23-مارس-2019

أثارت زيارة وزير الخارجية الأمريكي أسئلة عن طبيعة عمل الدولة في لبنان (أ.ف.ب)

بعد طول انتظار، حطّت طائرة وزير الخارجية الأمريكية مايك بومبيو في مطار بيروت، حيث يزور لبنان للمرة الأولى منذ توليه منصبه، ضمن جولة له في الشرق الأوسط. وتسبق زيارة بومبيو إلى لبنان، التي التقى خلالها كبار المسؤولين اللبنانيين، الزيارة المرتقبة لرئيس الجمهورية ميشال عون إلى روسيا الإثنين القادم.

أثبتت زيارة وزير الخارجية الأمريكي أن لبنان لا يملك سياسة موحدة تجاه القضايا المحلية والإقليمية، وبالتالي لا وجود لخطاب رسمي للدولة اللبنانية

انشغلت الأوساط السياسية والإعلامية بهذه الزيارة، وتصدرت عناوين الصحف ونشرات الأخبار، وخرجت عشرات التحليلات والقراءات التي دارت حول توقيتها وظروفها، والتكهنات حول ما في جعبة بومبيو الذي تربطه علاقة قوية بالرئيس الأمريكي دونالد ترامب. كل هذا في الوقت الذي يعيش فيه الشرق الأوسط مرحلة بالغة الدقة. فيما تتشدّد واشنطن في تطبيق العقوبات على إيران، وتلاحق أذرعتها وتضيق الخناق على تحويلاتهم المالية. كما تزامن وصول بومبيو مع تغريدة لترامب طالب فيها بالاعتراف بالسيادة الإسرائيلية على هضبة الجولان، الأمر الذي ووجه بالرفض من عديد الأطراف، خاصةً وأنه يتنافى مع القوانين الدولية ومقررات الأمم المتحدة.

اقرأ/ي أيضًا: كيف يمول حزب الله عملياته عبر تجارة المخدرات

هناك شبه إجماع ليناني وإقليمي أن بومبيو أتى إلى لبنان ليملي على الحكومة رزمة من المطالب ومن الشروط، تتعلق بقضايا تطبيق العقوبات الأمريكية على حزب الله ومكافحة تبييض الأموال، وترسيم الحدود البحرية مع إسرائيل، ومعالجة ملف النازحين السوريين.

وقد ذكرت صحيفة daily stars التي تصدر في بيروت باللغة الإنجليزية، بأن بومبيو سيضع خطوطًا حمراء في ما يخص النفوذ الروسي المستجد في لبنان، والتأكيد بأن لبنان سيبقى في الفلك الأمريكي.

أما حزب الله الذي استشعر خطرًا من الزيارة، فقد أوعز إلى الأحزاب والمنظمات التي تدور في فلكه للتنديد بها من خلال التصريحات والخطابات. فيما  نظم الحزب الشيوعي وقوى أخرى قريبة من الحزب، وقفة احتجاجية أمام السفارة الأمريكية في عوكر، رفضًا لزيارة بومبيو وشجبًا لما أسموه تدخلًا أمريكيًا سافرًا في الشؤون اللبنانية، ولمنعهم من التمادي بمشروعهم بالمنطقة. 

يلحظ غياب المسؤولين الكبار عن استقبال بومبيو في المطار، بينما استهل رئيس الديبلوماسية الأمريكية جولته في لبنان بزيارة إلى وزارة الداخلية ولقاء ريّا الحسن، وهي زيارة تحمل دلالات كثيرة، وتؤكد على الدعم الأمريكي للقوى الأمنية في لبنان وخاصة قوى الأمن الداخلي.

كذلك جال بومبيو على رئيس مجلس النواب نبيه بري، حليف حزب الله، وخرج بدون الإدلاء بأي تصريح، ثم انتقل إلى السراي الحكومي حيث استقبله رئيس الحكومة وتناول البحث بينهما آخر التطورات في لبنان والمنطقة، قبل أن ينتقل إلى بعبدا لمقابلة رئيس الجمهورية ميشال عون، بحضور بعض مستشاري عون، وخرج بدون الإدلاء بأي تصريح أيضًا، لينهي يومه الطويل في وزارة الخارجية حيث التقى الوزير جبران باسيل.

عقد باسيل وبومبيو مؤتمرًا صحفيًا بعد لقائهما، فأكد الأول على أهمية العلاقات بين أمريكا ولبنان، وتقدير بلاده للخدمات التي تقدمها واشنطن من خلال دعم الجيش والجمعيات وما إلى ذلك، وأشار باسيل إلى أنه أكّد لضيفه أهمية مكافحة الإرهاب ومحاربته، بالرغم من الاختلاف حول دور حزب الله الذي اعتبره باسيل حزبًا لبنانيًا مقاومًا وممثلًا في الحكومة، وأن تصنيف الحزب كحزب إرهابي من بعض الدول لا يعني لبنان.

اقرأ/ي أيضًأ: حكومة حزب الله/الأسد..لبنان الجحيم

أما وزير الخارجية الأمريكي، فقد ظهر بلهجة أقل ديبلوماسية، موجهًا خطابًا صارمًا ضد حزب الله، وصفه فيه أنه يقف عائقًا منذ عشرات السنوات أمام استقرار لبنان، ويقوض تطلعاته ويتحدى الدولة، داعيًا إلى مواجة نفوذ الحزب من أجل صالح البلاد العام حسب وصفه.

 ظهر وزير الخارجية الأمريكي من بيروت، بلهجة غير ديبلوماسية موجهًا خطابًا صارمًا ضد حزب الله، وصفه فيه أنه يقف عائقًا منذ عشرات السنوات أمام استقرار لبنان

يمكن القول أن زيارة وزير الخارجية الأمريكي أثبتت أن لبنان لا يملك سياسة موحدة تجاه القضايا المحلية والإقليمية، وبالتالي لا وجود لخطاب رسمي للدولة اللبنانية يستخدم في التفاوض مع كبار الضيوف. بل إن الطبقة السياسية هي مجموعة أفرقاء يعمل كل طرف منها لمصلحة الرعاة  الإيرانيين أو السعوديين أو الغربيين.

كما بدا واضحًا أن الدولة اللبنانية لا تمتلك القرار ولا القدرة لمعالجة وبت المواضيع الملحة المطروحة للبحث، من ترسيم الحدود وملف النازحين، وصولًا إلى التعامل مع حزب الله، وكيفية تحييد المؤسسات اللبنانية وحمايتها من العقوبات، ليبقى لبنان في مهب الريح على الصعيدين الأمني والاقتصادي، ويفقد اللبنانيون أي نوع من الأمن فيما يخص معاشهم اليومي.