08-أغسطس-2017

تعتبر الولايات المتحدة تدخلها في تقرير مصائر الشعوب "واجبًا مقدسًا" (تاسوس كاتوبوديس/ أ.ف.ب)

"زحف العلم" هو عنوان خطابٍ مُؤسس في أدبيات السياسة الأمريكية، ألقاه السيناتور الأمريكي ألبيرت بيفيريدج عام 1898، حثّ فيه على "نصب خيام الحرية أبعد، غربًا وجنوبًا"، ولكن قبل أن تنخدع في "خيام الحرية"، لا بد أن تعلم أنه كان يقصد بها "مواصلة مسيرة العلم الأمريكي" و"الواجب المقدس لقيادة شعوب العالم نحو النموذج الأمريكي في الحياة" و"أن يكون العلم الأمريكي رمزًا لكل البشر". ويُمثّل هذا الخطاب، الوجه الأوضح للسياسة الأمريكية التبشيرية تجاه العالم وشعوبه، وربما يتجلى ذلك بوضوح في السطور التالية التي تُلقي الضوء على 4 نماذج لانتخابات رئاسية لدول أُخرى تدخلت الولايات المتحدة الأمريكية فيها بفجاجة، رصدها موقع "ثوتكو"، وننقلها لكم مترجمة بتصرف.


1. إيطاليا - 1948

عام 1948، وُصفت الانتخابات الإيطالية التي أجريت في ذلك الوقت، بأنها لا تقل عن أنها "اختبار مرعب للقوة بين الشيوعية والديمقراطية"، وفي ظل تلك الأجواء المتوترة بين المعسكرين، استخدم الرئيس الأمريكي هاري ترومان قانون سلطة الحرب الصادر عام 1941، في دعم مرشحي الحزب الإيطالي المسيحي الديمقراطي المناهض للشيوعية، بملايين الدولارات.

كفل القانون الأمريكي للرئيس ترومان توجيه المخابرات الأمريكية للتدخل سريًا في الانتخابات الإيطالية عام 1948 لمواجهة الشيوعيين

وصرح قانون الأمن القومي الأمريكي لعام 1947، والذي وقعه الرئيس ترومان قبل ستة أشهر من الانتخابات الإيطالية، بإجراء عمليات خارجية سرية. وقد أقرت وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية (CIA) مؤخرًا باستخدام ذلك القانون في منح مليون دولار "لجهات مركزية" إيطالية، لاستصدار وتسريب وثائق مزورة، وغيرها من المواد التي تهدف إلى تشويه سمعة قادة ومرشحي الحزب الشيوعي الإيطالي.

اقرأ/ي أيضًا: حين أخرجت أمريكا إصبعها الوسطى للعالم

وصرح مارك وايت، أحد عملاء وكالة الاستخبارات المركزية في عام 1948، لصحيفة نيويورك تايمز، قبيل وفاته في عام 2006، قائلًا: "قمنا بنقل حقائب من الأموال إلى سياسيين معينين، لتغطية نفقاتهم السياسية، وتكاليف حملاتهم ومتطلباتها من ملصقات ومنشورات".

وكتبت "سي أي إيه" وغيرها من الوكالات الأمريكية ملايين الرسائل، وبُثت رسائل يومية على الراديو، ونُشرت كثير من الكتب، التي تحذر الشعب الإيطالي مما تعتبره الولايات المتحدة، مخاطر انتصار الحزب الشيوعي. ورغم الجهود السرية المماثلة التي بذلها الاتحاد السوفيتي لدعم مرشحي الحزب الشيوعي، اجتاح مرشحو الحزب الديمقراطي المسيحي الانتخابات الإيطالية لعام 1948 بسهولة.

2. تشيلي - 1964 و1970

ضخت الحكومة السوفيتية خلال حقبة الحرب الباردة في ستينات القرن الماضي، ما بين 50 ألف دولار و400 ألف دولار سنويًا لدعم الحزب الشيوعي التشيلي.

وفي الانتخابات الرئاسية التشيلية لعام 1964، كان من المعروف دعم السوفيت للمرشح الماركسي المعروف، سلفادور أليندي، والذي أخفق في الوصول إلى سدة الرئاسة في الانتخابات الرئاسية التي أجريت في أعوام 1952 و1958 و1964. وفي مقابل ذلك، أغدقت الحكومة الأمريكية على إدوارد فراي، منافس أليندي، ومُرشح الحزب الديمقراطي المسيحي بأكثر من 2.5 مليون دولار.

خسر أليندي الذي كان مُرشحًا لجبهة العمل الشعبي، السباق الرئاسي لعام 1964، إذ حصل على ما نسبته 38.6% من أصوات الناخبين، بينما حصل فراي على 55.6% من الأصوات.

وفي الانتخابات الرئاسية التشيلية لعام 1970، فاز أليندي بمقعد الرئاسة في سباق رئاسي ثلاثي، واعتُبر بذلك، أول رئيس ماركسي في تاريخ البلاد، فقد اُنتخب من قبل الكونغرس التشيلي، بعد عدم حصول أي من المرشحين الثلاثة على أغلبية الأصوات في الانتخابات العامة. بينما ظهرت بعض الأدلة على محاولات حكومة الولايات المتحدة الأمريكية، منع وصول ألليندي إلى سدة الحكم، بعد مرور خمس سنوات على تلك الانتخابات.

