24-فبراير-2018

خلال إضاعته ركلة الجزاء في نهائي مونديال 1994 (شون بوتريلي/Getty)

في كل مرة أسمع فيها اسم روبرتو باجيو، ترتسم في رأسي بشكل آلي صورته قبل 24 سنة وهو يحني رأسه إلى الأرض، بعدما أرسل الركلة الترجيحية إلى السماء في نهائي مونديال 94. التقت الكاميرا وجه باجيو لثانية أو ثانيتين لتنتقل بعدها إلى خط الملعب، حيث كان لاعبو والجهاز الفني للمنتخب البرازيلي، يحتفلون بشكل هيستيري، بالمونديال الذي انتظروه طيلة 24 سنة، أي منذ أن قادهم بيليه للتتويج ضد إيطاليا بالذات في المكسيك 1970.

يعتقد الكثير من النقاد أن روبرتو باجيو لم يأخذ حقه من المديح والثناء، أسوة بالنجوم الآخرين، قد يكون للركلة الترجيحية المشؤومة في نهائي مونديال 94 دور في ذلك

لا أعلم إن كنت شاهدت مباريات كرة قدم قبل ذلك، لكن نهائي إيطاليا – البرازيل هي المباراة الأولى التي ترسخت بشكل واضح في ذهني. ذاكرتي عن مونديال 1994 قبل النهائي المذكور، لا تعدو كونها ألبوماً يضم عدداً محدوداً من الصور. احتفالية بيبيتو الشهيرة وإهداؤه الهدف لمولوده الجديد، الكولومبي أندريس إسكوبار على الأرض بعدما سجل هدفاً في مرمى منتخبه، الهدف الذي دفع حياته ثمناً له لاحقاً، على يد عصابة مراهنات، صورة لرودي فولر بقميص ألمانيا الأبيض. صورة لفالديراما بشعره الكثيف.. هي بضعة صور لا أكثر.

اقرأ/ي أيضًا: بيليه: من المستحيل أن يكون هناك بيليه جديد

نختار الفرق التي نشجعها في طفولتنا بالصدفة، وغالباً نقضي عمرنا ونحن ندافع عن هذا الاختيار. أشجع ألمانيا منذ مونديال 94، في النهائي كنت أتمنى أن تفوز إيطاليا. كانت هذه الخيبة الأولى لي في كرة القدم، وكنت أحمل باجيو المسؤولية.

يعتقد الكثير من النقاد أن روبرتو باجيو لم يأخذ حقه من المديح والثناء، أسوة بالنجوم الآخرين. قد يكون للركلة الترجيحية المشؤومة تلك دور في ذلك. كرة القدم قاسية أحياناً والجماهير لا تغفر بسهولة. صرّح باجيو منذ فترة ليست بعيدة: "برغم مرور السنوات لا تزال الحسرة في قلبي، أحلم باستمرار بهذه الركلة أثناء نومي، لو قُدر لي أن أمحو لحظة ما من حياتي لما ترددت بمحو تلك اللحظة".

القاسم المشترك بين كل نجوم العقود الثلاثة الأخيرة في  كرة القدم  الإيطالية، والذين سيدخلون التاريخ وسيذكرهم الجمهور دائماً، هو أنهم قضوا الجزء الأهم من مسيرتهم الكروية في فريق واحد، فتحولوا الى رموز وأيقونات مع هذه الفرق، فلا يجرؤ أحد على انتقادهم حتى عندما يتراجع أداؤهم، فيما تخلق الصحافة هالة حولهم فلا يعود جائزاً المساس بهم.

روبرتو باجيو يشذ عن القاعدة،، فهو ليس ملك روما كتوتي، ولن يسحب ميلان رقم قميصه تخليداً له وتكريماً، كما فعل ميلان مع مالديني. هو ليس معبود جماهير اليوفي كديل بييرو، ليس كبوفون الذي يلعب مع يوفنتوس منذ 2001. بل على العكس فقد لعب باجيو لفيورنتينا وميلان وإنتر ويوفنتوس وبولونيا وغيرها، أي أنه باختصار لا يملك هوية محددة وواضحة في إيطاليا، الأمر الذي يقلل من حظوظه نسبياً في الاستفتاءات واستطلاعات الرأي.

انتقل روبرتو باجيو بين أندية إيطالية مختلفة مما جعله لا يحظى بصفة نجم الفريق الواحد، الذي يدافع عنه كل أحباء فريقه ومما قلل من حظوظه نسبياً في الاستفتاءات

ولد روبرتو باجيو في العام 1967، بدأ مسيرته مع فيتشنزا، قبل أن ينتقل في العام 1985 إلى فيورنتينا، وقد تعرض خلال مسيرته مع فيورنتينا لإصابات خطيرة، مما أبطأ انطلاقته السريعة نحو العالمية. عاد باجيو من الإصابة واستعاد مستواه بسرعة، قدم نموذجاً لصانع الألعاب الهداف الذي كان منتشراً في تلك الحقبة. حتى أن نجم الكرة الإيطالية السابق ميغيل مونتوري قال عنه: باجيو هو أفضل رقم 10 في العالم، هو أفضل حتى من مارادونا في صناعة اللعب.

