09-مارس-2018

سباستيان ليليو متوجًّا

حين توِّج السينمائي التشيلي سباستيان ليليو بجائزة أوسكار لأفضل فيلم أجنبي عن فيلمه "امرأة رائعة"، حظي بعدها بأيام قليلة باستقبال حافل من الرئيسة التشيلية ميشيل باتشيليت في القصر الرئاسي للاحتفال مع فريق الفيلم بفوزه، ولتسريع عملية إقرار مشروع قانون يعطي المتحولين جنسيًا الحق في تغيير اسمهم وجنسهم بشكل قانوني وإثباتهما على هوياتهم الشخصية.

تحملنا حكاية "امرأة رائعة" إلى قضية حقوق المتحولين جنسيًا في بلد لا يزال يعاني آثار دكتاتورية عسكرية أودت بكثير من قيم احترام الاختلاف والتعايش المشترك، من خلال شخصيته الرئيسية، مارينا (دانييلا فيغا)، التي تعيش حياة سعيدة يدفئها حب شريكها أورلاندو (فرانسيسكو رييس) رجل الأعمال الذي يكبرها بحوالي 20 عامًا. لكن عندما يداهمها موته المفاجئ نتيجة أزمة قلبية، سيكون عليها خوض نضالات بمواجهة أفراد عائلته الذين يدفعهم التعصب ورهاب المثلية لحرمانها من فرصة حضور جنازته ممعنين في إذلالها وتلويث ذكرى العلاقة بينهما.

القضية أن مارينا امرأة متحولة جنسيًا، بما يجعلها هدفًا مجانيًا للإذلال والإهانة من قبل أفراد عائلة حبيبها الفقيد، كما من أفراد الشرطة والمحققين. دراما فيلم سباستيان ليليو تتابع عن كثب مارينا في صراعها مع أحزان ومرارة الفقد، وحرمانها من توديع حبيبها للمرة الأخيرة، ونضالها من أجل الاعتراف بحبها وكينونتها في مواجهة مجتمع يحمل أقصى التحاملات ضد المتحولين جنسيًا. مثلما فعل في فيلمه السابق "غلوريا"، يقدّم ليليو في فيلمه المتوّج بورتريهًا مؤثرًا لا تنقصه العاطفية لشخصية نسائية غير تقليدية تتحدّى توقعات مَن حولها ومعاييرهم الاجتماعية، مستعينًا بممثلة متحولة جنسيًا تقدّم أداءً باهرًا في أول أدوارها الكبيرة أمام الكاميرا، ومطعّمًا فيلمه بمزيج من الأنواع السينمائية تضفي أبعادًا أخرى إلى حكايته وتبعده بأشواط كبيرة عن بيدرو ألمودوفار، السينمائي الأسباني الذي حضر اسمه مؤخرًا في كثير من المقارنات مع ليليو.

"ألترا صوت" سأل سباستيان ليليو عن فيلمه وبطلته، فكان الحوار التالي.


  • ما الذي جذبك إلى مقاربة قضايا المتحولين جنسيًا؟

لأنها تبدو مثيرة وحيوية للغاية، وتحمل بعض الخطورة أيضًا، كما تتصل أصداؤها بالمشهد السياسي الأوسع. بلد مثل تشيلي لديه تاريخ سياسي حزين، وتاريخ نضالي يبهرك قدرته على لملمة نفسه في كل مرة للتصدي لاستبداد السلطات المتعاقبة. نحن نتحدث دائمًا عن الحدود، ونعيش صراعًا مع تلك الأسئلة حول المكان الصحيح لوضع الخط الفاصل. مَن الذي يحدد مشروعية أو أفضلية مجموعة من البشر على غيرها، أو علاقة إنسانية بين شخصين دون غيرها؟ هل نحن مستمرون في السماح للمجتمع بتصنيف الناس والفصل بينهم وبناء الجدران؟ أم أننا على استعداد للتعلّم من بعضنا البعض وأن يأخذ واحدنا بيد الآخر؟ هذه هي الأسئلة التي يتناولها الفيلم، والتي آمل أن تعطيه سمة الإلحاح الطارئ، بما أننا نتحدث عن مسألة تحدث هنا والآن.

