04-يناير-2019

سفيان مخناش (فيسبوك)

أفصح السارد منذ بداية رواية "مخاض السلحفاة، قصة بوذا الذي لم يعبد" (دار ميم، 2017) للجزائري سفيان مخناش عن تصوره الخاص للكتابة، إذ يبدو أنه يميل إلى اعتبار الرواية إبداعًا عفويًا، وأنّ الروائي لا يحتاج إلى تعلّم هذا الفن، بل لا يجد حاجة إلى قراءة النصوص الروائية الكبرى. الكتابة هي لحظة إبداعية بحتة، تأتي كتوافق بين الرغبة والإحساس بالواقع

الكتابة هي لحظة إبداعية بحتة، تأتي كتوافق بين الرغبة والإحساس بالواقع

نشعر، من خلال كلام السارد، أنّه يقيم تقسيمًا بين الكلام الروائي من الجهة، وبين ما يمكن أن نسميه بكلام النقاد/ القراء؛ فهو كثير التردد على صيغة لا يجب أن... كأنّ وصفة الكتابة هي غياب أي وصفة محددة. إلاّ أنّ صيغة نفي الإلزام يخلق إلزامًا عكسيًا.

اقرأ/ي أيضًا: "مخاض سلحفاة".. رواية الواقع الجزائري البطيء

بطل الرواية، طبيب، يعيش قصة حب من نوع خاص. بعد أن تحوّل إلى شخصية في رواية حبيبته السادية. لقد انتقمت منه بأن فضحته في عملها الروائي. هو الآخر انبرى لكتابة رواية تكون هي شخصية محورية فيها، ينتقم منها بنفس الأسلوب. إننا أمام نصين متناظرين: نص الحبيبة والذي يحضر كنص غائب، ونص السارد – البطل الذي من خلاله نتعرّف على تفاصيل حياته وتجربته معها.

تنتمي الرواية إلى رواية تيار الوعي، لأنّها اعتمدت على أسلوب البوح الذاتي، فأنا السارد هيمنت على الرواية، بالإضافة إلى استغراقها في تصوير الحالات النفسية، واستعادة الذكريات وتصويرها من خلال لغة مشحونة بالانفعالية. هناك قدر كبير من العاطفة – حب، حقد، أنانية، كراهية، غضب، مازوشية... إلخ في الرواية، لهذا انعدمت الأفعال، وكان ذلك على حساب الحالات والتجارب الانفعالية التي عرف السارد كيف يقولبها داخل فقرات سردية مكثفة.

اللغة الشاعرية كانت حاضرة بكثافة، حتى أنه يمكن قراءة كل فقرة من الرواية كنص مستقل ومكتمل الدلالة. ومن جهة أخرى، يسهل ملاحظة تأثيرات الأسلوب الأحلامي – نسبة إلى الروائية أحلام مستغانمي – على الرواية، فالقدرة على صياغة الجملة السردية بكثير من المعالجة اللغوية الجميلة كانت سمة هذه الرواية، وهي إحدى أكبر مميزات الأسلوب الأحلامي، ويمكن الاستعانة بأمثلة كثيرة من الرواية.

نقطة قوة الرواية قدرتها على توظيف الثقافة الشفوية الشعبية، من أمثال ومقولات، بل وحتى توظيف قصص من الواقع، وتدويرها بحيث تندمج في نسيج الرواية بشكل متناسق. لهذا، تخللت لغة الرواية ملفوظات من اللغة الدارجة، ومن اللغة الفرنسية والانجليزية ومقاطع من أغاني شعبية وأخرى غربية. هذا التهجين اللغوي حرر الرواية من السلطة الأحادية للغة العالمة، بل أنّ هذا التوظيف جعل الرواية أقرب إلى التنوع اللغوي الذي يتميز به الواقع الجزائري، مراعية أنماط التفكير والتدبر اليومي.

وبالنسبة لمصطلح تيار الوعي فقد ابتدعه وليم جيمس، استخدمه للدلالة على منهج في تقديم الجوانب الذهنية للشخصية في القصص (روبرت همفري، تيار الوعي في الرواية الحديثة، تر: محمود الربيعي، ص22).

في تعريف آخر، فهذا النوع من الروايات يركز أساسًا على نوع من مستويات ما قبل الكلام من الوعي، بهدف الكشف عن الكيان النفسي للشخصيات.

يرى وليم جيمس بأنّ المقصود بتيار الوعي هي حالة تدفق فيضاني للمشاعر والذكريات والأفكار التي تقع خارج الوعي الظاهر. إنّ الاهتمام بالوعي الإنساني في الروايات هو اهتمام حديث، هدفه تحليل الطبيعة الإنسانية.

الاهتمام بالوعي الإنساني في الروايات هو اهتمام حديث، هدفه تحليل الطبيعة الإنسانية

اقرأ/ي أيضًا: مكتبة سفيان مخناش

ما يهتم به تيار الوعي هو التجربة العقلية والروحية للروائي بما يتصل تحديدا بالماهية والكيفية. إذ تشمل الماهية أنواع التجارب العقلية من الأحاسيس والذكريات والتخيلات والمفاهيم وألوان لحدس، في حين تضطلع الكيفية بألوان الرمز وعمليات التداعي.

 

اقرأ/ي أيضًا:

رواية "خارج السيطرة": الجريمة بنيان غير مرصوص

فيصل الأحمر.. الدّفاع عن الحقّ في السّرد