في العام 1990، انتقل باجيو إلى يوفنتوس مقابل 8 مليون دولار، وهو رقم قياسي يومها. سجل في موسمه الأول 14 هدفاً وصنع 12 وهو رقم ممتاز في الدوري الإيطالي، في الموسم الثاني سجل 18 هدفاً متفوقاً تهديفياً على رؤوس حربة من الطراز الرفيع، مع العلم أنه صانع ألعاب بالأساس. فقط ماركو فان باستن سجل أكثر منه في ذلك الموسم.

قدم باجيو مستويات مذهلة مع اليوفي ومع المنتخب في السنوات الثلاث اللاحقة، توجها بقيادة إيطاليا إلى نهائي مونديال 94 بفضل أهدافه وتمريراته. حل ثانياً في جائزة أفضل لاعب في العالم خلف روماريو في تلك السنة. وصل ليبي إلى جوفنتوس وبرز خلاف بينه وبين باجيو حول مركزه، كان نجم اليافع اليساندرو ديل بييرو قد بدأ بالتوهج، تعرض باجيو لإصابة قوية،  ثم قرر ليبي أن لا مكان لباجيو في خططه، لينتقل إلى ميلان، مورثاً ديل بييرو صناعة اللعب والرقم 10 وعشق الجماهير.

اقرأ/ي أيضًا: ميسي.. أسطورة العالم بلا كأس

لم يتأقلم باجيو مع طريقة لعب ميلان، ولم ينجح في تكرار تجربته الرائعة مع يوفنتوس وفيورنتينا، لم تكن العلاقة جيدة مع المدرب أوسكار تاباريز، فقام الأخير بوضعه على مقاعد البدلاء. الأمر الذي أثار استغراب زين الدين زيدان الذي قال: "لا أصدق أن لاعباً كباجيو يجلس على كرسي الاحتياط".

بعد التجربة السيئة مع ميلان انتقل باجيو إلى بولونيا، الفريق المتواضع نسبياً، فسجل معهم خلال الموسم الأول 22 هدفاً، ليثبت للجميع علو كعبه ومكانته كواحد من أفضل ما أنجبت الكرة الإيطالية.

الموسم الرائع مع بولونيا قاد باجيو إلى إنتر ميلان، الفريق الذي كان يحلم بالعب معه منذ طفولته، لم ترحمه الإصابات هناك، في موسم 1998-1999 لعب فقط 23 مباراة، سجل خلالها 5 أهداف وصنع عشرة. استلام ليبي لدفة تدريب الإنتر، المدرب الذي كان سبب خروجه من يوفنتوس في العام 1995، دفع باجيو للانتقال إلى بريشيا.

خاض باجيو أربعة مواسم رفقة بريشيا، قدم خلالها آداءً رائعاً ليصبح مع الوقت سابع هداف بتاريخ الكالشيو ب205 هدفاً. واعتزل اللعب في العام 2004 بعدما سجل في آخر مواسمه 12 هدفاً وصنع 11هدفاً وهو في سن ال37.

الحكم التاريخي معقد جداً على روبرتو باجيو، البعض يراه الأفضل في تاريخ إيطاليا، كأريغو ساكي مثلاً، البعض الآخر يأخذ عليه فشله في حسم البطولات، فإضافة الى خسارة مونديال 94، اللاعب لم يفز بالدوري الإيطالي أبداً أو بدوري الأبطال، كأن الألقاب كانت تهرب منه، أو أنه كان يصل أو يرحل في الوقت غير المناسب.

ترك يوفنتوس في العام 1995، فوصل الفريق لنهائي دوري الأبطال 96 و97 و98. ورغم أنه كان متخصصاً بتسجيل ركلات الجزاء بنسبة 88% (وهي نسبة مرتفعة جداً) فإنه قد أهدر الركلة الأهم في مسيرته.

روبرتو باجيو الذي كان يجد صعوبة في حجز مكان أساسي مع ميلان وإنتر في بعض الفترات، كان قد قال عنه أريغو ساكي ( مدربه في المنتخب ) يومًا: "لا أسحب باجيو من فريقي مقابل أي لاعب، حتى لو كان مارادونا نفسه". والذي قال عنه رونالدو بعد انضمامه، أي باجيو، إلى الإنتر عام 98: "لعبت مع الكثير من النجوم في النادي والمنتخب، لكن لا أحد كباجيو، هو ذكي وقوي ورائع".

 

اقرأ/ي أيضًا:

لاعبون وأساطير لم يلعبوا يومًا في أوروبا

ملك روما شابٌ في الأربعين