09-فبراير-2018

سامح درويش

حين أصدر الكاتب المغربي سامح درويش (1957) مجموعته القصصية "هباء خاص" عام 1999، وروايته "ألواح خنساسًا" عام 2004، حازت على جائزة "ناجي نعمان"، أعطى أكثر من إشارة على نفس سردي قادم من الشّرق المغربي ليقول العالم بلغة ومعمار مختلفين. لكنّه سرعان ما كسر أفق الاحتمال بإعلان ولائه لحساسية شعرية قادمة من الشّرق الأقصى، الهايكو الياباني، وراح يحقّق فيها فتوحاتٍ جماليةً لافتةً للانتباه.

تحوّل الهايكو إلى رؤية إلى الوجود لدى سامح درويش، فلم يعد يكتفي بكتابته، بل بات يعيشه أيضًا

أكّد ذلك من خلال تجربة "خنافس مضيئة" عام 2015، و"100 هايكو" في العام نفسه، و"100 هايكو وهايكو" المترجمة إلى الفرنسية والإنجليزية واليابانية، بالاشتراك مع العراقي عبد الكريم كاصد عام 2017، و"ما أكثرني مع قطرات النّدى أتقاطر" قيد الطّبع.

اقرأ/ي أيضًا: قصيدة النثر في مواجهة التحالفات القديمة

لقد تحوّل الهايكو إلى رؤية إلى الوجود لدى سامح درويش، فلم يعد يكتفي بكتابته، بل بات يعيشه أيضًا. وهو ما دفعه عام 2016 إلى أن يصبح رئيسًا لـ"نادي الضّفادع" في مدينة وجدة. حيث يعمل على خلق اشتباكات جمالية بين الهايكو والفنون الأخرى.

 يقول سامح درويش لـ"الترا صوت" إنّه بالرغم من أن التنوع الذي يشهده المنجز الشعري العربي والعالمي اليوم، ليس سوى انعكاس للتوجهات الفكرية التي تتجاذب الكينونة الجمالية العربية والإنسانية، وبالرغم من أن الشاعر ليس محايدًا وسط هذا التجاذب، ومن أن الشكل الشعري يشكل في حد ذاته موقفًا مساندًا لمشروع مجتمعي في مواجهة مشروع أو مشاريع أخرى، فإنه ليس منشغلًا بالتمرّد على هذا القالب أو ذاك أو بخوض نزالات هامشية، بقدر ما هو منشغل أكثر بكيفية كتابة ما يُعبّر عنه.

إن الشّعر، يقول سامح درويش، هو أكبر من كلّ القوالب. فهو ارتياد مستمر لعوالم ومناطق عذراء في الذات الإنسانية، فقد وجدت نفسي أكتب "الهايكو" تلقائيًا، في سياق تجربة إبداعية متدرّجة، ليصبح الشّعر في نظري طريقة للاحتكاك بالكون والكائنات من حولي. إنّه التصوّر الجمالي الذي قادني إلى الهايكو، الذي  ظللت لفترة أكتب في مداره، وما ديواني "القهقهات" المنشور من طرف وزارة الثقافة المغربية سنة 2010 إلا  التجربة التي قرّبتني أكثر منه.

يعرف سامح درويش عميقًا أصول الهايكو وقواعده، كما وُضعت في السّياق الياباني على مدار خمسة قرون، "لكنني أتوق إلى جعله يمثل ثقافتي ورؤيتي الجمالية في تلاحم مع تجارب الهايكو في باقي شعريات ولغات العالم. هذا ما أصبو إليه، ويبقى الحكم للنقد الذي ينبغي أن يفحص تجربة  الهايكو العربي بأدوات تناسب هذا اللّون الشّعري".

"وإن كنا نلاحظ أن الهايكو قد أضحى يستقطب عددًا هائلًا من الأصوات الشّعرية، خاصّة منهم الأجيال الشّابّة التي عاشت إحباطات ما سمّي بالرّبيع العربي، فإن الأمر يبدو لي مؤشر سلامة شعرية وفنية، في أفق تجاوز تمجيد الذات بشكل كابح للإبداع وارتياد آفاق جديدة للتعامل مع مأزق الشعرية العربية، علمًا أن تاريخ الشعر هو تاريخ مآزق بامتياز، فقط ينبغي أن يظهر في مشهدنا النقدي جيل جديد من النقاد لتتبّع وتقويم ومواكبة ما يتمّ إنتاجه في هذا الصّدد".

سامح درويش: الشّعر هو أكبر من كلّ القوالب. فهو ارتياد مستمر لعوالم ومناطق عذراء في الذات الإنسانية

وعن تبيئة الهايكو بالمشهد الشعري العربي، فيرى سامح درويش استحالة الالتزام بالتقطيع الصوتي للهايكو الياباني الكلاسيكي، نظرًا للفوارق الموجودة في نطق اللغتين اليابانية والعربية، "إذ أن التقطيع العربي يقوم أساسًا على الحركة والسّكون، فيما يقوم التقطيع الياباني على أنفاس صوتية مغايرة، وما يسري على اللغة العربية يسري على عدد من لغات العالم التي يستحيل فيها الالتزام بتقطيع (5/7/5) المعروف في الهايكو الياباني الكلاسيكي. أضف إلى ذلك ما يمكن أن تحمله اللغة العربية إلى الهايكو من نفحة غنائية وجرعة إضافية من المجاز الذي يُعتبر ممجوجًا في الهايكو".  

اقرأ/ي أيضًا: الشعر الميّت على فيسبوك

في خضمّ الحوار والمناقشات التي خاضها سامح درويش في عدد من الصّفحات المهتمّة بشعر الهايكو، سبق له أن عبّر عن رأيه في عدد من القضايا الفنية والجمالية المرتبطة بالتأسيس لهايكو عربي ينضح بفرادته ومميزاته، ومن بين هذه القضايا ضرورة توفير جرعة محدّدة من المجاز في الهايكو العربي، " قد تزيد قليلًا عمّا هو موجود في شعريات الهايكو الأخرى، نظرًا لما يحتلّه المجاز في الذّائقة العربية، إذ الأمر يشبه إلى حدّ بعيد مقادير استعمال البهارات في الطعام. علمًا أن اللغة العربية تطفح بالمجاز حتي حين تستعمل في مجال العلوم البحتة".


عتبات هايكو

محْضُ نَزْوَة
بالثّلج يَنْحتُ الشّيْخُ 
غُرابًا أبْيضْ.

 

هذه الفراشة
ترفرف حولي أكثر فأكثر
ظننتني أكتم ناري.

 

الوقت يدهمني
من ساعة الحائط المعطّلة 
أحدس ذلك.

 

الليل

لا أحد يرى أثر الفحم

على يديه الآن.

 

اقرأ/ي أيضًا:

بيت الشّعر في المغرب.. الهايكو مغربي أيضًا

عباس كيارستمي.. ريح الشعر وأوراق السينما