 سباستيان ليليو: أنا مندهش من أولئك الناس الذين يعتقدون بإمكانهم تقرير ما يستحق وما هو غير ذلك

  • دانييلا فيغا اكتشاف مذهل. كيف عثرت عليها، وإلى أى مدى ساهمت في تطوير شخصية مارينا كما ظهرت في الفيلم؟

في البداية كنت أبحث عن مستشار للفيلم. كانت لدى فكرة عامة عن الفيلم، لكن لم أعرف أي امرأة تشيلية متحولة جنسيًا. أعيش بين برلين وسانتياغو (عاصمة تشيلي)، لذا أشعر قليلًا بأنني منفصل عما يحدث في سانتياغو. جاء لقائي الأول مع دانييلا فيغا ليكتب مسار الفيلم الحقيقي. كانت مثيرة للإعجاب بشكل مدهش، تطرح أفكارًا حادة ورشيقة ومعقدة. قبلتْ دانييلا فيغا الدور الاستشاري، لذلك واظبنا على الاجتماع سويًا، وبدأ السيناريو في استيعاب الكثير مما تحدثنا عنه، ليس التفاصيل البيوغرافية ولكن عناصر من تجربتها الشخصية. في نهاية هذه العملية، فهمت أنه لا يمكنني إنجاز الفيلم بدون ممثلة متحولة جنسيًا تضطلع بالدور الرئيسي، ولم يكن هناك أفضل منها لتأدية الدور.

اقرأ/ي أيضًا: الفيلم الروماني "لا تلمسني" يحصد الدب الذهبي في مهرجان برلين

  • في فيلمك السابق "غلوريا"، يمكن وصف الشخصية الرئيسية التي يحمل الفيلم اسمها بـ"المضطربة"، بينما مارينا بطلة "امرأة رائعة" شخصية إيجابية بشكل واضح. هل تسعى لخلق أيقونة سينمائية معاصرة؟

أعتقد أن مارينا تمثل رمزًا لما يحدث في المجتمع التشيلي وفي العالم كله. أردت استكشاف المدى الذي يمكن لحدود تعاطفنا بلوغه، ولماذا يبدو أن هناك علاقات حب أكثر شرعية وقبولًا من أخرى. هناك أناس يعتقدون أن لديهم الحق في الحكم على الآخرين، وتحديد ما هو الصحيح وما هو الخطأ. أنا مندهش من أولئك الناس الذين يعتقدون بإمكانهم تقرير ما يستحق وما هو غير ذلك. هذا يحدث في العالم كله بشكل متزايد، فنحن نرى ذلك مع ترامب، ومع خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، ومع الطريقة التي تتصرف بها أوروبا تجاه اللاجئين. يبدو التعاطف مع الآخرين وفهمهم مسألة تتزايد صعوبتها كل يوم. علينا أن نسأل أنفسنا إذا كنا نريد عالمًا يحتضن الاختلاف أم سنتجه إلى تصنيف كل شيء. بصفتنا مجتمعًا إنسانيًا، نحن في مفترق طرق تطوري هائل، في مرحلة التخطيط لتكسير الجدران التي تفصلنا، لتعلم العيش معًا. جزء من هذا التحدي هو اعترافنا بإفلاس التسميات والتصنيفات الحالية.

دانييلا فيغا في مشهد من الفيلم

  • تمثل مارينا نوعًا من ثورة صامتة بإطلاقها العنان لإثارة فوضى صغيرة عبر حركتها كفرد وحيد في مواجهة وسط اجتماعي متحامل

الأمر الأكثر إثارة للاهتمام هو أن الشخصيات الأخرى لا تكشف شيئًا عن مارينا، بل تقول كل شيء عن نفسها أثناء تعبيرها عن رد فعلها. اللعبة الثلاثية التي يقترحها الفيلم هي بين مارينا، والشخصيات الثانوية، والمتفرج، وعلى الأخير تقييم ما يراه على الشاشة. إنه الفيلم نفسه ما ينظر إلى المتفرج مستجوبًا إياه عن موقفه، وهو بهذا لا يدّعي تقديم درس أخلاقي ولكن يدعوه إلى رحلة تحدّي صعبة يقوم بها وهو جالس في مكانه الهادئ في صالة السينما، ليكتشف بنفسه إلى أي مدى يمكن أن يتورّط ويتعاطف مع الحكاية وتطوراتها.

