بلغ الإنفاق العسكري العالمي خلال عام 2024 نحو 2.7 تريليون دولار أميركي، وهو أعلى مستوى يُسجل منذ نهاية الحرب الباردة، وفقًا للتقرير السنوي الصادر اليوم الإثنين عن معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام (سيبري).
وترتبط هذه الزيادة الحادة بعدة متغيرات، أبرزها اندلاع المزيد من الحروب والصراعات المسلحة، وتصاعد المخاوف الأمنية التي تغذي سباق التسلح العالمي. إلى جانب ذلك، أسهمت عودة الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى السلطة في تعزيز الإنفاق الدفاعي، إذ مارس ضغوطًا على حلفاء الولايات المتحدة لزيادة موازناتهم العسكرية، مهددًا برفع الحماية الأميركية عنهم، مما دفع دولًا تقليدية معروفة بتوجهاتها السلمية، مثل اليابان وألمانيا، إلى رفع إنفاقها الدفاعي.
كما دخل سباق التسلح مرحلة جديدة مع تحديث الصين لجيشها، واستمرار الحرب الروسية الأوكرانية، وتصاعد العدوان الإسرائيلي في الشرق الأوسط.
وفي هذا السياق، أشار تقرير "سيبري" إلى أن منطقتي أوروبا والشرق الأوسط سجلتا أعلى نسب ارتفاع في الإنفاق العسكري، بنسبة 9.4% في عام 2024 مقارنة بعام 2023، مع ملاحظة اتجاه تصاعدي مستمر منذ عشر سنوات متتالية.
ترتبط هذه الزيادة الكبيرة في الإنفاق العسكري العالمي بالعديد من المتغيرات، يمكن إجمالها عمومًا في اندلاع المزيد من الحروب والصراعات المسلحة، والمخاوف الأمنية التي تغذّي نهم الدول إلى التسلح
يرى الباحث في برنامج الإنفاق العسكري وإنتاج الأسلحة في معهد "سيبري"، تشاو ليانغ، أن هذا التوجه "يعكس بوضوح التوترات الجيوسياسية الشديدة"، مؤكدًا أن هذه الزيادات "غير مسبوقة"، ومضيفًا: "إنها أكبر زيادة منذ نهاية الحرب الباردة".
ولفت التقرير إلى أن أكثر من 100 دولة حول العالم زادت ميزانياتها الدفاعية العام الماضي. ويعتقد ليانغ أن هذا الإنفاق الضخم سيكون له "تأثير اجتماعي، اقتصادي وسياسي عميق"، إذ سيتعين على البلدان إجراء مقايضات في خياراتها المتعلقة بالميزانية.
تجلى هذا التوجه بوضوح في الحالة البريطانية، حيث قررت حكومة كير ستارمر تنفيذ أكبر زيادة في الإنفاق الدفاعي منذ الحرب الباردة، عبر رفع ميزانية الدفاع إلى 2.6% من الناتج المحلي الإجمالي بحلول عام 2027، مع توقعات بارتفاعها إلى 3% لاحقًا. وقد جاءت هذه الزيادة على حساب ميزانية المساعدات الدولية الإنمائية التي ستخفض من 0.5% إلى 0.3% من الناتج المحلي الإجمالي خلال الفترة ذاتها.
وعلّق ستارمر أمام مجلس العموم قائلًا: "لست مسرورًا بإعلان ذلك، لكن أمن البريطانيين هو الأولوية الأولى لهذه الحكومة"، مشيرًا إلى التهديدات الأمنية المتصاعدة بسبب الحرب الروسية الأوكرانية من جهة، وضغوط إدارة ترامب من جهة أخرى.
وفي تأكيد إضافي على هذا الاتجاه العالمي، قال ليانغ: "رأينا العديد من الدول الأوروبية تخفض بنودًا أخرى في ميزانياتها، مثل المساعدات الدولية، من أجل تمويل الزيادة في الموارد العسكرية، أو تفكر في زيادة الضرائب أو اللجوء إلى الاستدانة".
أوروبا الأعلى إنفاقًا
سجلت أوروبا، بما فيها روسيا، أكبر زيادة في الإنفاق العسكري عالميًا، حيث ارتفع بنسبة 17%، ليصل إلى 693 مليار دولار. وخصصت روسيا وحدها 194 مليار دولار، بزيادة بلغت 38% مقارنة بعام 2023، أي ضعف ما كانت عليه في عام 2015.
كما سجلت أوكرانيا ارتفاعًا بنسبة 2.9%، بما يقارب 65 مليار دولار، لكنها في المقابل سجلت أعلى عبء عسكري عالمي، حيث خصصت 34% من ناتجها المحلي الإجمالي للدفاع.
وسجلت دول أوروبية أخرى زيادات ملحوظة، إذ ارتفع الإنفاق العسكري الألماني بنسبة 28% ليصل إلى 88.5 مليار دولار. وأكد ليانغ أن "للمرة الأولى منذ إعادة توحيدها، أصبحت ألمانيا أكبر مساهم في مجال الدفاع في أوروبا الوسطى والغربية".
الولايات المتحدة
رغم تصدرها قائمة الدول الأكثر إنفاقًا عسكريًا، سجلت الولايات المتحدة زيادة جديدة بنسبة 5.7%، لتصل ميزانيتها الدفاعية إلى 997 مليار دولار، ما يمثل 37% من إجمالي الإنفاق العالمي و66% من الإنفاق العسكري لدول حلف شمال الأطلسي (الناتو).
وأشار التقرير إلى أن 18 دولة من أعضاء الناتو تمكنت في عام 2024 من تحقيق الهدف المنشود بإنفاق 2% من الناتج المحلي الإجمالي على الدفاع، في سابقة منذ تأسيس الحلف. كما توقع ليانغ تنفيذ مشاريع استحواذ ضخمة في صناعة الأسلحة خلال السنوات القادمة.
حلّت الصين في المرتبة الثانية بعد الولايات المتحدة الأميركية، إذ زادت ميزانيتها العسكرية بنسبة 70%، لتصل إلى 314 مليار دولار
الصين
جاءت الصين في المرتبة الثانية عالميًا بعد الولايات المتحدة الأميركية، إذ زادت ميزانيتها العسكرية بنسبة 70% لتصل إلى 314 مليار دولار. وترجع هذه الزيادة إلى سعي الصين الحثيث منذ نحو عقد ونصف إلى تحديث جيشها، وتعزيز قدراتها السيبرانية والنووية. ويفرض هذا التوجه الصيني نحو التحديث العسكري تحديات استراتيجية متزايدة على جيرانها، لا سيما تايوان واليابان وكوريا الجنوبية.
إيران وإسرائيل
في المقابل، شهد الإنفاق العسكري الإيراني انخفاضًا بنسبة 10%، ليبلغ 7.9 مليارات دولار عام 2024، بينما زاد إنفاق إسرائيل العسكري بنسبة 65% ليصل إلى 46.5 مليار دولار، في أكبر زيادة من نوعها منذ حرب الأيام الستة عام 1967. ويعزو خبراء معهد ستوكهولم هذا التباين إلى تأثير العقوبات الاقتصادية المفروضة على إيران، وإلى تعدد الجبهات العسكرية التي تخوضها إسرائيل، بما في ذلك حربها المستمرة على قطاع غزة للعام الثاني على التوالي.
وفي سياق متصل، تصدرت المملكة العربية السعودية في عام 2023 قائمة الدول الأكثر إنفاقًا عسكريًا في منطقة الشرق الأوسط.