10-يناير-2017

إحدى جلسات البرلمان المصري (وكالات)

صدّعنا الإخوة مناصرو النظام المصري، ومن والاهم من المواطنين الشرفاء، بخطابات مُضخّمة عن أهمية أول برلمان مصري بعد "ثورة 30 يونيو"، حتى كاد المرء أن يصدّق فعلًا أن هذا البرلمان ممكن أن يكون له أهمية إضافية غير كونه أداة سياسية لتمرير ما يريد نظام السيسي تمريره من قوانين وإجراءات. 

وبمناسبة مرور عام بالتمام والكمال على بدء أعمال هذا البرلمان (عُقدت جلسته الأولى في 10 كانون الثاني/يناير 2016)، ربما يكون مناسبًا لفت الانتباه إلى ما يتفرّد به البرلمان المصري عن سائر برلمانات الدول المحترمة، التي غالبًا لا تسمع شعوبها رئيسها يُحدّثها عن اليد التي تحنو عليهم وترفق بهم وتحميهم من الأشرار المتربّصين ببلدهم وكأن لا شغلة ولا مشغلة لديهم سوى تدبير المؤامرات لإفساد بلدهم.

يُفترض بالبرلمان العمل على تفعيل حرية الحصول على المعلومات وإتاحتها

من المفيد، بعد 365 يومًا من ابتلائنا بهؤلاء "النوّاب"، أن نرى إلى أي مدى تناسبت أجندة البرلمان التشريعية والرقابية مع الأجندة الوطنية التي يُفترض بها تحقيق آمال وطموحات المصريين من تنمية اقتصادية وعدالة اجتماعية. 

هذا البرلمان الذي يتناسب تمامًا مع حالة "الموات السياسي" التي تعيشها مصر حاليًا، هل نوّابه هم ضمير الأمة فعلًا؟ هل نوّابه هم حماة استقلال الوطن ووحدته فعلًا؟ لا أريد إنهاك نفسي بالحديث عن غياب أي دور رقابي للبرلمان في متابعة أداء الحكومة، فهذا الشأن شجونه عظيمة وربما يجلب الخوض فيه كركبة في المعدة وأرق مزمن، وسأكتفي بتأطير ذلك التصريح الغريب والتاريخي لرئيس البرلمان المصري علي عبد العال بمناسبة الاحتفال بمرور 150 عامًا على بدء الحياة النيابية والبرلمانية في مصر، إذ يقول: "مجلس النواب هو من منح الثقة للحكومة بناء على برنامجها، وبالتالي عليه أن يساعدها في تطبيق هذا البرنامج بإقرار التشريعات التي تعينها في تلك المهمة".

اقرأ/ي أيضًا: مصر.. رئيس البرلمان ينتقم من الصحافة

أوكي، سنترك هذا جانبًا، ولكن ماذا عن دور البرلمان في "التعاون مع الحكومة" لتنفيذ خطط التنمية الاقتصادية والاجتماعية؟ هل هناك أية آليات لدى برلمان السيسي-عبد العال لتفعيل برامج "الإصلاح الاقتصادي" المزعوم؟ هل هناك أية آليات أصلًا لهذا البرلمان سوى الموافقة الكاملة والمجانية على كل ما يقوله الرئيس، وكل ما يريده الرئيس؟ تعالوا نعدّد بعضًا من المفترضات التي كان يجدر بالبرلمان المصري أن يضعها في اعتباره، ولا أقول الالتزام بها، فنحن بعيدين جدًا عن الأمل في تحقق مثل تلك الأمور:

أولًا، يُفترض بالبرلمان التعاون مع الحكومة لإزالة أي تناقض محتمل بين الأهداف الاجتماعية وخطط النمو الاقتصادي، وذلك عن طريق السعي لتكوين شراكة مجتمعية وسياسية بين الحكومة والأحزاب والبرلمان ومؤسسات المجتمع المدني ومجتمع رجال الأعمال، بما يؤدي إلى خلق حالة من الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي.

ثانيًا، يُفترض دعم النواب البرلمانيين بما تيسّر من بيانات وموارد بشرية وتكنولوجية يحتاجونها لإعداد رؤاهم وتصوراتهم المستقلة والمتفرّدة، بما يمكّنهم من إنجاز الدور المنوط بهم في أداء الوظائف التشريعية والرقابية وكذلك ربط الإصلاح الاقتصادي بالمسؤولية الاجتماعية التي تتحملها الدولة تجاه مواطنيها.

ثالثًا، يُفترض بالبرلمان العمل على تفعيل حرية الحصول على المعلومات وإتاحتها، وذلك من خلال التعاون مع منظمات المجتمع المدني ومراكز الأبحاث ومؤسسات الإعلام، ويتضمن ذلك مبادرة البرلمان نفسه بتقديم عرض معلوماتي شامل ونزيه لما أنجزه من تشريعات وتحديثات مرتبطة بالشأن العام، مما يخلق حالة من الحوار المجتمعي حول القضايا العامة بما يخدم المصلحة العامة في النهاية، وهو ما يستلزم بالضرورة إعلام النواب البرلمانيون ناخبيهم، كل في دائرته، بخطط التنمية الاقتصادية والاجتماعية.

يُفترض بالبرلمان الوقوف على تجارب البرلمانات الأخرى في دول العالم المتقدمة والاستفادة من خبراتها

رابعًا، يُفترض الاستعانة بمنظمات المجتمع المدني في عملية التشريع وإصدار القوانين الجديدة والاستفادة من خبراتهم ورؤاهم المجتمعية، خاصة عند مناقشة القضايا ومشروعات القوانين التي تتصل مباشرة بمصالح المواطنين وما يتبعها من بحث طرق لمعالجة آثار سياسات التنمية الاقتصادية على كافة قطاعات الشعب المصري.

اقرأ/ي أيضًا: البرلمان المصري..ظل هزيل للسلطة

خامسًا، يُفترض وجود خطة عمل متكاملة، تشمل تدريب البرلمانيين الجدد وتأهليهم لأداء وظائفهم التشريعية والرقابية والمالية، وكذلك تدريب العاملين بالأمانة العامة لمجلس النواب على أداء وظائفهم ومساعدة النواب واللجان البرلمانية على تحقيق الأداء الأمثل، وكذلك تدشين قاعدة بيانات إلكترونية تتيح لنواب البرلمان والصحفيين والمهتمين بالشأن العام الاطلاع على القوانين التي تم إقرارها ومشروعات القوانين المزمع مناقشتها والوقوف على طبيعة تفاعل نواب البرلمان مع وظائفهم المنوطة بهم.

سادسًا، يُفترض بالبرلمان الوقوف على تجارب البرلمانات الأخرى في دول العالم المتقدمة والاستفادة من خبراتها في تطوير الأداء البرلماني والوصول إلى الأداء الأمثل.

سابعًا، يُفترض بالبرلمان العمل الجاد على مكافحة الفساد، وذلك من خلال زيادة الوعي العام بضرورة محاربة الفساد لتأثيراته السلبية على توافر الموارد اللازمة لتحقيق التنمية الاجتماعية، وكذلك بإبعاد أي نائب برلماني تلاحقه تهم الفساد والسرقة.



اقرأ/ي أيضًا:

 

البرلمان المصري: نجيب محفوظ خادش للحياء أيضًا!

مصر.. قانون جديد للقضاء على المجتمع المدني