  • على طول الفيلم، لا تفقد مارينا أعصابها ولا تسمح بأن يجنح بها الغضب إلى القيام بتصرفات عنيفة، هل هذا ما يجعلها رائعة؟

حسنًا، هذا فيلم. في الحياة الحقيقية ربما لن يكون لدي الكثير لأتجادل بشأنه. ما أردته هو تغيير الطريقة التي تُقال بها تلك القصص عادة. اعتدنا على مشاهدة أفلام مصورة بردءاة وتحمل خطابًا عصبيًا أو عدوانيًا عندما يتعلق الأمر بمسائل المتحولين جنسيًا. هنا، أنا أصور مارينا بكل ما في داخلي من حب، كما لو كانت نجمة هوليوودية. أخذت الشخصية المنبوذة مجتمعيًا ووضعتها في المركز، كي أكتب لها رسالة حب، أكتبها عبر إنجاز فيلم جميل ومتوهج بألوانه.

 سباستيان ليليو: حقيقة أن بطلة الفيلم هي أيضًا من المتحولين جنسيًا يعطي الكثير من القوة للفيلم

  • على أي حال، نحن في وقت حيث يتحدث المتحولون جنسيًا أكثر من أي وقت مضى.

لقد رأينا ترامب يمنعهم من دخول الجيش الأمريكي، لذلك هناك خطوة واحدة إلى الأمام وأخرى إلى الوراء. عندما كتبت السيناريو مع غونزالو (ميزا) لم يكن الموضوع مُثارًا أو مركز اهتمام كبير، لكن بعد ذلك بدأوا في احتلال كل تلك المساحات على صفحات المجلات وأغلفتها كما نرى حاليًا. ربما كان الإنترنت هو ما أخرجهم إلى النور، عبر إعطائهم فرصة أكبر للتعبير عن أنفسهم دون الحاجة للمرور بفلاتر الميديا ومتطلباتها. قالوا لي: "لا تقدّمنا كأننا شخصيات غريبة الأطوار (freaks)". على أي حال، كان من نصيبي العمل مع دانييلا فيغا التي أدين لها بتعريفي الكثير عن قضيتهم، لقد علّمتني كل شيء. حقيقة أن بطلة الفيلم هي أيضًا من المتحولين جنسيًا يعطي الكثير من القوة للفيلم.

اقرأ/ي أيضًا: فيلم "غياب الحب".. صبي مفقود في عالم مسموم

هذه الافلام كانت بمثابة نجاحات صغيرة تحدث في الخفاء. "غلوريا" غيّر كل شيء، لأنه حصل على نصيبه الوافر من التجوال على المهرجانات السينمائية وشوهد في الكثير من البلدان. كان شيئًا غير متوقع بالمرة. في فيلم "امرأة رائعة" ثمة تركيز على الثيمة النسائية، لكنه في نفس الوقت مختلف كثيرًا عن "غلوريا" في تعدد التأثيرات والعناصر السينمائية المكونة له. الفيلم حول امرأة متحولة جنسياً، ولكنها أيضاً عابرة للتعريفات الجنسية لأنها لا تريد حصرها وتعريفها بطريقة واحدة وحيدة. فيلم "امرأة رائعة" تجربة سينمائية أكثر تعقيدًا من "غلوريا"، حيث يزور أنواعًا سينمائية مختلفة، فهو يحتوي بعضًا من الكوميديا، ولديه صلات واضحة مع سينما الإثارة ومطاردات الشرطة، وسينما الإهانة والانتقام، والسينما النسوية، والفانتازيا، وحتى مع الأفلام الموسيقية.

 

اقرأ/ي أيضًا:

جوائز سيزار 2018.. الانحياز للقضايا الإنسانية

كولين فاريل: الحياة البشرية ساحرة بكلّ مآسيها وأمجادها!