14-مايو-2016

الجنود الفرنسيون يدخلون إلى لبنان (Getty)

مائة عام على اتفاقية سايكس بيكو التي قسمت العالم بين القوى الكبرى، وجاءت تتويجًا لإرث الاستعمار القديم الفرنسي البريطاني الروسي. حينها لم يكن للغول الأمريكي الصاعد شيئًا من قسمة الكعكة العالمية. كان عليه أن ينتظر عقدًا ونصف العقد من الزمن كي تدخل أوروبا في التيه، لتنهك بين براثن الفاشية والنازية، وأنياب العنصرية والدكتاتورية، حيث سيفرش هتلر السجادة "الحمراء الدموية" أمام تنصيب الولايات المتحدة قطبًا صاعدًا سيتفرد في حكم العالم بعد القضاء على الاتحاد السوفيتي.

من غير المعروف كثيرًا أن عراب اتفاقية سايكس-بيكو الاستعمارية هو روسيا القيصرية

قبل قرن، تم تسريب نص اتفاقية سايكس-بيكو لتقسيم سوريا الكبرى والجزيرة العربية بين بريطانيا وفرنسا، وقتها تسبب التسريب بإحراج شديد لفرنسا وبريطانيا، وتم استيعابه بصعوبة بالغة على مدى سنوات، لكن وكون الجائزة كبيرة وتتعلق باستثمار المنطقة وخيراتها وشعوبها، فإن الأمر يستحق أن تدوس بريطانيا وفرنسا على شرفهما الإنساني مقابل السيطرة والثروة، بالطبع يجهل كثير من الناس أن الطرف السري الذي كان عراب الاتفاقية هو روسيا القيصرية.

اقرأ/ي أيضًا: سجّل أنا متطوّع

لا يمكن لمن يعيد ترتيب الأحداث التي أدت إلى صعود "المارد الأمريكي" الذي استفرد بأوروبا التي أنهكت ودمرت بين اتفاقية سايكس-بيكو، وحتى الحرب العالمية الثانية باتفاقيات أدت إلى خصائها. فهذه الحرب أجهزت على قوة القارة العجوز المدنية والبشرية والعسكرية والاقتصادية، لا بل إن الدمار أجهز على 90% من ألمانيا العصب الاقتصادي الأوروبي وماكينتها الصناعية، فعدا عن سحب خيرة علمائها وفرض شروط قاتلة أمام صناعتها العسكرية، انشغلت على مدى عقود طويلة في إعادة إعمار ما هدمه زلزال الحرب.

قبيل دخول أوروبا إلى النصف الثاني من القرن العشرين، كانت أمريكا تخشى من المد الاستعماري الأوروبي، وهو ما تجلى واضحًا في مبدأ مونرو الذي أعلنه الرئيس الأمريكي جيمس مونرو سنة 1823، الذي نص على ضرورة "عدم مد الدول الأوروبية نفوذها الاستعماري نحو أمريكا، مقابل التزام الولايات المتحدة من جانبها بعدم التدخل في المشكلات أو العلاقات الأوروبية". وهو ما ألغاه في العام 1913 الرئيس الأمريكي وودرو ويلسون، أي بعد قرابة قرن من الزمن، استطاعت فيه أمريكا أن تقوي نفسها لصد هذا المد، دون اتفاقيات، وصولًا إلى الانخراط مباشرة في الصراع مع وصول الرئيس الأمريكي روزفلت، صاحب السياسة التي تقول بأن "أمريكا ستنتهج خطًا عسكريًا مؤثرًا في الأحداث الدولية وتهدد أمن كل من يقف أمام المصالح الأمريكية".

قبيل دخول أوروبا إلى النصف الثاني من القرن العشرين، كانت أمريكا تخشى من المد الاستعماري الأوروبي

لكن كل ذلك لم يكن ليحدث لولا الشخص الذي قاد مشروع تدمير أوروبا لتتزعم "أمريكا" العالم، هذا الشخص كان اسمه أدولف هتلر، الذي تدين له أمريكا بكل مجدها اليوم، وستبقى مدينة له ما ظلت باقية.

اقرأ/ي أيضًا: العراق.. حقوق الإنسان في قائمة المفقودات

لا ننسى أن ألمانيا وبعد الحرب العالمية الأولى التي غيرت خارطتها، خسرت هيبتها وقوتها الاقتصادية، وفرضت شروطًا مجحفة عليها دفعت بسببها تعويضات كبيرة للحلفاء، ورضيت صاغرة أن تقبل بشرط يكبل صناعتها العسكرية ويكبل جيشها الذي كان يجب ألا يزيد عن 100 ألف جندي، هذه كانت الضربة الأولى لها كقوة صاعدة في ذلك التاريخ، قوة تنافس صعود الولايات المتحدة ذاتها التي تربض متربصة على الجانب الآخر من العالم في انتظار لحظتها التاريخية لإعلان نفسها سيدة على العالم، وفعلًا جاءت الحرب العالمية الثانية لتجهز على آخر أمل أمام أوروبا "الاستعمارية"، والفضل في ذلك طبعًا لـهتلر الذي بنى سلطته على فكرة عنصرية على جنين سيولد حتمًا ميتًا.

بعد الصعود الأمريكي المدوي كانفجار قنبلتها النووية، ظلت أمريكا تسير رغم كل سياساتها المتحكمة بالعالم ضمن الخريطة التي وضعها "الاستعمار القديم"، وانتظر قرابة القرن من الزمن وهي تتلاعب بالسياسات الدولية، وصولًا للحظة التي عليها فيها تغيير خارطة العالم ذاتها، وهي لسوء حظنا الوجودي ما نعيش فصوله الدموية اليوم، ولسخرية التاريخ منا فإن العرّاب السري أيضًا اليوم، الذي يساند أمريكا بوجهها الاستعماري الحديث في رسم خارطتها الدموية، هو ذاته "العراب الروسي" الذي كان عراب اتفاقية "الاستعمار القديم" المسماة سايكس-بيكو.

العالم اليوم يحتفل بالذكرى المئوية لاتفاقية سايكس بيكو، العالم اليوم يشيعها إلى مثواها الأخير، ومن ستيقبل التعازي هو بلا أدنى شك الرئيس الأمريكي باراك أوباما، كممثل معاصر اليوم للهيمنة الأمريكية والرئيس الروسي فلاديمير بوتين بصفته "الظل" لأي استعمار نهض، أو ناهض اليوم، أو سينهض غدًا. 

اقرأ/ي أيضًا:

بيروت مدينة من؟

من يجهض السياحة في الجزائر؟