17-نوفمبر-2017

العقل أصبح المحكمة العليا

نظّم فرع مدينة برج بوعريريج لـ"الجمعية الجزائرية للدّراسات الفلسفية"، بالتنسيق مع قسم الفلسفة لجامعة باتنة، 600 كم إلى الشّرق من الجزائر العاصمة، ملتقى فكريًا تناول سياقات التلقّي العربي للرّؤية الغربية للحداثة تفكيرًا وممارسة وسلوكًا، شاركت فيه نخبة من الباحثين والمهتمّين بالسّؤال الفلسفي في الجامعات الجزائرية، بمداخلات تكاملت في مقاربة جوانب الموضوع.

هابرماس: عقل الأنوار يحتاج إلى فرصة تتمثل في إحداث الوثبة من الوعي بالذات إلى الوعي المابين ذاتي

تناولت الباحثة نبيلة عمزاوي سعي إدغار موران المعروف بفيلسوف الإنسانية، 1921،من خلال مشروعه المؤسّس على التركيب الممنهج، إلى انتشال الإنسانية من مستنقع البربرية، بسبب اعتلال الحياة المعاصرة، كما بيّنه في بعض كتبه مثل "إلى أين يسير العالم؟" و"هل نسير إلى الهاوية؟". وهو الموقف، الذي انطلق منه الباحث محمد الأمين جيلالي في التساؤل عن مصير البشرية، مركّزًا على فكرة التجاوز داخل الإنسانية، خصوصًا بعد حديث النهايات، منها نهاية التّاريخ، حيث تجتاح رعشة العدمية حياة الإنسان المعاصر.

اقرأ/ي أيضًا: مقهى فلسفي في الجزائر.. عرس الأسئلة

قاد حديث النّهايات هذا الباحثة عفاف جدراوي إلى الحديث عن المابعديات، منها مقولة ما بعد الحداثة، عند زيغمونت باومان، المعروف بفيلسوف السّيولة، 1925، في قوله بفشل المشروع التنويري، وهو المعطى الذي اعترض عليه الباحث حمزة طالبي بحكم أن الحداثة، في نظره، مشروع لم يكتمل بعد، مثلما أكّد عليه يورغن هابرماس، "فعقل الأنوار يحتاج إلى فرصة تتمثل في إحداث الوثبة من الوعي بالذات إلى الوعي المابين ذاتي".

في السّياق العربي، شخّص الجامعي عمّار بوزيزة أسباب اعتلال العالم العربي، استنادًا إلى منظورية جورج طرابيشي (1939 ـ 2016)، والذي بين أنّ دخول الحداثة إلى العالم العربي مرتبط بصدمة الاستعمار. وهو المعطى الذي دفع المفكّر المغربي طه عبد الرّحمن (1944)، بحسب الباحث بقاش سفيان، إلى العمل على التأسيس لحداثة عربية إسلامية جوهرها الأخلاق، خاصّة في كتبه "سؤال الأخلاق: مساهمة في النقد الأخلاقي للحداثة الغربية" و"روح الحداثة: المدخل إلى تأسيس الحداثة الإسلامية" و"روح الدين: من ضيق العَلمانية إلى سعة الائتمانية".

في حديث لـ"الترا صوت" يقول الباحث بشير ربّوح إن الحداثة فرضت نفسها، مثلما يقول جان بودريار (1929 ـ 2007) بصفتها وحدةً متجانسةً، مشعةً، ساحرةً، قوامها التحوّل والتجدّد الدّائم. "فالعقل أصبح المحكمة العليا، يُخضع كلّ شيء لامتحاناتها النقدية الصّارمة، من العلم إلى التاريخ إلى الدين، باعتباره مطلبًا كانطيًا بامتياز".

ويضيف صاحب كتاب "مطارحات في العقل والتنوير" إن العالم العربي الإسلامي استفاق ذات يوم ليجد نفسه في مهب عاصفة الحداثة، "فطرح على نفسه أسئلة لطالما تهرّب منها، من ذلك: ماذا نفعل في هذا المعترك؟ هل نلتفت إلى الوراء حيث عالم الأجداد، أم نكسر نرجسية ذواتنا لنحتفي ونحتذي بالآخر؟ وهو لم يغادر مقام الحيرة هذا حتى الآن".

 

اقرأ/ي أيضًا:

لماذا منحت اليونسكو سياتل لقب "مدينة الأدب"؟

"المكشوف والمحجوب".. التاريخ كصراع بين العري والاحتشام