26-سبتمبر-2022
گري چیتکي

رواية گري چیتکي

صدرت حديثًا عن "دار تموز ديموزي" الرواية الأولى للكاتب السوري سعيد قاسم بعنوان "گري چیتکي"، وفيها يحاكي رحلة الصيف والشتاء للكرد الرّحل خلال القرن التاسع عشر، عبر أربعة فصول، عدد صفحاته 158 صفحة من القطع المتوسط، أما الغلاف فمن رسم وتصميم الفنان جواد مراد.

تحاكي رواية "گري چیتکي" في سردها رحلة الصيف والشتاء للكرد الرّحل خلال القرن التاسع عشر

مثّل القرن التاسع عشر حقبة زمنية مِفصلية في تاريخ المجتمعات المحلية في المنطقة، وعلى الخصوص في جغرافية الرواية "سهل نينوى- سنجار- جزيرة بوطان- شرنخ - هركول- كافاش- بحيرة وان"، وهي الفترة التي تدهورت فيها أحوالها على  مستويات عدّة، بدايةً على المستوى الاقتصادي، بسبب انتشار المجاعات والأوبئة التي رافقتها متأثرة بعوامل اقتصادية وتجارية عامة في السلطنة العثمانية، وكذلك تراجع التجارة متأثرة بضعف الاستقرار الأمني وانشغال العثمانيين بجبهات عسكرية مختلفة، وليس انتهاءً بعوامل سياسية واجتماعية لجهة تأثّر المجتمعات المحلية بتصاعد الأفكار القومية والدينية، وانتقالها من مرحلة التعايش والتنافس إلى مرحلة الصِراع السياسي،  حيث صار يُنظر إلى الآخر المُختلف على إنّه خطر وجوديّ.

وساعدت جملة من الصراعات الدولية ووجود لاعبين دوليين ومحليين على تغذية الصراع، سواء الصراع الروسي- العثماني وتحديدًا بعد تمكّن روسيا من احتلال أرمينيا خلال أعوام (1812-1828)، أو صراع الولاة العثمانيين فيما بينهم أو بين السلطنة وبعض الإمارات التي سعت إلى الاستقلال ردًّا على بعض الإجراءات التي قام بها السلطان العثماني محمود الثاني؛ كتقليصه لصلاحيات الإمارات، وتحويله شكل النظام الإداري من الحالة اللامركزية إلى المركزية، وكذلك دخول بعض الدول الغربية على خط سير الأحداث ومحاولاتها التأثير في مساراتها بما يتوافق مع مصالحها، وعلى وجه التحديد المملكة المتحدة.

وقال الكاتب سعيد قاسم في حديث لـ"ألترا صوت": "عشيرة ميران من الكوجر (الكرد الرحّل) هي إحدى المجتمعات التي تأثّرت بتلك الصراعات، فرض عليهم انتقالهم وحركيّتهم المستمرّة خوض صراعات وجوديّة على أكثر من صعيد، دفاعًا عن نمط الحياة التقليدي القائم على التنقّل المستمرّ، كما وكان التأثّر على  المستوى الاجتماعي والثقافي أيضًا، إذ إنّ حياة الكوجر كلٌّ متكامل، بل إنّ التشكيل الثقافي والفكري والوجودي لديهم كان مرتبطًا بالحالة الاقتصادية، والمرتبطة بدورها بالماشية المتنقلة من مكان لآخر، ولأنّ العشيرة كانت تعيش حالة استقرار ونماء اقتصادي ولا تتأثر كثيرًا بما يحصل من مجاعات وأوبئة، حاولت بعض القوى المؤثرة في المنطقة استمالتهم إلى جانبها".

سعيد قاسم
الكاتب سعيد قاسم

وأضاف: "تتناول الرواية حدثًا تاريخيًا، وهي معركة گري چیتکي والتي تعني "تل القصب" حرفيًا، والتي دارت في تاريخ غير معلوم تمامًا من الربع الأول من القرن التاسع عشر، وگري چیتکي هو الاسم الإيزيدي لموقع موجود في قرية تل خنزير جنوبي منطقة ديرك "المالكية" التابعة لمحافظة الحسكة في سوريا، والحدث عبارة عن غزوة قبليّة، قام بها تحالف من عشائر إيزيدية بقيادة قائد يدعى حسين دنبلي ضد عشيرة ميران الكردية المُسلمة، وتختلف هذه الغزوة عن الصراعات التقليدية بين العشائر الكردية والعربية والإيزيدية لجهة غموض خلفيّاتها؛ كما أنّ الحادثة غير موثّقة تاريخيًا. ولعل ما دفعنا إلى التشكيك بوجود أبعاد سياسية وراء الحدث، هو الرواية الإيزيدية للحادثة التي تقول إنّ العشائر الإيزيدية اتفقت على مهاجمة عشيرة ميران، واشتبك المهاجمون مع ميران ومتحالفين معها من قوميات مختلفة والتي اجتمعت على مهاجمة الإيزيديين، وهو دافع يختلف جوهريًا عن المناكفات والصراعات التقليدية التي حصلت بين المجتمعات المحلية آنذاك، إذ كان الدافع الاقتصادي باعثها الرئيسي محكومة بظروف المجاعات والأوبئة آنذاك".

وقد آثر الكاتب، نظرًا لعدم توفّر مراجع تاريخية كافية، الاعتماد على مقارنات مع تاريخ مجتمعات المنطقة، لاسيما تاريخ منطقة سنجار وطبيعة علاقاتهم مع ولايتي بغداد والموصل، وكذلك بالاستناد على بعض المرويات الشعبية وما احتفظتْ به ذاكرة بعض العجائز وبعض المهتمين، وعليه يخبرنا: "قمتُ بمعالجة الحدث التاريخي روائيًّا، وبالتأكيد لم أسعَ إلى توثيق الحدث والمرافعة عن مجتمع ما ومحاكمة آخر، وإنما كانت محاولة للغوص في عوالم المجتمع الرعوي الكردي في تلك الحقبة، وفهم دوره في الصراعات السياسية الدائرة خلال تلك الحقبة، وسرد حكاية  الناس العاديين حسب ما يناسب أصول كتابة النص الروائي".