09-أغسطس-2022
تهدد روسيا بضم زابوريجيا (تويتر)

تهدد روسيا بضم زابوريجيا (تويتر)

أعلنت وسائل إعلام روسية بأن منطقة زابوريجيا، المسيطر عليها من قبل موسكو، تقرر تنظيم استفتاء حول الانضمام إلى روسيا. فيما يأتي هذا الخبر في أعقاب هجوم تشنه قوات كييف لاسترداد المدينة، طال القصف خلاله المحطة النووية، ما أطلق حربًا كلامية بين الروس والغربيين، يتَّهم كل واحد فيها الآخر بـ "نية التسبب في كارثة نووية".

أعلنت وسائل إعلام روسية بأن منطقة زابوريجيا، المسيطر عليها من قبل موسكو، تقرر تنظيم استفتاء حول الانضمام إلى روسيا

هذا، ومنذ منتصف شهر تموز/ يوليو الماضي، تصاعد الحديث عن نيَّة موسكو تنظيم استفتاء ضم على شاكلة القرم للمناطق الجنوبية التي تحتلها في أوكرانيا. وقال رئيس دائرة السلطة الروسية في زابوريجيا،  إيفجيني باليتسكي، إن "آليات الاستفتاء قيد الإعداد، وسيحدد ما يريده سكان منطقة زابوريجيا وكيف يريدون أن يعيشوا". مضيفًا بأنها خطوة أخرى نحو إضفاء الطابع الروسي على "المناطق المحررة"، بحسب ما تسميها موسكو، والتي تشجع السكان هناك على التقدم بطلب للحصول على جوازات سفر روسية.

وقالت وكالة "ريا نفوتسي" الروسية، نقلاً عن مسؤول آخر في الإدارة الروسية في زابوريجيا، بأن الموعد المرتقب لإجراء الاستفتاء هو النصف الأول من شهر أيلول/ سبتمبر القادم. وسبق أن أوضح السفير الروسي في بريطانيا، أندريه كيلين، بأن بلاده لا تنوي الانسحاب من الأراضي التي تسيطر عليها في جنوب أوكرانيا.

وشهدت المحطة النووية زابوريجيا، نهاية الأسبوع المنصرم، عمليتي قصف أصابتها بأعطال مستمرة إلى حد الساعة. وقالت الشركة المشغلة لمحطة زابوريجيا إن أجزاء منها "تضررت بشكل خطير"، وحذرت الشركة الوطنية الأوكرانية للطاقة النووية "إينيرغو-أتوم"، يوم السبت، من أنه لا يزال هناك خطر حدوث تسرب إشعاعي. فيما تتبادل موسكو وكييف الاتهامات في الوقوف خلف الهجوم.

واتهم الناطق باسم الكرملين، دميتري بيسكوف، كييف بالضلوع في استهداف مفعل زاباروجيا النووي، قائلاً: إن قصف موقع المحطة "من قبل القوات المسلحة الأوكرانية (...) قد ينطوي على خطورة قصوى"، و"قد تكون له عواقب كارثية بالنسبة إلى منطقة شاسعة بما فيها الأراضي الأوروبية". بالمقابل، ردّ كبير ديبلوماسيي الاتحاد الأوروبي، جوزيب بوريل، بإدانة "الأنشطة العسكرية الروسية" حول المحطة، معتبراً إياها "انتهاكًا خطيرًا وغير مسؤول لقواعد السلامة النووية وهو مثال آخر على تجاهل روسيا للمعايير الدولية". هذا واعتبر الأمين العام للأمم المتّحدة أنطونيو غوتيريش، أمس الاثنين، أنّ أيّ هجوم على محطّات للطاقة النوويّة عمل "انتحاري"،  داعيًا إلى وقف العمليّات العسكريّة في محيط محطّة زاباروجيا بأوكرانيا حتّى يتسنّى للوكالة الدوليّة للطاقة الذرّية الوصول إليها.

