06-أبريل-2017

حملات في تونس لإسقاط منشور منع زواج المسلمة بغير المسلم (يونال بونافنتور/أ.ف.ب)

لا تنصّ مجلة الأحوال الشخصية التونسية على اختلاف الدين كمانع للزواج بيد أنه يوجد منشور وزاري صدر سنة 1973 موجّه لضابط الحالة المدنية وعدول الإشهاد، يمنعهم من إبرام عقود زواج المسلمات بغير المسلمين معتبرًا إياه إجراءً غير قانوني، حيث لا يجوز الزواج ما لم يقدّم الزّوج شهادة في اعتناقه للدّين الإسلامي. وهو منشور ترفضه جمعيات حقوقية، ولاسيما النّسوية منها، بعنوان حرية الزواج والالتزام بالقيم المدنية، حيث أطلق ائتلاف مدني مؤخرًا حملة من أجل إسقاط هذا المنشور.

ينطلق الدّاعون لإلغاء شرط إسلام الزوج للزواج بالمسلمة في تونس من مبدأ حرية الزواج وضرورة الالتزام بالقيم المدنية

ينطلق الدّاعون لإلغاء شرط إسلام الزوج للزواج بالمسلمة من مبدأ حريّة الزواج الذي يجب تطبيقه مع اعتماد التقييدات المنصوص عليها بصريح النّص القانوني فقط. حيث خلت مجلة الأحوال الشخصية سنة 1956 من مانع الدين، ونصّت على موانع مؤبدة وهي القرابة والمصاهرة والتطليق ثلاثًا الذي يعتبر في الشرع الإسلامي مانعًا مؤقتًا، فيما حدّدت موانع مؤقتة هي العدّة وزواج الغير، ذلك أن القانون التونسي يمنع بصفة مطلقة تعدد الزّوجات. وبذلك تخلو هذه الموانع المنصوص عليها قانونًا من مانع الدين، ليظلّ السؤال دائرًا حول موقع المنشور الوزاري الذي أقحم مانع الدين.

اقرأ/ي أيضًا: لماذا يمنع الزواج المدني في لبنان؟

وفق الهرم القانوني، القانون هو أعلى درجة من المناشير التي لا تعدّ نصوصًا تشريعية بما أنه يصدرها الوزراء لتنظيم مسألة ما، ولا تخضع لمصادقة البرلمان. هذه هي أولى الحجج المقدّمة لإقصاء منشور 1973 الذي أضاف مانع الدين. وهو ما يفترض التساؤل حول المغزى من إضافة مانع جديد للزواج عبر هذا المنشور دون تنقيح مجلة الأحوال الشخصية، وهل يجوز بصفة أولية إضافة مانع لمبدأ حرية الزواج بموجب منشور يصدره وزير العدل؟

لا توجد تفاصيل حول ملابسات إصدار المنشور الوزاري المذكور بعد 17 سنة من إصدار مجلة الأحوال الشخصية التي لا يُختلف في وصفها بأنها ذات مضمون إصلاحي من حيث تنقيتها من بعض شوائب الفقه الإسلامي بتأصيل من تيار إصلاحي رائد في البلاد. حيث بهذا القياس، يعتبر منشور 1973 تراجعاً عمّا تضمّنه قانون 1956، وإن كان المنشور لا يمنع إبرام هكذا زواج خارج تونس ثم تسجيله بدفاتر الحالة المدنية دون حاجة لأن يعلن الزوج إسلامه. وهي صورة ربّما قد تجاوزها المنشور بصفة قصدية، ليفتح الباب الخلفي للزواج بين التونسية المسلمة وغير المسلم.

يمثل دستور 2014 دافعًا جديدًا في تأسيس القراءة القانونية التي تؤيد عدم جواز الاعتداد بمانع اختلاف الدين. حيث أكد الدّستور على مبدأ المساواة بين المواطنين. وقد درج التطبيق على صورة زواج المسلمة التونسية من الأجنبي غير المسلم الذي يكون لزامًا عليه الحصول على وثيقة من دار الإفتاء تثبت إسلامه، وهو ما يطرح السؤال حول الاعتداد بوثيقة إدارية من المفترض أن تعكس إيمان الشخص، حيث باتت غالبًا شهادات اعتناق الدين الإسلامي مجرد إجراء صوري لإتمام الزواج لا يعني اعتناق الزوج للإسلام حقًا.

