05-سبتمبر-2018

يمر العراق في مرحلة مصيرية (Getty)

يواجه العراق، البلد الذي لم يكد يخرج من سنوات حرب طاحنة ضد تنظيم الدولة الإسلامية - داعش، فترة عصيبة وحرجة، محاطًا بخطر محدق قد يحطم السلم الأهلي ويودي بالبلاد بأكملها إلى مصير مجهول.

انفجر الغضب الشعبي في البصرة ليخرجها عن سيطرة السلطات بعد أن رد المحتجون على عنف قوات الأمن بطردها 

فالصراع السياسي في بغداد بلغ ذروته بين الفرقاء، منبئًا بمواجهة مسلحة، فيما انفجر الغضب الشعبي في البصرة ليخرجها عن سيطرة السلطات بعد أن رد المحتجون على عنف قوات الأمن بطردها من أجزاء واسعة من المدينة.

تهديد للعبادي ورسالة إلى الصدر

ومع ترقب الأنظار أروقة المنطقة الخضراء في العاصمة بغداد، على أمل التوصل إلى اتفاق يفضي إلى تشكيل الحكومة الجديدة بعد فشل جلسة البرلمان الأولى، هددت ميليشيات في الحشد الشعبي، باستخدام "كل الوسائل المتاحة لها" ضد سياسيين بتهمة الاشتراك في "مؤامرة أمريكية"، بأوامر من مبعوث الرئيس الأمريكي بريت ماكغورك، ووزير الدولة السعودي لشؤون الخليج ثامر السبهان، لـ"تشكيل حكومة ضعيفة"، على حد وصف بيان صدر عن الميليشيا المقربة من إيران.

صدر البيان بتوقيع 11 من الميليشيات أبرزها منظمة بدر الجناح المسلح لزعيم تحالف الفتح، هادي العامري، المقرب من طهران وأحد المحورين المتنافسين على تشكيل الكتلة البرلمانية الأكبر، وعصائب أهل الحق التابعة لأهم أقطاب التحالف قيس الخزعلي، وكتائب حزب الله المقربة من الحرس الثوري، فضلًا عن مجموعات أخرى، وهدد أيضًا حكومة حيدر العبادي بـ"رد مناسب" على ما وصفه "محاولات النيل من مكانة المجاهدين عبر إجراءات عزلهم"، في إشارة إلى قرار عزل فالح الفياض رئيس هيئة الحشد السابق.

اقرأ/ي أيضًا: البصرة تزف شهيدًا جديدًا.. التصعيد وخيارات الضرورة

ورأى مراقبون ومتابعون في البيان تهديدًا مباشرًا للمحور الشيعي الذي تدعمه واشنطن لتشكيل الكتلة البرلمانية الأكبر، والذي أعلن جمع تواقيع 142 نائبًا حتى الآن بحسب وثيقة مسربة، ما عده آخرون رسالة إلى زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر، لحثه على التراجع عن موقفه المضاد لإيران. وهو ما يشير إليه البيان صراحة، إذ دعا الموقعون عليه، حزب الدعوة إلى "وضع" حد لتصرفات بعض قادته "الذين انغمسوا في المؤامرة"، في إشارة إلى العبادي، فيما دعوا الصدر إلى "وضع النقاط على الحروف وقول كلمة مدوية ضد المؤامرة الخبيثة"، على حد تعبيرهم.

وكانت قائمة "سائرون" التي يدعمها الصدر قد فازت بـ 54 مقعدًا في البرلمان الجديد في انتخابات شهدت مقاطعة شعبية واسعة، قبل أن يعلن الصدر رفضه التحالف مع الأطراف الشيعية المقربة من طهران، ويدعو إلى تشكيل تحالف "عابر للطائفية"، مستثمرًا السخط الشعبي على فشل الحكومات السابقة في إدارة البلاد.

جاء صعود تيار الصدر متزامنًا مع تجاذبات إقليمية، وموقف أمريكي يسعى إلى الضغط على إيران من خلال محاربة نفوذها في العراق، حيث لم تخف الإدارة الأمريكية رغبتها بتشكيل حكومة مناوئة لإيران تضمن تحقيق الضغط المطلوب على طهران، وحرمانها من أي دعم قد يطيل من صمود نظام المرشد الإيراني الأعلى علي خامنئي، في مواجهة العقوبات والإجراءات الأمريكية، على عكس الإدارات السابقة التي تعاملت بمرونة مع التواجد الإيراني في العراق.

