07-ديسمبر-2018

ألبرتو بوري/ إيطاليا

لقد كنت في صغري أهتم بجمع الساعات. كثيرة هي أنواعها فثمة منها التي تعمل بواسطة حبات الرمل الدقيقة، ومنها التي تعمل بواسطة البطارية، ولكن أغربها تلك التي تعمل بواسطة نبضات قلب الإنسان.

تعرّفت على هذا النوع في الجبهة حيث كان يرتديها صديقي رضا، ذي الشعر الأشيب والجسد الهزيل كجسد السيّاب. كان رضا عاشقًا إلى حد الذوبان، وكان يضع صورة معشوقته في كل تفاصيل ما يرتديه، في بطانة خوذته، وفِي جيب بذلته الأمامي، أما رسائلها فإنه من فرط ما يكرر قراءتها فصار يحفظها عن ظهر قلب، بل يلحن ويغني بعضها أمام أصدقائه أحيانًا.

سألته مرة عن ساعته تلك وآلية عملها، وهل إذا توقف قلبه تتوقف هي الأخرى فأجابني "نعم"، وذكر لي كل التفاصيل مشيرًا إلى أنها تُخْبِرُ الناس عن الساعة والدقيقة التي مات فيها صاحبها. "إنها وفية يا صديقي".

ما زالَ صوتُهُ يَرِنُ في مَسْمَعي بنبرةِ الحزنِ الغريبة. وقفز الزمان شهرًا كاملًا: الموت كان حاضرًا وكانت الشظايا تملأ أرجاءَ كلّ شيء، تطايرت أشلاء بعض جندنا، وأزدحم المكان ثُمَّ أُتْخِمَ بالموت وهوَ يسلبُ الحياةَ مِنْ فضاءئنا.

لم تُخطئِ الشظايا وجه صاحبي رضا حتى أحالته الى ما يشبه المسخ. توقفت آلات الحرب عن العمل. جمعوا الجثث ومن بينها جثة صديقي الذي كان مجردًا من بعض أعضائه. وقفت واجمًا على جثته وصرت أنظر إلى معصمه وقد ذُهِلْتُ حينما رأيت ساعته وهي لم تَزَلْ تعمل، حينها أيقنت أن قلب العاشق لا يتعفن ولا تتوقفْ نبضاتُهُ، بل إنَّهُ كطائرٍ مهاجِرٍ لا يعرفُ السُبات. إنه يطير ويطير فحسب.

 

اقرأ/ي أيضًا:

نهاية الأيام

مصائر مبهمة