13-أكتوبر-2016

شعار قناة روسيا اليوم

كثُر الحديث ضمن وسائل الإعلام الغربية، والروسية تحديدًا، في الفترة الأخيرة عن مدى تأثير شبكة "روسيا اليوم"، على الرأي العام العالمي سواء على الصعيد الشعبي، أو النشطاء المدنيين، والكتل البرلمانية الراديكالية الأوروبية، وحركات البيئة وما يشابهها من تصنيفات مختلفة.

ومثّل كلام المتحدثة باسم الخارجية الروسية، ماريا زاخاروفا، منذ قرابة أسبوع، مع برنامج "حق الاطلاع" في قناة "تي في سينتر"، الذي وصفها من خلال المحطة أنها غدت "مصدر رديف للمعلومة البديلة في الفضاء الإعلامي الدولي"، مدى أهمية ما تبثه القناة الناطقة بسبع لغات، لا بل وحجم تأثيره دوليًا.

 تعتمد تغطية روسيا اليوم كثيرًا على مصادر خاصة "فضلت عدم الكشف عن اسمها"!

وفي المقابل يزعم الدبلوماسيون الروس خلال حديثهم أن شبكة "روسيا اليوم" نجحت في نقل وجهات نظر الكرملين المخالفة لمثيلاتها الغربية، وهو ما يؤكده نظراؤهم الغربيون، من اعترافهم بشكل علني أن المحطة تملك تأثيرًا كبيرًا على الرأي العام الدولي، وهذه نقطة تسجل ضدهم في الحرب الإعلامية، وتمنح القناة طابعًا أكثر مصداقية.

اقرأ/ي أيضًا: بوتين ساعد أردوغان وفتح له طريق جرابلس

والشبكة منذ تأسيسها تواجه العديد من الإشكاليات، من بينها أنها جاءت على حساب شركة "يوكوس" النفطية، التي عرضت الحكومة الروسية أصولها للبيع في مزاد علني، بحجة التهرب من دفع الضرائب، وانتقلت لشركة "روسنفت العامة" الحكومية، وحكم على مديرها التنفيذي والمعارض الروسي، ميخائيل خودركوفسكي، بالحبس عشر سنوات، وهو ما أتاح تمويل المشروع الإعلامي بأكثر من 250 مليون دولار سنويًا.

وعند الحديث عن مدى تأثير الشبكة على الرأي العام الدولي، يجب متابعة مسرى الأخبار التي تقوم بنشرها، وهنا يلحظ المتصفح تناقضًا واضحًا في نقلها للمعلومة، وعدم وجود مصداقية في معظم الأخبار المنشورة، باستثناء طبعًا تصريحات المسؤولين الروس، لأنها في الأساس وجِدت لصناعة الوهم البوتيني.

وصادف حاليًا أن مؤسس موقع "ويكيليكس"، جوليان أسانج، الذي تبث مؤتمراته الصحفية مترجمة للعربية بشكل مباشر، أراد أن يكشف مجموعة من الوثائق التي تتعلق بالمرشحة الديمقراطية للرئاسة الأمريكية، هيلاري كلينتون، اللافت في هذه القضية، أن "روسيا اليوم" تعمل على متابعتها بشكل مكثف، وفي المقابل تعمد لتسليط الضوء على جوانب من شخصية المرشح الجمهوري، دونالد ترامب، لا يتطرق إليها الإعلام الغربي، ومعروف للجميع حجم التقارب "الترامبوتيني" في الأفكار.

أما فيما يتعلق بالشأن العربي، نجد أن الشبكة تعتمد كثيرًا على مصادر خاصة "فضلت عدم الكشف عن اسمها"، في نقلها للوقائع الميدانية من أماكن مختلفة في سوريا والعراق واليمن، وتتضمن تسويفًا فاضحًا للوقائع، لعبته جيدًا خلال عملية إطباق حصارها على أحياء حلب الشرقية في سوريا، وادعاءاتها المثيرة للجدل، من بينها تواجد "الفصائل الإرهابية" داخل المدينة، وخلوها من السكان المدنيين، وهي وجهة نظر الأسد الابن.

