "قبلة نابعة من طبيعة العلاقة الدرامية بين امراة ورجل في حالة حب". إلا أن هذا العقلاني الكبير سرعان ما سينقلب على منطق المحاججة العقلي الذي سبق له أن تبناه، ليظهر على حقيقته كرجل سجالي يسعى لسحق ذات الخصم لا لبطلان حججه "الرخص، الذي أتهم به بوستر العمل، لا ينتج من قُبلة، بل من الشريحة التي روّجت للعنف، وهي بيئة حاضنة له".

ادعاء المخرج محمد عبد العزيز بانغلاق المجتمع في العشر السنوات الأخيرة، المصاحبة لزمن الثورة السورية 2011 فيه الكثير من التجني والعمى الأيديولوجي

عبد العزيز وفق السياق السابق يهرب من الرد على حجج الخصوم القائلين: برخصة القبلة وغرائزيتها في مجتمع محافظ، إلى النيل من ذات المنتقدين أنفسهم، عبر الربط بينهم وبين العنف. فما دام هؤلاء المعترضون عنيفين ومنتجين دائمين له، فلا يجب الأخذ برأيهم عن الرخص أو القبح، ذلك أن كل شخص عنيف أو مروج له قبيح ورخيص بالضرورة. الأمر الذي يجعلنا نتسائل عن حقنا برد مسلسل "ترجمان الأشواق" الذي كتب الرجل قصته وعمل على إخراجه، إلى القبح والرخص. ذلك أن مقولة العمل كما صرّح بها عبد العزيز نفسه هي الدفاع عن شرعية عنف السلطة المستبدة ضد الناس الخارجين إلى حريتهم، ما دامت السلطة الحاكمة تمارس عنفها من خلف مؤسسات الدولة. دون أن يخطر على باله مساءلة تلك الدولة المافيوية عن شرعيتها المستمدة من خرقها لقواعد الحق والقانون التي تنهض عليها الدولة الحديثة. أم الأمر عنده لا يتعدى انحيازه لأي سلطة ما دامت تسيطر على جهاز الدولة، حاله في ذلك حال الجماعات الدينية التي لا تقيم اعتبارًا لأخلاقية السلطة الحاكمة ما دامت قد سيطرت على جهاز الدولة بالعنف والغلبة؟

اقرأ/ي أيضًا: حوار| رافي وهبي: الدراما السورية عرضة للتفكك

في مسلسله الجديد "شارع شيكاغو" الذي ينهض على علاقة حب بين المغنية ميرامار (سلاف فواخرجي)، التي تغامر بالهروب من بيت العائلة قاصدة العمل في إحدى الملاهي الليلية، لتلتقي بقبضاي الشارع مراد عكاش (مهيار خضور)، في أحد شوارع دمشق ستينيات القرن الماضي، الذي كان يعج بالحياة الليلية. يصر عبد العزيز أن يظل وفيًا لأيديولوجيا السلطة الأسدية، التي لا توفر فرصة في إلقاء اللوم في انغلاق المجتمع على ذاته، على عاتق الجماعات الجهادية خاصة والدينية عامة.

متجاهلًا عن عمد دور الأيديولوجيا البعثية في تدمير الأساس الذي كانت تنهض عليه قيم الانفتاح الاجتماعي، المتعلقة بوجود النظام السياسي الليبرالي الذي كان يوفر الأرضية المناسبة، لتنافس جميع الأحزاب السياسية مصحوبة بأيدلوجياتها، التي كانت تولي أهمية كبيرة لتحرر المرأة وانخراطها في الحياة العامة. كما دور الأسدية المتعمد في ترسيخ قيم الجماعات المحافظة الدينية في المجتمع، تارة عبر رعاية المفتي كفتارو وجماعته، وتارة أخرى عبر البوطي وأتباعه، ناهيك عن الاستثمار في القبيسيات وجماعة الأوقاف وفريقهم الشبابي، لا لشيء سوى لتدجينها وتوظيفها في سبيل تعزيز سيطرته على المجتمع.

إن ادعاء عبد العزيز بانغلاق المجتمع في العشر السنوات الأخيرة، المصاحبة لزمن الثورة السورية 2011 فيه الكثير من التجني، والعمى الأيديولوجي الذي يرغب من خلاله بإلقاء اللوم على الناس المحتجين على عنف النظام وإدارته اللاعقلانية للبلاد، فيما الحقيقة أن هذا الانغلاق يعود لعقود مضت ساهم نظام الأسدين بترسيخه في المجتمع، لكونه يصب في خدمة بقاء النظام واستمراره.

إن حرف عبد العزيز النقاش حول جعل من هو مع القبلة من أنصار النظام الأسدي التقدمي، ومن هو ضدها من أنصار داعش وأخواتها، فيه الكثير من التجني على القبلة وأخواتها. ذلك أن نظامًا إجراميًا كالنظام الأسدي يرعى دون أن يرف له جفن مسالخ الموت الوحشية، كما يحكم دون أن يبالي بأي اعتبار لكرامة أحد من تابعيه، غير جدير بالدفاع عن القبلة وقيمتها الإنسانية العظمى، ذلك أن من يحتقر المطالبين بالحرية والكرامة، لا يستحق الدفاع عن أجسادهم أو قبلاتهم الملأى بعبق الحياة.

من يحتقر المطالبين بالحرية والكرامة، لا يستحق الدفاع عن أجسادهم أو قبلاتهم الملأى بعبق الحياة

ينحاز المرء لقبلة سلاف فواخرجي دون أدنى تردّد، ذلك أنها تأتي ضمن سياق درامي طبيعى لا جدال فيه، فهي ليست مجانية ولا رخيصة كما ادعى معترضوها، كما أنها ليست فيلمًا إباحيًا أو جزءًا منه، كما أنها وهذا هو الأهم جزء أصيل من عمل الفنان، الذي لا يتخلف عن أداء جميع الأدوار التي يقتنع بقيمتها الفنية بغض النظر عن أخلاقيتها في الخير أو الشر.

اقرأ/ي أيضًا: 4 مسلسلات سورية في حقل ألغام العشوائيات

إلا إن إصرار المخرج على الترويج للعمل عبر وضعية سجالية في مجتمع ذي مرجعيات أخلاقية مختلفة، يثير الكثير من الشك حول أخلاقية استخدامه لها كنوع من التسويق عبر السجال، جريًا على الحكمة القائلة "إذا أردت أن تسوق عملًا فاسع لحصوله على سمعة سيئة". فهل كان مشروع القبلة في الملصق عملًا متقصدًا لتسويقه تجاريًا على نحو واسع؟ أم أن الأمر يتعدى ذلك إلى دفاع المخرج عن قيم المجتمع الليبرالية التي يصر بإلقاء اللوم على غيابها إلى نوع من سيادة الفكرة المتطرف المرافق لثورة الشعب السوري في خلاصه من الطغيان الأسدي؟ أم أن العمل وملصقه لا يخرجان عن تبييض صفحة النظام عبر القبل والحب تجاه كل الخراب الذي ألحقه بالبلاد والعباد؟

 

اقرأ/ي أيضًا:

مسلسل "دقيقة صمت".. حرب البيانات وسجالات الفيسبوك والحبكة الدرامية أيضًا

جمال سليمان: السوق لا يريد أن يتحدث عن سوريا