20-أكتوبر-2020

رجل يرتدي قناع وراء باب متجر في إسبانيا (تصوير: بيرنات أرمانغي)

حين تطيل الإقامة بين الجدران لوحدك يصبح أمامك خيارات كثيرة ومنها

أن تصبح جدارًا لا يتكئ عليه أحد

أن تتكئ على نفسك كأنك والجدار من طينة واحدة

أن تزرع بين الجدران حديقة وتصير الحديقة والماء والتراب وتتنفس من موجودات الكون

أو تصير زهرة تشارف على الذبول وتتذوق معنى أن يتلاشى عطر الورد هكذا بلا ثمن بين الجدران

وهذه طبيعة الورد-عطاء بلا مقابل وموت هش

ولك أن تصبح رجلًا افتراضيًا- امرأة افتراضية- تنتهك اسمك المستعار وشخصك وتوقع حسابات فيسبوكية كي تتحرش برجل او بامرأة أو بالجدار أو بصورة في حلمك عن الآخرين

طبعًا لن يكون لديك حينها وقت لتصنع حديقة تتحرش بورودها وتكف أذاك عن كائنات فضائية -افتراضية أخرى

ولك في هذه العزلة أن تعود الى خزانة الثياب القديمة وتشم رائحتك في ثياب متروكة تذكر بالموت والفقد

 فتشعر بالوجع والدوار فتحرقها

أو تحشر في الزبالة كل ما في الخزانة وتنام عاريًا إلا من وهمك عن ذاكرة الثياب

ولك أن تغازل امرأة واحدة أو عشرات في العالم الافتراضي

وبسرعة تقفز من جدار الى جدار. ولكنك تعرف أن الجهات أربعة والجدران أيضًا

الحرية مريضة، مصابة بفيروس القمع وتكميم الأفواه

الحرية حفر وكشف. إذا استطعت أن تغازل نفسك وتعقد معها جلسة ودية وتنبش الأخضر واليابس وتصارح ذاتك وتقدم لها كأس شاي وكعكة من علبة اشتريتها منذ أشهر ولم تتذوقها لأنك مشغول بالعوالم الأخرى التي يقتلها فيروس مجهول يتطلب منك أن تجلس مع عزلتك وتفتح كل ملفات الذهن المركونة بصمت في عزلة الكهف الوجداني الذي يقيم فيه عالم آخر لا تأخذه معك حين تخرج للسهر أو لحضور مؤتمر سياسي أو أدبي.

في عزلتك الإجبارية الوقائية أمامك مساحة لاكتشاف موهبة الرقص. الرقص على حافة الجدار، الرقص على شفير النار، الرقص على ايقاع ينبع من داخلك

 أما إذا كان لديك فائض وقت، وتريد أن تشاهد كل الفتاوى القبيحة التي جاد بها شيوخ العالم العربي الإسلامي فرجاء لا ترسلها إلي وتطلب مني متابعة الغباء والهلوسة في زمن الكورونا

استماعك إلى الهزل ترويج له ويثبت عجزك بالمقابل

العزلة قرين الإبداع أحيانًا. إن شئت تستطيع أن تصبح عبقريًا وتقول للصفحة العمياء: أحبك أيتها الحياة كي لا انغمس في الكراهية وأمامي ما يكفي من الخرائب كي يحدث أي شيء أو نقيضه.

او أن تصمت وتعود الى الجدار وتخاف حتى أن تتكئ عليه

في العزلة تستطيع أن تطلق سرب الأحلام السجينة وتدعها تحلق ما بين كلماتك والجدار والحديقة والعالم الافتراضي.

في الآن ذاته تستطيع أن تتكهن بنهاية سعيدة لهذا الفصل الكوني المصاب بفيروس كورونا

ولك تتخيل أن ينشق الجدار ويأخذك إلى الماوراء، ميتافيزيقيا الجسد والروح. وهناك تكتشف أن العالم الآخر لا يعرف شيئا عن حدة الكآبة وجبروت الوقت الفائض عن الحلم

الأفكار لها تردد والفكرة تصير شعرًا والمشاعر واقعًا

ولك جزيل الوقت للعودة الى الدفاتر القديمة ونبش الصور هذا العام، عام الخوف الشمولي والفيروس المجهول الهوية، كأنه عام العودة الى مفردة الموت وصور الموت بقوة

ولك أن تتابع نشرات الجوع والمرض والعطش الذي يقتل بالأخضر واليابس في بلدك الأول

ولك أن تتخيل حبرك نهرًا يسقي فم العطاش الذين يموتون بلا مبرر

ولك أن تتجمد من شدة الحيرة واللاجدوى.

وما بين الجدران تصطدم مع الظلمة والظنون وذاتك، حتى تشعر بجلدك يتقشر عن جسدك ويتفتت من الشوق الى يوم كان البيت مفتوحًا للعالم والقبلات دون كمامات.

 

اقرأ/ي أيضًا:

مع جوليا كاميرون.. نحو كتابة إبداعية دون رجم

الإرهاب والاستشراق المعاصر في كندا