26-ديسمبر-2015

في غوطة دمشق 2014 (Getty)

تعرضت قوى المعارضة السورية، يوم الجمعة، لضربة موجعة، بعد استهداف الطيران الروسي اجتماعًا لقيادة "جيش الإسلام"، برئاسة الشيخ زهران علوش، الذي قضى على أثرها، مع مجموعة من قادة الصف الأول، في التشكيل العسكري الذي يسيطر على الغوطة الشرقية.

برز اسم زهران علوش بشكل لافت في مفاصل الحراك الثوري، مع ارتفاع وتيرة العمل العسكري ضد النظام السوري

وتعد المرحلة التي استهدف فيها الروس الشيخ علوش مفصلية في راهنية الحدث السوري، بعد الحديث عن اتفاق وقف إطلاق النار، وبدء مساعي السير نحو حل سياسي، ما زال الأسد يشكل عقبةً في سبيل تحقيقه، بعد تمسك الروس ببقائه في ظل المرحلة الانتقالية.

يعرف عن الشيخ علوش أنه منذ خروجه من سجن صيدنايا توجه للغوطة الشرقية، وشكل فصيلًا عسكريًا باسم "سرية الإسلام"، ليتوسع الفصيل في مرحلة لاحقة، ويصبح اسمه "لواء الإسلام"، بعد دمج مجموعة من الفصائل الثورية، التي انسحبت من أطراف العاصمة دمشق باتجاه الغوطة. خلال تلك الفترة، برز اسم علوش بشكل لافت في مفاصل الحراك الثوري، مع ارتفاع وتيرة العمل العسكري ضد النظام، ما دفع الفصائل الثورية في الغوطة الشرقية للتوحد تحت اسم "جيش الإسلام"، بقيادة الشيخ علوش، لينضم فيما بعد إلى تحالف "الجبهة الإسلامية"، ويصبح القائد العسكر العام لها.

رافق تلك المرحلة في عملية الاندماج العسكري، مرحلة فرض السيطرة السياسية – العسكرية على الغوطة الشرقية من قبل قائد "جيش الإسلام"، الذي يسجل له محاربته لتنظيم "الدولة الإسلامية"، في مناطق الغوطة الشرقية، رغم امتناعه عن مساندة كتيبة "أكاف بيت المقدس" في حربها مع تنظيم "الدولة الإسلامية" في "مخيم اليرموك" في جنوب دمشق.

ولعل هذه الأخيرة، إضافة للعديد من الأحداث المسجلة على الشيخ زهران، ما تزال عالقة حتى لحظة اغتياله، فقضية نشطاء دوما الأربعة المخطوفين، لم تغلق حتى اللحظة، ومصيرهم ما زال مجهولًا. أيضًا التسريبات الصحافية التي ظهرت العام الفائت، والتي تقول بإن الشيخ علوش استلم مبالغ مالية من محمد حمشو، الصديق الشخصي لهرم النظام السوري بشار الأسد، مقابل إيقاف التقدم باتجاه العاصمة دمشق، لم يسجل لها أي نفي حتى اللحظة، إضافة لقضائه على فصيل "جيش الأمة"، في حربه "ضد المفسدين في الأرض". 

فتح اغتيال زهران علوش حربًا ضروس في الفيسبوك بين من وصفه بـ"مجرم حرب" أو "قاطع طريق"

أحداث أخرى تسجل على الشيخ علوش، لكنه اغتيل في اجتماع على أحد جبهات "مرج السلطان" المشتعلة، قبل أن يعرف أحد أي من الأجوبة العالقة، في حين لا يمكن لأحد أن ينكر على أن الشيخ علوش، كان على خلافٍ فكري وشرعي مع "جبهة النصرة" تنظيم القاعدة في سوريا، وهو ما أكد في حواره الأخير مع صحيفة "الديلي بيست"، على أن التباين في وجهات النظر، جاء بعد عزل النصرة للشرعي أبو ماريا القحطاني، الذي ما فتئ بعد عزله على توحيد الفصائل الثورية لمقاتلة تنظيم "الدولة الإسلامية" في جنوب وشمال سوريا، ومن ثم التفرغ لمقاتلة النظام. لكن "جبهة النصرة"، تجاهلت الخلافات الفكرية والشرعية التي تحدث عنها الشيخ زهران، وأصدرت بيان تعزية.

