23-يناير-2019

أرونداتي روي

ألترا صوت – فريق التحرير

مثّلت الكاتبة والناشطة السياسية الهندية أرونداتي روي، النموذج الأكثر تأثيرًا للكاتب أو الروائي الذي يسعى للمزج بين التوثيق السياسيّ من جهة، والأدب المُتخيّل من جهةٍ أخرى.

لا تخرج رواية أرونداتي روي الجديدة عن التوصيفات العامّة لعالمها الأدبي الذي سبق وأن بلورته في "إله الأشياء الصغيرة"

صدور عملها الروائي الأوّل "إله الأشياء الصغيرة" عام 1997 كان كافيًا لتحديد التوصيفات العامّة لعالم روي الأدبيّ، الذي تبدّى أنّ أكثر ما سيكون ثابتًا فيه، هو شغف روي ومسعاها في إثبات أنّ الوثيقة من الممكن أن تكون أفضل من الفن، دون أن تدير ظهرها في الوقت نفسه للفن، بل اشتغلت على الجمع بينهما ضمن قالب أدبيّ مختلف، تسعى فيه إلى قول كلّ شيء عن المجتمع الهنديّ المعقّد في جوهره، والذي ينطوي في الأساس على زيفٍ كبير، دونه يبدو عفنًا كمستنقع.

اقرأ/ي أيضًا: أرونداتي روي.. مجتمع المُهمشين درس في السعادة

بعد أكثر من عشرين عامًا من الانقطاع عن الكتابة والانشغال بالنشاط السياسيّ والحقوقيّ، عادت روي إلى المشهد الأدبي من خلال رواية جديدة حملت عنوان "وزارة السعادة القصوى"، صدرت للمرّة الأولى عام 2017، وصدرت ترجمتها العربية قبل عدّة أيام عن "دار الكتب خان" بترجمة أحمد شافعي.

لا تخرج رواية أرونداتي روي الجديدة عن التوصيفات العامّة لعالمها الأدبي الذي سبق وأن بلورته في "إله الأشياء الصغيرة". وفي الرواية الجديدة، يطالع القارئ نقدًا لبنية المجتمع الهنديّ، والنبش في تاريخه الطويل والحافل بالأزمات والصراعات التي تتنوّع أسبابها، وهويّات المنخرطين فيها، فتكون تارةً صراعاتٍ ذات بُعدٍ طائفيّ، قبل أن تتحوّل إلى صراعٍ طبقيّ، وبالمحصّلة، تعمل كلّها على وضع هذا المجتمع تحت وطأة ما ينتج عنها في النهاية، وما يُحدّد معالم فترة زمنية معيّنة، وقد تكون قصيرة، وما نعنيه بعبارة فترة هنا هو الهدنة التي من الممكن أن تصمد، ومن الممكن ألّا تفعل ذلك. وبالتالي، نُلاحظ هذا التأهب أو الاستعداد المستمر عند شخصيات العملين لأيّ صراعٍ جديد، كيقين وإيمان منهم بأنّ لا شيء ممكن أن يتوقّف إلى الأبد.

هكذا، نكون إزاء كاتبة على دراية ومعرفة عميقة بالواقع السياسيّ والاجتماعيّ للهند خلال العقود الماضية. فتقول للقارئ، عبر طيفٍ واسع من الشخصيات والأصوات، أنّ المجتمع الهنديّ يمكن أن يكون صالحًا لأي شيء، باستثناء أن يكون أمّة واحدة ومتكاملة لجميع مواطنيها. وفي موازاة ذلك، فهي تكذّب أيضًا مقولات تفيد بأنّ كلّ من هم ليسوا مواطنين هنود، هم بالضرورة مواطنون بالدرجة الثانية.

في رواية "وزارة السعادة القصوى"، نقف إزاء كاتبة على دراية ومعرفة عميقة بالواقع السياسيّ والاجتماعيّ للهند خلال العقود الماضية

تفعل أرونداتي روي ذلك من خلال حكاياتٍ عدّة جمعتها معًا في عملها الروائي هذا. وتفرد المساحة الأكبر لحكاية طفلٍ يولد في مدينة دلهي القديمة، يكبر مُحاولًا إقناع الآخرين بأنّه أنثى، في ظلّ إصرار عائلته على أنّه ذكر، كما تراه، وكما هو جسده في الواقع. الطفل الذي أطلق على نفسه اسم "أنجم"، ينشأ بين المنبوذين بسبب هويتهم الجنسية، ويتعرّف هناك إلى الغناء والآلام والشقاء، وتختبره الحياة بكلّ القسوة التي تُفضي به في نهاية الأمر إلى القبر، المكان الذي تصوّره روي بأنّه الوحيد الذي يتقبّل الاختلاف، أو يُحقِّق السعادة للآخرين.

اقرأ/ي أيضًا: التاريخ الدموي للسعادة.. الأوتوبيا الأقسى

في موازاة ذلك، هناك حكاية أخرى تتحدّث عن امرأة تعيش كلّ تقلّبات المجتمع، وتختبر نتائج الصراع الذي يدور في كشمير، ما يجعل منها ضحيةً لكلّ التحوّلات والمتغيّرات التي تنهي نمط حياة وتجيء بآخر جديد يصير من الصعب التأقلم معه بصورةٍ سريعة. وكنتيجةٍ طبيعية لذلك، نقف إزاء شخصيات قد لفظتها المدينة، ونزعت عنها هويّتها الأولى؛ تغرق في الصراعات الطائفية والطبقية، وتكمّل في ما تختبره صورة الهند التي تريد أرونداتي روي أن تبلورها للقارئ دون إضافات أو تزييف، وباشتغال واضح على الجانب الفني.

 

اقرأ/ي أيضًا:

"فتاة القطار".. رواية عن نساء على الحافة