نذر اقتتال وغليان شعبي

قد ينبئ هذا التصعيد بعد انسداد أفق الحوار بين المحورين الشيعيين المتنافسين على السلطة، بمواجهة مسلحة بينهما تهدد بانهيار السلم الأهلي والعملية السياسية برمتها. حيث كشفت مصادر خاصة لـ "ألترا صوت" عن توجيهات صدرت إلى "سرايا السلام"، الفصيل الشيعي الذي يقوده مقتدى الصدر، بـ"دخول حالة الإنذار القصوى تحسبًا لمواجهة محتملة ضد الفصائل المقربة من طهران".

ويأتي ذلك كله بالتزامن مع انفلات الأوضاع في البصرة، فبعد مقتل المتظاهر مكي الكعبي ليلة الإثنين، أخذت حركة الاحتجاجات في المدينة منحىً عنيفًا، حيث أحرق المحتجون مبنى الحكومة المحلية وحاصروا قائد العمليات الأمنية في المحافظة، وسط صدامات عنيفة مع قواته، مما أسفر عن سقوط قتلى بين صفوف المتظاهرين وعشرات الجرحى من الطرفين.

وعمدت السلطات من جانبها إلى فرض حظر للتجوال في محاولة يائسة للسيطرة على الأوضاع، لكن ذلك جاء بنتائج عكسية، حيث تصاعدت الأحداث لتصل إلى طرد القوات الأمنية من مناطق واسعة من المدينة تحت ضغط المتظاهرين والعشائر، بحسب ما أبلغت مصادر أمنية "ألترا صوت"، فيما أظهرت صور ومقاطع مصورة انسحاب وحدات من الجيش مخلفةً وراءها آليات عسكرية.

اقرأ/ي أيضًا: آلاف حالات التسمم في البصرة.. مشهد مكتمل لمدينة منكوبة

إلى ذلك، حذر زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر الحكومة من "نفاد صبره"، في حال استمرار استخدام العنف ضد المتظاهرين، فيما أصدرت شخصيات سياسية أبرزها رئيس الجمهورية فؤاد معصوم، فضلًا عن جهات وكتل عدة، بيانات دعت من خلالها المتظاهرين وشيوخ العشائر في البصرة إلى التهدئة وضبط النفس، فيما طالبت القوات الأمنية بالتوقف عن استخدام الرصاص الحي في مواجهة المحتجين.

حذر زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر الحكومة من "نفاد صبره"، في حال استمرار استخدام العنف ضد المتظاهرين

أما على المستوى الشعبي، فقد شهدت بغداد تظاهرة مؤيدة للمحتجين البصريين، في حين حذر نشطاء من انهيار الأوضاع في البلاد، وتكرار سيناريو مشابه لما حدث في سنوات الاقتتال الطائفي وعام 2014، مطالبين بتدخل المرجع الديني علي السيستاني لنزع فتيل الأزمة وطمأنة أهالي البصرة، وتوفير الخدمات الأساسية لهم بشكل عاجل، فيما حذروا من "استغلال" جهات سياسية وأطراف خارجية للأوضاع الراهنة لتحقيق مصالحها وجر البلاد إلى المجهول.

وتشهد البصرة منذ أكثر من أسبوع سلسلة جديدة من الاحتجاجات الغاضبة، بعد أزمة مياه حادة، نتيجة قطع إيران مياه نهر الكارون عن العراق منذ مطلع الصيف، فضلًا عن فشل الحكومات المتعاقبة بعد 2003 بإنشاء محطات تحلية، مما أدى إلى ارتفاع نسبة الملوحة في شط العرب، وتسبب بتسمم عشرات الآلاف من أبناء البصرة، حسب ما أعلنته مفوضية حقوق الإنسان في البلاد.

 

اقرأ/ي أيضًا:

احتجاجات البصرة في العراق.. النار لا تأتي إلا بالنار!

تظاهرات البصرة تتوسع في العراق.. سخط الجنوب يوحد الشارع