03-يناير-2023
الشاعر الفرنسي سان جون بيرس

الشاعر الفرنسي سان جون بيرس

سان جون بيرس (1887 - 1975) شاعر ودبلوماسي فرنسي. حصل على جائزة نوبل للأدب عام 1960. خلّف تراثًا شعريًا كبيرًا يزخر بالصور الخلابة الساخرة والغامضة في آن. من أعماله "منارات" و"آناباز".


رجل آخر ينهض في الريح. كلمة موجزة كانفجار عظمة.

القدم متأهبة على زاوية انطلاقها.

"آه! أجل، كل الأشياء مفضوضة! فليعلن ذلك على الملأ!

في الأحياء السفلى خصوصًا – فالأمر بالغ الأهمية.

وأنتم ماذا ستفعلون، أيها الرجال الجدد، ضفائر ثقيلة محلولة على جبهة الساعة المطلّقة.

الذين كانوا يحلمون الأحلام في الغرف ناموا مساء أمس في الجانب الآخر من القرن مواجهة الأقمار النقيضة.

آخرون شربوا الخمرة الجديدة في الينابيع المطلية بالزِنجفَر.

ونحن من هؤلاء. والحزن الذي يتولد فينا يذهب إلى خمر الرجال الجديدة

كما في أعياد الريح.

انتهى الحلم الذي فيه ينبهر انتظار الحالم.

خلاصنا في العجلة وفي الإلغاء. نفاد الصبر في كل الأمكنة.

ومن فوق كتف الحالم تهمة الحلم والجمود.

فليبحث عنا الرجال ذوو السلطة الكبيرة، فليبحثوا عنا على التخوم.

هؤلاء الرجال الذين حولتهم البطالة إلى مهنة السَحَرة.

الرجال الفجائيون، الرجال المتحدّرون من الآلة.

الرجال المغتذون خمرةً جديدة وكأنما اخترقتهم البروق.

علينا أن نتوجه في شكل أفضل لقوّتهم ولعيونهم المحجبّة.

خلاصنا معهم في الحكمة وفي التطرف".

والحزن الذي يتولد فينا يذهب من جديد إلى خمرة الرجال!

نرفع وجهًا جديدًا! المتعاقدون والشهود يتعاهدون على أجران

المعمودية.

وإذا قام رجل بيننا وتنكّر لوجهه الإنساني فلنمسك بوجهه بالقوة ونرفعه في الريح!

الآلهة التي تمشي في الريح لا ترفع السوط عبثًا.

كانت تقول لنا – هل ستقول لكم – أن مئة سيف جديد يُصقل على حدّ الساعة.

سيشحذون أيضًا لنا الفعل، في ولادته، كانفجار الصوان أو كحجر السبج على حدّ السهام.

"أيتها الآلهة المؤاتية في تفتّح الأحلام، لست أنت من أسائل، وإنما محرضات الفعل الملتهبة والقصيرة الأثواب.

نطوّر أعمالنا أفضل بالعنف والتعصب.

حالة الأموات ليست مطلقًا من همومنا، وكذلك حالة المفلس.

التطرُّف عقيدتنا، وحدة الدم هناؤنا.

وكتب كبيرة تحمل أفكار الريح، أين تراها إذًا! سنجعل منها مرعى لنا.

قانوننا التعصّب، الانشقاق تقليدنا. وليس عندنا، أيتها الآلهة، سوى الشقاق بيننا".

مطالبنا كانت متطرفة، على حدود الإنساني.

اصفروا، أيها المفلسون!

الرياح قوية! وهذا هو امتيازنا.

ننتفض مع هذه الصرخة العظيمة التي يطلقها الإنسان في الريح،

ونتقدم، رجالًا أحياء، لنطالب بمقدم ميراثنا.

فلينتفضوا معنا في كل الأمكنة!

فلنعط، أيها الأحياء ما نستحق من حقنا كاملًا.

*

 

ها! أجل، كل الأشياء مفضوضة!

ها! أجل، كل الأشياء ممزقة! والعالم الذي يمضي، والجناح عاليًا!

إنه طيران التبن والريش! نداوة زبد وخشف في صعود العلامات!

والمدينة المنخفضة نحو البحر في اضطراب الأوراق البيضاء: نشرات ونورس في طيران واحد.

نفاد الصبر ما يزال يحيط من كل الجهات: والرجل الغريب، في كل ناحية يرفع رأسه لكل ذلك: الرجل بالمحراث على الأرض السوداء، الفارس في بلاد عالية في مديخيات السماء الوائطة، ورجل البحر على مرمى المضائق البحرية، في انفجار أعلى أشرعته.