ومنها ما يتعلق بتنظيم "الدولة الإسلامية"، مثل أنهم سينسحبون من مدينة "الموصل" العراقية إلى "الرقة" السورية، المعقل الرئيسي للتنظيم، بناء على اتفاقهم مع الولايات المتحدة والسعودية، أو عن حالات الإعدام التي ينفذها وتنقلها دائمًا عن مصادر موثوقة، ويتضح فيها مدى التهويل، وعدم صحتها لاحقًا.

اقرأ/ي أيضًا: هل تعزل موسكو نفسها دوليًا؟

من بينها عندما نشرت منذ نحو يومين، خبرًا عن عقود الزواج داخل التنظيم، وادعت أن أحد مقاتلي التنظيم تزوج من فتاة بصداق معجل "جهاز هاتف سامسونغ غالاكسي"، هكذا تمامًا وردت المعلومة، التي قالت إنها نقلتها عن صحيفة "اليوم السابع"، وما أدراك ما صحيفة "اليوم السابع"، إنها عينها التي انتدبت الصحفية المصرية، شيماء عبد المنعم، لتغطية حفل توزيع جوائز الأوسكار الأخيرة، ويومها حلت الكارثة.

وللتنويه منذ 20 يومًا، نشر المكتب الإعلامي لعملية "البنيان المرصوص" في ليبيا، عددًا من الوثائق قال إنها تعود لتنظيم الدولة، في مدينة "سرت"، وتضمنت إيصالات لمبالغ مالية، وعقود زواج صداق المعجل فيها "حزام ناسف"، و"بندقية كلاشينكوف"، لكن الهاتف لم يكن موجودًا في أي من العقود.

يلحظ المتصفح لروسيا اليوم تناقضًا واضحًا في نقلها للمعلومة، وعدم وجود مصداقية في معظم الأخبار المنشورة

كما أنها تنتشر في جميع المناطق التي يسيطر عليها النظام السوري، حتى أن لها مراسلين على خطوط التماس الأولى، وترصد جيدًا إعلامه الرسمي، ولها الأسبقية في التغطيات الصحفية، زيادةً على ترويجها الدائم لرجل النظام في مجلس الأمن، بشار الجعفري، كحديثه عن مشاركة الحكومة الفرنسية في الهجمات الكيميائية التي قصف فيها ريف دمشق آب/أغسطس 2013 من قبل قوات الأسد، وكان الحديث مزامنًا للتقرير الذي كشف استخدام الأخيرة للسلاح الكيميائي في ريف حلب في وقت سابق من العام الجاري.

وتتضح سياسة بوتين الإعلامية أكثر، إذا ما حاولنا مقارنة "روسيا اليوم" بوكالة "سبوتنيك"، الأولى تعطي أهمية للحدث السياسي أكثر من العسكري، فيما الثانية تعمل عكس الأولى، تروج جيدًا للأسلحة الروسية المستخدمة في سوريا، والتي قال عنها وزير دفاعها، سيرغي شويغو، إنها أثبتت متانتها وفعاليتها.

في رسالته التي هنأ فيها القناة بالذكرى العاشرة لتأسيسها، كتب بوتين مغردًا العام الماضي، واصفًا فريق "روسيا اليوم" بأنه ينقل "مختلف وجهات النظر حول القضايا المعاصرة الملحة"، إلا أنه نسي أن يشرح جيدًا ماهية هذه الوجهات، التي تحاول استعادة نفوذ "الاتحاد الروسي" كما يطيب لبوتين تسميته، في الشرق الأوسط تحديدًا، لكن من وجهة نظر "نيو سوفيتية"، لأن 20 عامًا كانت تكفي لدراسة أسباب فشل التجربة الماضية، وأي الجوانب التي يجب الضغط عليها لتنجح.

اقرأ/ي أيضًا:
بوتين المؤسطر في الإعلام السوري
أعتى 11 كذبة للنظام السوري