تجاوزًا لذلك، كيف يتم التعامل في صورة زواج تونسية من تونسي غير مسلم. ظاهرًا، لا يمكن الزواج وفق المنشور الوزاري، بيد أن السؤال يتعلق من كيفيّة تثبّت عدل الإشهاد من ذلك، إذ تتميّز تونس بعدم تنصيص وثائقها الرسمية على خانة الدين. وعلى فرض إعلام الزوج التونسي، المفترض إسلامه في بلد 99 بالمائة من سكانه مسلمين، بعدم إسلامه، ألا يعتبر منعه من الزواج من تونسية ضربًا لمبدأ المساواة خاصة وأن الدستور الجديد نصّ على حرية الضّمير كذلك؟

من المنتظر أن تحسم المحكمة الدستورية الخلاف حول إمكانية جواز التونسيات من غير المسلم بيد أن المسألة تستوجب نقاشًا مجتمعيًا

كما اعتمدت المحاكم التونسية في عديد المناسبات في رفض مانع الدين على المواثيق الدولية التي صادقت عليها تونس وعلى رأسها اتفاقية إلغاء جميع أشكال التمييز ضد المرأة. حيث قضت محكمة التعقيب التونسية، الأعلى درجة في السلم القضائي، في قرار سنة 2009 أنه لا يوجد تأثير لمعتقد المرأة على حريتها في الزواج وبالأثر على حقها في الميراث اعتبارًا لإلزامية الاتفاقيات الدولية المصادق عليها.

اقرأ/ي أيضًا: أي مكان للزواج العرفي في المغرب؟

من جانب آخر مشابه، تُطرح مسألة اختلاف الدّين في الميراث حيث لم تنصّ مجلة الأحوال الشخصية بدورها على اعتبار هذا الاختلاف مانعًا للتوارث، وهو ما أدى لاختلاف القراءات بين رجال القانون وفي أحكام القضاء بالتتابع الذي انقسم بين القبول بالتوارث وبين رفضه. ويتأسس الرفض على وجوب الالتزام بتطبيق الشرع الإسلامي.

إضافة للقول بضرورة تطبيق المنشور 1973 في إبرام عقد الزواج، يؤسس أصحاب هذا الفريق رأيهم على مفهوم "الموانع الشرعية" الوارد في مجلة الأحوال الشخصية، ويعتبرون أن هذا اللفظ يسمح بعدم الاكتفاء بالموانع المنصوص عليها صراحة، بل يمكن من استنهاض موانع أخرى غير منصوص عليها وهي الواردة في الفقه الإسلامي وعلى رأسها اختلاف الدين. وقد تبنّت المحاكم في عديد المناسبات هذا الاتجاه، بل واعتبر الزواج المبرم في الخارج بين تونسية مسلمة وغير المسلم بمثابة زواج فاسد يتعيّن التصريح بفسخه. بيد أن هذا التوجه القضائي شهد بعض الضمور في العقد الأخير مع اتجاه عديد المحاكم لتبني الرأي المخالف الذي لا يعتد بمانع الدين مطلقًا.

تعرف تونس حاليًا مرحلة تأسيس جديدة بعد الثورة لا تشمل فقط الانتقال الديمقراطي المؤسساتي، بل تشمل كذلك التأسيس المجتمعي وهو ما انطلق منذ صياغة الدستور، الذي يمثل بحكم تعريفه عقدًا مجتمعيًا. وفي إطار تحديد الخيارات المجتمعية والتي يمثل القانون الحامل لها، يُطرح التساؤل حول مدى الأخذ بمانع الدين في عقد الزواج إضافة للميراث.

هو سؤال قد يفضّل البعض أن تكون إجابته القانونية قاطعة وغير قابلة للتأويل، فيما يفضّل آخرون أن يظل الغموض القانوني سائدًا وأن تواصل المحاكم اجتهادها بحسب قيم المجتمع وقراءتها للدستور، وهو الوضع السائد حاليًا الذي لا يوفر بالنهاية الأمان القانوني للمواطن. وسواء تدخلت السلطة التنفيذية أو التشريعية بإلغاء المنشور أو تعديل القانون، فمن المنتظر أن تحسم المحكمة الدستورية المنتظر إرساؤها في الأشهر القادمة هذا الجدل قانونيًا. بيد أن المسألة لا تستوجب نقاشًا قانونيًا فقط، بل كذلك نقاشًا فقهيًا وحضاريًا، بما هو أرضية للخيار القانوني الذي يمثل بالنهاية انعكاسًا لخيار مجتمعي وفقهي وحضاري.

اقرأ/ي أيضًا: 

تعددية الأحوال الشخصية.. درب السلامة يا مصر

جدل وثيقة "إثبات العذرية" من جديد في الجزائر