ألليندي بعد تصديق الكونغرس التشيلي على رئاسته (Getty)
أليندي بعد تصديق الكونغرس التشيلي على رئاسته (Getty)

ووفقًا للتقرير الصادر عن "لجنة الكنيسة" –وهي لجنة خاصة شُكلت من أعضاء مجلس الشيوخ الأمريكي عام 1975، للتحقيق في تقارير أنشطة غير أخلاقية نفذتها "السي آي إيه"- إذ خططت وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية لاختطاف الجنرال رينيه شنايدر، قائد القوات المسلحة التشيلية، في محاولة فاشلة لمنع الكونجرس التشيلي من التصديق على رئاسة ألليندي.

3. روسيا - 1996

كان شبح الهزيمة في الانتخابات الرئاسية ماثلًا أمام بوريس يلتسن، الرئيس الروسي المستقل المنتهية ولايته في 1996، نتيجة الظروف الاقتصادية المتهالكة، في مواجهة خصمه غينادي زيوغانوف، مرشح الحزب الشيوعي.

وللحيلولة دون عودة الحكومة الروسية إلى أحضان السلطة الشيوعية من جديد، قدم الرئيس الأمريكي بيل كلينتون، قرضًا سريعًا قيمته 10.2 مليار دولار، من صندوق النقد الدولي إلى روسيا، لاستخدامه في جهود الخصخصة، وتحرير التجارة، وغيرها من التدابير التي تهدف إلى مساعدة روسيا في تحقيق الاستقرار، والتحول إلى الاقتصاد الرأسمالي.

عام 1996، تواطأ صندوق النقد الدولي مع بيل كلينتون لدعم يلتسن في روسيا أمام مرشح الحزب الشيوعي

ورغم ذلك، أظهرت بعض التقارير الإعلامية أن يلتسن استخدم ذلك القرض في زيادة شعبيته، من خلال إخباره للناخبين، أنه وحده من يستطيع تأمين مثل هذه القروض على المستوى الدولي. وبدلًا من المساعدة في مزيد من التحول إلى الرأسمالية، استخدم يلتسن بعض أموال هذا القرض في سداد الرواتب والمعاشات المستحقة للعمال، وفي تمويل بعض برامج الرعاية الاجتماعية الأخرى قبيل الانتخابات مباشرةً.

اقرأ/ي أيضًا: الشيطان مرّ بموسكو

وفي ظل بعض الادعاءات بتزوير الانتخابات، فاز يلتسن في الجولة الثانية للانتخابات، إذ حصل على نسبة 54.4% من أصوات الناخبين في جولة الإعادة التي أُجريت في الثالث من تموز/يوليو عام 1996.

4. يوغوسلافيا - 2000

منذ وصول الرئيس اليوغوسلافي سلوبودان ميلوشوفيتش، إلى سدة الحكم في 1991، استخدمت الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي (ناتو)، عقوبات اقتصادية وإجراءات عسكرية للإطاحة به، إلا أن كل هذه المحاولات قد باءت بالفشل. ثم في عام 1999، اتهمت محكمة جنائية دولية ميلوشوفيتش بالضلوع في جرائم حرب، بما في ذلك جريمة الإبادة الجماعية، فيما يتعلق بالحرب في البوسنة وكرواتيا وكوسوفو.

وفي عام 2000، عندما أجرت يوغوسلافيا أول انتخابات حرة مباشرة منذ عام 1927، رأت الولايات المتحدة الأمريكية أن الفرصة قد سنحت لإزاحة ميلوشوفيتش وحزبه الاشتراكي عن السلطة من خلال العملية الانتخابية. وفي الشهور التي سبقت الانتخابات، أغدقت الحكومة الأمريكية ملايين الدولارات لتمويل حملة مرشحي الحزب الديمقراطي المعارض المناوئة لميلوشوفيتش.

احتجاجات يوغسلافية ضد سلوبودان ميلوسوفيتش (Getty)
احتجاجات يوغسلافية ضد سلوبودان ميلوسوفيتش (Getty)

أسفرت الانتخابات الرئاسية العامة التي أُجريت في 24 أيلول/سبتمبر عام 2000، عن تقدم المرشح الديمقراطي المعارض فويسلاف كوستونيتشا على ميلوشوفيتش، إلا أنه أخفق في الفوز بنسبة 50.01% من أصوات الناخبين اللازمة لتفادي الدخول في جولة الإعادة. وقد شكك فويسلاف كوستونيتشا في مدى نزاهة فرز الأصوات، مصرحًا بأنه قد فاز بعدد كافٍ من الأصوات بالفعل للوصول إلى كرسي الرئاسة.

استخدمت الولايات المتحدة كل الحيل الممكنة للتضييق على ميلوسوفيتش وإسقاط حكمه منذ توليه الرئاسة في يوغوسلافيا عام 1991

وبعد اندلاع احتجاجات عنيفة اجتاحت جميع أرجاء البلاد مطالبةً بحق فويسلاف كوستونيتشا في الرئاسة، استقال ميلوسوفيتش من منصبه في السابع من تشرين الأول/أكتوبر، متنازلًا لكوستونيتشا عن الرئاسة. وقد أعيد فرز الأصوات الانتخابية تحت إشراف قضائي، واتضح أن كوستونيتشا قد فاز بالفعل في الانتخابات بنسبة أصوات تخطت 50.2% بفارق بسيط.

 

اقرأ/ي أيضًا:

جذور السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط.. الخليج وإيران نموذجًا

في أمريكا.. يمكنك أن تخسر الانتخابات وتصبح رئيسًا