وعلى عكس الخلافات بين قائد "جيش الإسلام" و"جبهة النصرة"، نجد أن "جيش الإسلام" على خلاف من نوع آخر مع أحد التنظيمات الجهادية في تشكيل "جيش الفتح"، والتي غمز في حواره الأخير، إلى أنها السبب وراء عدم دخولهم التشكيل العسكري، حيث قال "تناهى لسمعنا أن هناك فصيلًا له ارتباطات منهجية وربما تنظيمية مع داعش وضع فيتو على دخولنا"، في إشارة منه إلى تنظيم "جند الأقصى"، الذي تربطه علاقات جيدة مع تنظيم "الدولة الإسلامية".

أما بالنسبة لـ "حركة أحرار الشام" الإسلامية، فأصدرت بيان تعزية قالت فيه "لقد ترجل الفارس الشامي الشيخ المجاهد محمد زهران بن عبد الله علوش شهيدًا في ساحات الجهاد في أرض الشام"، وهو ما يدل على عمق العلاقة بين الفصيلين، التي وصفها علوش سابقًا بـ "الجيدة". 

كذلك فتح اغتيال الشيخ علوش حربًا ضروس على جبهات مواقع التواصل الاجتماعي، بين من وصفه بـ "مجرم حرب" أو "قاطع طريق"، وبين من وصفه بـ"الشهيد" ودافع عن مواقفه السابقة، إلا أن ما يثير الريبة أكثر من هذه الحرب الإلكترونية، التي اعتاد عليها السوريين، هو صفقة خروج مسلحي تنظيم "الدولة الإسلامية" مع عائلاتهم، من المناطق التي يسيطرون عليها في جنوب دمشق إلى معقل التنظيم في محافظة الرقة، وتسلميها للنظام السوري، وهو ما يحيل الموضوع إلى أن الروس يريدون تأمين محيط العاصمة، وبسط سيطرة النظام عليها، لتكون ورقة رابحة بيدهم خلال عملية المفاوضات مع المعارضة السورية.

يأتي اغتيال زهران علوش في ظل مشهد ضبابي يخيم على مآلات الثورة السورية

كما أنه لا يمكننا إغفال الانقسام الحاد الذي تشهده "الهيئة العليا للمفاوضات"، والتي تضم مجموعة من المعارضين السوريين، حيث أصدر زعيم تيار "بناء الدولة" لؤي حسين بيانًا أكد على أن بيان التعزية الصادر عن رياض حجاب رئيس الهيئة، لا يمثل كافة أعضاء الهيئة، أي "تيار بناء الدولة"، إنما يمثل وجهة نظره، علمًا أن "جيش الإسلام" هو من ضمن الفصائل الثورية التي حضرت اجتماع المعارضة الذي دعت إليه الرياض.

أما على الطرف المقابل، من ناحية جمهور النظام السوري، المقيمين في أماكن سيطرته في دمشق، فقد بدت عليهم مشاعر السرور، من خلال منشوراتهم على مواقع التواصل الاجتماعي، بعد وصول نبأ اغتيال الشيخ علوش، فالرجل كان المسؤول المباشر عن استهداف أحياء دمشق، بصواريخ الكاتيوشا وقذائف الهاون، وفي فترة سابقة نشر موقع "جيش الإسلام" الإلكتروني، صورًا لعائلات أسرى من الطائفة العلوية، وضعوا داخل أقفاصٍ حديدية على أسطح المنازل، في محاولة لمنع الروس من استهداف الغوطة الشرقية، بعد تكثيف غاراتهم الجوية، لكنهم لم يمتنعوا عن ذلك، إلى أن استهدفوا اجتماع الشيخ الأخير بعشر صواريخ فراغية، وطبعًا سيستمرون باستهداف الغوطة الشرقية إلى أن تجبر على عقد مصالحة مع النظام، بعد استنزافها، مثلما حدث مع "حي الوعر" أخر معاقل الفصائل الثورية في عاصمة الثورة السورية مدينة حمص. 

اليوم، يأتي اغتيال الشيخ زهران علوش، في ظل مشهد ضبابي يخيم على مآلات الثورة السورية، فـ"جيش الإسلام"، الذي خسر مجموعة من خيرة قادته على جبهات القتال مع النظام السوري، كما باقي الفصائل الثورية، مهدد بإدراج اسمه على قائمة "التنظيمات الإرهابية"، المكلف الأردن بإعدادها، والتي سيقوم الطيران الروسي باستهداف مقراتهم، بعد موافقة باقي الدول عليها، وهو ما يضعهم في موقف صعب، في ظل التطورات التي سيحددها المشهد السياسي في المرحلة القادمة.

اقرأ/ي أيضًا:

أبو علي خبية.. سيرة ناقصة

أعتى 11 كذبة للنظام السوري