الفيلسوف البابوفي يخرج مكشوف الرأس أمام بابه. ويرى المدينة، وقد خربت ثلاث مرّات، بعلامة البرق، والمدينة ثلاث مرات، تحت الصاعقة، كما في لمعان السيوف، مضيئة في مناجم فحمها الحجري وفي منشآتها المينائية الكبيرة – جلجلة من القذارة والحديد، تحت شجرة السماء الكبيرة المسمومة، حاملًا صولجانًا من الأغصان كرنّة عجوز من حكايات الساغا:

"أنت يا من غسلته العاصفة"... نداوة ورهن نداوة...

مستعيدةً الآلهة وجهك، ونار المصاهر وهجك،

ها أنت تسكن في هذه الناحية من العصر حيث كانت لك دعوة.

عصر وادع، تحت البرق، هذا العصر الذي ينطفىء هنا!

العجلة! العجلة! يا كلمة الأحياء! أجدادك ربما على محفات سيكونون معك!

أو لا ترى، فجأة، أن كل شيء يأتينا مدمرًا – كل الصواري وكل شيء، عدة السفينة وعارضات الصواري، وكل الشراع حتى وجهنا ذاته – كرقعة عظيمة من الإيمان الميت، كرقعة عظيمة من ثوب باطل وغشاء مزيّف.

وكم آن الوقت أخيرًا لسحب الفأس على الجسر؟!

إزالة الأسوار، النصب! بذار ولحى العشب الجديد! وعلى دائرة الأرض الواسعة، سكينة في قلب الكشاف.

الاجتياحات المذهبية الكبرى لن تفاجئنا، تلك التي تثبت الشعوب على زاويتها كقشرة الأرض.

العجلة! العجلة! الزاوية تنمو! وفي تهليل الأشياء التي تنمو أوليس هناك بالنسبة الينا نبرة ترنُّمٍ جديد؟

نحن سنرصدك أيها السورنجان الذهبي! كنشيد بوق التوبا في ارتفاع الآلات النافخة.

وإذا آثر الانسان الموهوب مسكبة الورد أو البيان القيثاري، فستنهشه الكلاب.

*

 

في مأدبة أراغن الآلام، تهلّل، يا سيد الغناء!

وأنت، أيها الشاعر، يا متهمًا غائبًا وأربع مرات، مرتدًا، الوجه لا يزال في الريح، غنِّ على ألحان إعصار التيفون القدسية،

أنت يا ضفافًا مستقبلية، أنت يا من تعرفين أين تستيقظ أفعالنا، وفي أي أجساد جديدة تنهض آلهتنا، احتفظي لنا بسرير نقي من كل ضعف.

الرياح قوية! الرياح قوية! اصغِ إلى العاصفة تحرث في رخام المساء.

وأنت أيتها الرغبة، التي سوف تغني – تحت تمطِّي الضحكة ونهشة اللذة، قيسي من جديد الفضاء المخصص لغزو الغناء.

استحقاقات النفس على الجسد كثيرة، فلتستّلدنا! ولتحملنا حركة قوية جدًا إلى حدودنا، وإلى أبعد من حدودنا!

إزالة الأسوار، النصب، السكينة في قلب الكشاف.

وعلى دائرة الأرض الواسعة، صرخة واحدة يطلقها البشر في الريح، كأغنية على عزف التوبا. والقلق من جديد يحيط من كل الجهات يا عالم الأشياء الشامل.

*

 

متذمرةٌ في البحار تحت تمتطي المساء

كتوجع حيوانات باهظة مخنوقة بحليبها.

متمتمة السواحل، بين العشب المحبّب، وكل هذه الحركة العظيمة للبشر نحو الفعل.

وعلى إمبراطورية الأحياء الواسعة، بين عشب الرمال، هذه الحركة الأخرى أوسع من عمرنا!

حتى هذه النقطة من الابتعاد والصمت حيث يضع الزمن عشه في خوذة حديدية – وثلاث أوراق ضائعة حول عظُيمة ملكة ميتة تدور دورتها الأخيرة.

حتى هذه النقطة من المياه الراكدة والنسيان في مكان هو ملجأ وعنبر، حيث المحيط الصافي يُلمِّع عشبه الذهبي بين الزيوت المقدسة – والشاعر يركز بصره على أكثر الأشنات صفاءً.