15-يونيو-2018

نازك سابا يارد توقّع روايتها

تكتب الروائية اللبنانية نازك سابا يارد (1928) في روايتها الجديدة "فقدان" (دار هاشيت أنطوان – نوفل، 2018) نصًّا روائيًا مُشيَّدًا على تيمة الفقد، الذي أخذ يتحوّل، شيئًا فشيئًا، ومع متوالية الأحداث التي لا تكاد تخلو منه، إلى شخصية رئيسية قائمة بنفسها داخل العمل. ووفقًا لها، لا للراوية، تسير الشخوص ضمن خطّ سردي دائري يبدأ من "الفقد"، ويعود بها إليه مرّة أخرى، وإن جاء بشكلٍ يختلف عن سابقه. وإذ بنا إزاء رواية تطغى فيها الفقد، كفكرة وتيمة، على عناصرها الأخرى.

في رواية نازك سابا يارد، يطغى الفقد، كفكرة وتيمة، على عناصرها الأخرى

تغيب "روح" الرواية في رواية نازك سابا يارد الثامنة، أو تتوارى خلف الأسلوب الذي قدّمت به صاحبة "نقطة الدائرة" الحكاية باستسهال شديد ومُحيّر، أبعد الرواية عن مناخات الرواية الحديثة، وأساليبها السردية المُعقّدة، والتي من شأنها أن تُجنّب العمل أحيانًا الملل الذي قد يُصيبه، لا نتيجة الاستسهال وحسب، إنّما النهاية التي تبدو هنا واضحة وصريحة للقارئ، وذلك قبل أن يصل إليها.

اقرأ/ي أيضًا: ربيع جابر.. الفتنة البيروتية

الحكاية بدورها لا تقدّم ما يُساعد الرواية على تجنّب الوقوع في فخ الملل، ذلك أنّها حكاية بسيطة لا تستدعي أي جهد عقليّ للإحاطة بمضامينها. هي حكاية فؤاد دهمان، أستاذ جامعي يجد نفسه وحيدًا بعد تقاعده وفقده لعددٍ من أصدقاءه. يُقابلها على الجانب الآخر حكاية لميا حداد، والتي تجمعها علاقة حب سابقة بفؤاد، تنتهي ببساطة شديدة ومحيّرة. وعدا عن علاقة الحب هذه، يجمع الاثنان معًا "الفقد" الذي يشكّل محورًا رئيسيًا في حياتهما. يفقد فؤاد في صغره شقيقه، قبل أن يفقد لاحقًا والده في حادث سير، تلاه فقده للميا، ومن بعدها فقده لوالدته بعد وفاتها، وأخيرًا فقده لمكانته وما كان يحوزه من اهتمام أثناء عمله في حقل التدريس الجامعي. لميا هي الأخرى تفقد بدورها فؤاد، وإن بإرادتها، يتلوه فقدها لعائلتها بعد أن قرّرت الزواج بعمر الـ "مسلم"، والذي سوف تفقده أيضًا في حادث سير بعد سنوات قليلة من زواجهما. ولا يقتصر الفقد على فؤاد ولميا، شخصيتيّ الرواية الرئيستين، بل يمتد ليشمل شخصيات الرواية الثانوية، إذ نتعرّف إلى صديقة لميا التي فقدت عذريتها بعد اغتصابها، وابن شقيقة فؤاد الذي فقد وطنه وأصدقاءه بعد سفره، وغيرهما.

[[{"fid":"100755","view_mode":"default","fields":{"format":"default","field_file_image_alt_text[und][0][value]":"رواية نازك سابا يارد","field_file_image_title_text[und][0][value]":"رواية نازك سابا يارد"},"type":"media","field_deltas":{"1":{"format":"default","field_file_image_alt_text[und][0][value]":"رواية نازك سابا يارد","field_file_image_title_text[und][0][value]":"رواية نازك سابا يارد"}},"link_text":null,"attributes":{"alt":"رواية نازك سابا يارد","title":"رواية نازك سابا يارد","height":332,"width":200,"class":"media-element file-default","data-delta":"1"}}]]

تمتد حكاية فؤاد ولميا على ثلاث مدن هي بيروت ونيويورك ودبي. تبدأ الحكاية في بيروت وتنتهي فيها أيضًا، وما بين البداية والنهاية، تسرد الراوية التي أخذت على عاتقها رواية حكايتهما، تفاصيل وأحداث قدّمت لنا من خلالها هاتين الشخصيتين، ليتكوّن لدينا انطباعًا كافيًا عن حياتهما وسلوكهما.

هكذا سوف نتعرّف إلى فؤاد الذي يستعدّ للسفر بعد حصوله على منحة دراسية في إحدى جامعات مدينة نيويورك. بينما تقرّر لميا، وبعد يأسها من انتظار اتصال فؤاد بها، بالإضافة إلى يأسها من العثور على عمل في لبنان، السفر إلى دبي بقصد العمل. هناك سوف تلتقي بصديق طفولتها عمر الذي يُخرجها من عزلتها ووحدتها في المدينة التي لا تعرف فيها أحدًا، وعلى هذا النحو، تتحوّل اللقاءات القصيرة بين الاثنين إلى قصّة حب تبلغ أقصاها في بيروت، بعد عودتهما، منفردين، إليها.

تبدو النهاية، في رواية "فقدان" لنازك سابا يارد، واضحة وصريحة للقارئ، حتى قبل أن يصل إليها

على المقلب الآخر، كان فؤاد قد عاد إلى بيروت أيضًا بعد أن وصله خبر وفاة والده ودخول والدته في غيبوبة. وفي المستشفى الذي تحتضر به الأخيرة، يلتقي فؤاد بلميا، ويشرح لها أنّه فقد هاتفه حين وصل إلى نيويورك، ولذلك لم يتمكّن من الاتصال بها. ولكنّ لميا تعود بعد أيام قليلة لتخبره نيتها الزواج من عمر، لتنتهي العلاقة دون جدالات أو سجالات، ببساطة تكوّن هي الأخرى جزءًا من الاستسهال الذي تُروى من خلاله الرواية.

اقرأ/ي أيضًا: فوزي ذبيان.. فن صناعة الضحايا

تحضر المدن الثلاثة هنا كدلالة على شتات لا يزال يعيشه الإنسان اللبنانيّ، وإن بإرادته. بالإضافة إلى أحاديث مختصرة بين شخوص الرواية عن الحرب الأهلية، والتجاذبات الطائفية، والطائفية التي تزال قائمة ومستمرّة، بالإضافة إلى ما يُسمّى بأزمة اللاجئين السوريين، والصراعات السياسية بين الأحزاب اللبنانية. مواضيع عديدة حاولت نازك سابا يارد تمريرها في روايتها هذه التي نهضت بكاملها على الفقد الذي احتلّ مساحة الرواية كاملةً، برفقة قصّة حب قابلةً للانهيار في أي وقتٍ كان. ما أثار، أضف إلى ما سبق وذكرناه، تساؤلات لا تنفكّ تطارد القارئ بعد انتهائه من القراءة، كـ"أين الرواية"؟

 

اقرأ/ي أيضًا:

قراءات في ذكرى إملي نصر الله

الحرب الأهلية اللبنانية في خمس روايات