ويعتبر مفاعل زاباروجيا النووي أكبر محطة للطاقة الذريَّة في أوروبا، حيث تتوفر كل وحدة من وحداتها الست على سعة إنتاج تعادل 950 ميغاوات من الطاقة الكهربائية، أي ما مجموعه 5.7 جيغاوات. ولا تفصلها عن شبه جزيرة القرم، التي ضمَّتها روسيا إلى أراضيها سنة 2014، أقل من 200 كيلومتر، ما يمنح المدينة ومفاعلها مكانة استراتيجية بالنسبة للأمن الطاقي للقرم ومناطق الجنوب الواقعة تحت سيطرة موسكو.

واستراتيجيًا كذلك، تعد مدينتي زاباروجيا وخيرسون، الواقعتين على الضفة الشرقية لنهر دنيبرو (أكبر نهر في أوكرانيا)، المصدر الأساسي من المياه العذبة لشبه جزيرة القرم، وبالتالي يعني ضمهما تأمين هذه الموارد المائية لشبه الجزيرة، إضافة إلى السيطرة على ممرات الملاحة البحرية في نهر دنيبرو ومصبه. وخططت روسيا، حتى قبل بداية غزوها لأوكرانيا، إلى السيطرة على الشريط الساحلي الجنوبي للبلاد وعزلها عن منافذها البحرية، كما سبق وتوقَّع ذلك الخبير العسكري أكرم خريف في حوار سابق له مع "ألترا صوت" منتصف شباط/ فبراير الماضي. 

فيما تعيدنا هذه المعطيات إلى مسألة تكرار موسكو نفس سيناريو ضم القرم في زاباروجيا ومناطق الجنوب، حيث عملت جاهدة على "ترويس" (أي جعلها روسية) تلك المناطق ونزع هويتها الأوكرانية. وذلك عبر تغيير البنية الديموغرافية بإطلاق حملة تجنيس واسعة لساكنتها، وتغيير أنظمة البث التلفزيوني والإذاعي لتنقل القنوات والمحطات الروسية مجانًا، والسيطرة على الإنترنت، وخلق نظام بنكي موازي يعتمد على الروبل مقابل تهميش العملة المحلية الكريفنا.  

هذا وفي أواخر شهر حزيران/ يونيو المنصرم، أعلن الجيش الأوكراني نجاح هجومه على جزيرة الأفعى الواقعة في وسط المثلث البحري بين أوديسا وخيرسون والقرم، لتكون أول أراضي أوكرانيا التي تم استردادها بشكل كامل. وهو ما قرأ فيه محللون، خطوة أولى نحو شن هجوم لاسترداد مناطق الجنوب.

وفي ذات السياق، أوضح المحلل السياسي ورئيس تحرير موقع "أوكرانيا بالعربي"، محمد فرج الله، في حديثه لـ "ألترا صوت"، بأن "تحرير جزيرة الثعبان مثَّل رمزية لدى الشعب الأوكراني؛ بمعنى 'حُرِّر الثعبان يمكن تحرير القرم'، وحتى بالنظر إلى خرائط المنطقتين فهناك تشابه كبير في الشكل بينهما"، حيث "ستكون (الجزيرة) نقطة متقدِّمة ومحطة ارتكاز للجيش الأوكراني في مياه البحر الأسود، الذي أصبح يمتلك دفاعات بحرية متقدمة من طراز هاربون (...) ويبقى هناك الجو كنقطة ضعف في الدفاعات الأوكرانية في انتظار تسليمه منظومات 'ناسامز' النرويجية و'باتريوت' الأمريكية، التي ستمكنه من إغلاق الجو أمام الروس ومن ثم بداية عمليات استرداد الأراضي في الجنوب".

لا تزال المعارك جارية في محيط مدينة ميكولايف، آخر القلاع الأوكرانية في الساحل الجنوبي قبل مدينة أوديسا

ولا تزال المعارك جارية في محيط مدينة ميكولايف، آخر القلاع الأوكرانية في الساحل الجنوبي قبل مدينة أوديسا. ويمثل الجنوب الأوكراني المسيطر عليه من قبل روسيا، المنفذ الوحيد للصادرات الروسية على المياه الدافئة، على مستوى بحر آزوف والبحر الأسود، وبالتالي يكستب أهمية استراتيجية واقتصادية كبيرة لدى الروس، الذين سعو لحسم سيطرتهم عليه منذ بداية الغزو في 24 شباط/ فبراير الماضي.