بالتوازي مع مساعي أوروبا رفع مستوى جاهزيتها العسكرية والاستعداد لأي مواجهة محتملة مع روسيا، خصصت موسكو رقمًا قياسيا في موازنها للأعوام الثلاثة المقبل (2025 حتى 2027) للإنفاق العسكري، وذلك على الرغم من العقوبات الاقتصادية المفروضة عليها وتراجع عملتها الروبل بشكلٍ ملحوظ نتيجة لتلك العقوبات الغربية.
وبحسب الموازنة الفيدرالية التي وقعها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، ستنفق روسيا على الاحتياجات العسكرية والدفاعية حوالي 126 مليار دولار، أي ما يربو على نسبة 32% من الإنفاق الحكومي العام.
وبمقارنة هذا الرقم القياسي مع مخصصات الدفاع العام الماضي، نلاحظ أنّ الإنفاق العسكري في موازنة الأعوام الثلاثة المقبلة زاد حوالي 28 مليار دولار. وهذه الزيادة إن دلّت على شيء فإنما تدل أولًا على مضي روسيا في تمددها العسكري وتعزيز وجودها العسكري الحالي في نطاقات مختلفة، أهمها بلا شك النطاق الأوكراني وما يلي حدودها الشرقية عامة.
خصصت روسيا نحو 126 مليار دولار سنويًا لحاجياتها العسكرية في موازنتها للأعوام الثلاثة المقبلة
يشار إلى أنّ الزيادة التي شهدها الإنفاق العسكري تفوق الميزانيات المخصصة للتعليم والصحة والرعاية الاجتماعية والاقتصاد الوطني مجتمعةً.
لكنّ توفير هذا الرقم القياسي الذي سيصرف على الاحتياجات الدفاعية ليس بالمسألة اليسيرة، خاصةً في ظل العقوبات الغربية المفروضة على موسكو، وبالتالي فإن تغطية تكاليف الدفاع اعتبارًا من العام المقبل، ستتطلب من الحكومة الفيدرالية الروسية، حسب المصادر، "زيادة معتبرة في ضرائب الدخل والضرائب على الشركات الصغيرة والمتوسطة من جهة، وزيادة الضرائب على إنتاج الغاز والنفط والفحم، والضرائب غير المباشرة على الكحول والسجائر والمشروبات السكرية وغيرها من جهة ثانية".
ويعني هذا أنّ الأسعار في روسيا ستشهد ارتفاعًا كبيرًا، وبالفعل أعلنت جمعية المصدرين والمستوردين في روسيا، رفع أسعار جميع المنتجات في العام المقبل بنحو 20%، وأسعار الإسكان والخدمات المجتمعية بنسبة 10%.
الوهن الاقتصادي:
يشار إلى أنّ الاقتصاد الروسي شهد حالةً من عدم الاستقرار العام الجاري، بعد تجاوز سعر صرف الدولار مقابل الروبل 107 روبلات، حيث يعد هذا المستوى هو الأعلى منذ نحو عقدٍ. ليس ذلك فحسب، بل لجأ بنك روسيا المركزي إلى رفع سعر الفائدة إلى مستوى قياسي وصل نسبة 21%، ومن المرجّح أن يؤثر هذا السعر في مستويات التضخم التي سترتفع العام المقبل.
ويتخوف بعض الاقتصاديين الروس من أن تدفع هذه الوضعية شركات عامة وخاصة إلى إعلان إفلاسها، وقد يسري ذلك أيضًا على مصانع الإنتاج التي قد تشهد توقفًا بسبب الركود والتضخم.
وفي تعليق على مشروع الموازنة الجديد ومخصصات الدفاع فيها، قال الباحث في الشؤون الاقتصادية الروسية فيكتور لاشون "إن تخصيص ثلث الموازنة للاحتياجات العسكرية يعتبر إنفاقًا قياسيًا، لكنه يأتي في أجواء الحرب المتواصلة مع أوكرانيا، وهو أكبر صراع في أوروبا منذ الحرب العالمية الثانية"، مؤكدًا أن هذا المستوى من الإنفاق "سيؤدي إلى ضغوط على الاقتصاد والسكان، خلافًا لأوكرانيا التي تحصل على مليارات الدولارات من المساعدات من حلفائها في الغرب".
في المقابل يرى الباحث الاقتصادي أندريه زايتسيف أن روسيا ستستمر في تحقيق نمو اقتصادي بحوالي 2.5% سنويًا، وسيظل التضخم عند 4%، مع توقعات بأن يبلغ نمو الناتج المحلي الإجمالي التراكمي في الفترة 2025-2027 نسبة 7.7% ، وهو معدل نمو اقتصادي أعلى من السيناريو الأساسي للبنك المركزي" وفق توقعاته.
ويرى زايتسيف أنّ "إقرار الموازنة جاء في وقت نال فيه فريق الاقتصاد الكلي الروسي استحسانًا كبيرًا لإدارته للاقتصاد حتى الآن، بعد أن كان من المتوقع أن ينهار بعد فرض عقوبات قاسية عليه في الأسبوع الأول من الحرب، وتجميد احتياطيات البنك المركزي الروسي البالغة 300 مليار دولار ومنع روسيا من استخدام نظام سويفت لتحويل الأموال عبر الحدود".