06-أغسطس-2015

ايغور بلانوف يسجّل الهدف الثالث للاتحاد السوفييتي في مرمى بلجيكا خلال دوري الثمانية من مونديال المكسيك 1986 (Getty)

تتعارض كرة القدم والشيوعية بالمفهوم النظري، لكن ذلك لم يمنع الاتحاد السوفييتي من تقديم أحد أقوى الفرق في أوروبا. فالقادة الشيوعيون اعتبروا، في البداية، أن كرة القدم لعبة بورجوازية ومعادية للثورة، وهي من الوسائل المستخدمة في تقسيم الطبقة العاملة وإضعاف الوعي الطبقي لديها. هذا الموقف الفكري الحاد من أكثر الألعاب شعبية في العالم لم يكن قابلًا للتطبيق بسهولة، لذلك قرر قادة الثورة البلشفية، وعلى رأسهم فلاديمير لينين، الإبقاء على اللعبة حتى لا يخسروا جزءًا من التأييد الشعبي. أممت كرة القدم في الاتحاد السوفييتي على نحوٍ غير معلن، وهكذا لعب منتخب السوفييت لكرة القدم أولى مبارياته في آب/أغسطس 1923، وذلك بعد 9 أشهر من تأسيس الاتحاد.

قرر قادة الثورة البلشفية وعلى رأسهم فلاديمير لينين الإبقاء على كرة القدم حتى لا يخسروا التأييد الشعبي

لم يتأخر الاتحاد السوفييتي حتى يُظهر مركزية تحكمه في اللعبة. وفي سنة 1925 كانت الفرق الأربعة المتصدرة في مقدمة الدوري من مدينة موسكو، وتحت سيطرة جهاز الدولة. قكان لوغوموتيف موسكو، كما يشير اسمه، تحت سلطة وزارة السكك الحديدية، ونادي توربيدو موسكو تحت سلطة شركة تصنيع سيارات الدولة "زيل"، فيما انقسم الفريقين الشهيرين سيسكا موسكو ودينامو موسكو بين السلطات العسكرية. فكان الأول تابعًا للجيش الأحمر، فيما أدير الثاني من قبل لجنة أمن الدولة " كي جي بي" التي كان يرأسها لافرينتي بيريا، المقرب من ستالين، والذي حول مواجهة فريقه جحيمًا على الفرق الأخرى.

بعد سنوات، ساهمت المركزية السوفييتية بنجاح الفرق على الصعيد العالمي، وعمل ستالين على استغلال كرة القدم لإظهار تفوق القيم الشيوعية، وهو ما تشابه إلى حد كبير مع محاولات هتلر وموسوليني في الأولمبياد بين عامي 1934 و1936. ونجح الفريق السوفييتي بحصد ذهبية أمم أوروبا عام 1960، وذهبية الأولمبياد عام 1957، ووصلت ذروة تدخل السياسة السوفييتية بكرة القدم حين رفض المنتخب في عام 1973 لعب مباراة الإياب من الملحق المؤهل لكأس العالم على أرض منتخب تشيلي، والتي كانت ستقام في ملعب سانتياغو الذي شهد مقتل رئيس تشيلي الماركسي سلفادور ألليندي، بعد الانقلاب على حكمه، ليكون أول منتخب يتم إبعاده عن التصفيات لأسباب سياسية.

أدير دينامو موسكو من قبل لجنة أمن الدولة " كي جي بي" التي كان يرأسها لافرينتي بيريا المقرب من ستالين

لم يكن خروج البطولة من يد مدينة موسكو المركزية سهلًا، حتى بعد موت ستالين عام 1955. لكن حدة المنافسة ارتفعت حتى كسر فريق دينامو كييف القاعدة، بعد 11 سنة في عام 1966، وحقق بطولتي الدوري والكأس مُعلنًا عن صفحة جديدة في كرة القدم السوفييتية. لكن هذه الصفحة لم تكتمل، فرغم العديد من العروض التي قُدمت للاعبين السوفييت، إلا أن القانون لم يكن يتيح  انتقال أي لاعب إلى خارج الاتحاد. فقضى ليف ياشين الملقب بـ"الفهد الأسود" حياته الكروية حارسًا لمرمى دينامو موسكو بين الأعوام 1949 و1971، وكان الحارس الوحيد الذي حاز على الكرة الذهبية ولقب أفضل لاعب في أوروبا.

وفي الوقت الذي ظهر فيه اللاعبون السوفييت بوجه الموافق على سياسات الدولة لجهة اللعب في فرقها حصرًا، خرق سيرجي بالتشا النظام العام منتقلًا إلى فريق إيبسويتش تاون الإنجليزي في عام 1988. وبما يشبه قصة الأم التي تمثل دور حبها للاشتراكية حتى على أولادها في ألمانيا الشرقية في فيلم "وداعًا لينين"، غادر في العام نفسه الهداف التاريخي للمنتخب أوليغ بلوخين إلى فريق فوروارتس شتاير النمساوي والحارس نينات داسايف إلى فريق إشبيلية الإسباني والمدافع فاغيز خيدياتولين إلى فريق تولوز الفرنسي.

بعد تفكك الاتحاد السوفييتي انتقلت فرق كرة القدم من السيطرة المركزية للحكومة إلى سيطرة الاحتكار المالي

بعد تفكك الاتحاد السوفييتي، فرض الاقتصاد الرأسمالي إيقاعه وانتقلت فرق كرة القدم من السيطرة المركزية للحكومة إلى سيطرة الاحتكار المالي، الذي كانت أهم صوره شركة "غازبروم" التي جلبت النجم صامويل إيتو إلى فريق أنزي مقابل راتب 300 ألف جنيه استرليني في الأسبوع. كان لهذا الانفتاح المالي رد فعل سيء على صورة المنتخب الروسي، فتفكك الاتحاد لم يُفقده الكثير من اللاعبين، خاصةً أولئك اللذين كانوا من أوكرانيا فحسب، وإنما سمح للاعبين الأجانب بغزو الكرة الروسية، حتى قال فابيو كابيللو، مدرب المنتخب الروسي في عام 2012 "يوجد 7 لاعبين أجانب في كل فريق روسي، العمل غير ممكن بهذه الطريقة".

لا يمكن التكهن اليوم بما كانت ستكون عليه كرة القدم في أوروبا لو استمر الاتحاد السوفييتي، رُبما لم يكن ليكتفي بمركزية الفرق بل قام بتأميم لاعبين، إلا أن الأكيد أن شكل المنتخب كان سيكون أقوى وأقدر على المنافسة.