26-يونيو-2018

غلاف الكتاب

الاشتغال على الذاكرة وإزاحة اللثام عن حياة المناضل الفرنسيّ الشيوعيّ فرنان إيفتون وإعادة كتابة سيرته التي طواها النسيان في التاريخ الرسمي بقصد إعادتها إلى الحياة مجدّدًا، يبدو أنّه ما يعني الروائي الفرنسيّ جوزيف أندراس (1984) في روايته الأولى "عن إخواننا الجرحى" (منشورات البرزخ، الجزائر 2018) ترجمة الكاتب والشاعر الجزائريّ صلاح باديس.

تزيح رواية "عن إخواننا الجرحى" اللثام عن حياة المناضل الفرنسي الشيوعي فرنان إيفتون

هكذا، يعود جوزيف أندراس إلى خمسينات القرن الماضي في الجزائر العاصمة، وتحديدًا إلى حي سالامبي، حيث نتعرّف إلى فرنان إيفتون طفلًا في البداية، لأب فرنسيّ وإم إسبانية، ثمّ ملازمًا في الجيش الفرنسيّ. كان دخوله إلى الجيش نقطة التحوّل الكبيرة في حياته، ذلك أنّه صُدم بما رآه من مجازر وحشية وانتهاكات مريرة يرتكبها الفرنسيون بحق الجزائريين، ما دفعه على الفور إلى الانشقاق عن الجيش، والالتحاق أولًا بالحزب الشيوعي الجزائريّ، وثانيًا، بجيش التحرير الوطنيّ الجزائريّ.

اقرأ/ي أيضًا: ماتياس إينار: الفصل بين الشرق والغرب مصطنع

نال إعجاب ومحبّة رفاقه في جيش التحرير، لا سيما بعد قيامه بعدد من العمليات العسكرية التي استهدفت العسكريين الفرنسيين، وكان آخرها محاولته زرع قنبلة في المصنع الذي كان يعمل به، قبل أن يُلقى القبض عليه قبل انفجار القنبلة، ويُرمى في سجن بربروس بانتظار حكم الإعدام الذي صدر بحقّه، ونُفّذ في تاريخ 11 شباط/ فبراير سنة 1957. ليصير بذلك الأوروبّي الوحيد الذي تعدمه فرنسا بهذه الطريقة بسبب مشاركته في الثورة الجزائرية، علمًا أنّ القنبلة التي وضعها فُكِّكت ولم تنفجر. وكان إعدامه عبر قطع رأسه رسالةً مباشرةً وصريحة للأوروبيين المتعاطفين مع الثورة والملتحقين بها.

تصوّر الرواية ما تعرّض له فرنان إيفتون من تعذيب وعنف داخل السجن. وعلى الجانب الآخر، نجد أنّ جوزيف أندراس لا يركّز على جانب فرنان إيفتون النضالي فقط، ومعاناته داخل السجن، بل يذهب أبعد من ذلك، إذ تعود الرواية في "فلاش باك" متكرّر لعلاقة فرنان إيفتون بزوجته هيلين التي التقاها في سفره إلى فرنسا بعد مرضه، وكانت آنذاك تعمل نادلة في أحد المقاهي، قبل أن ترافقه إلى الجزائر حيث تزوجا بعد سنوات الحب التي عاشاها معًا. هكذا، يكوّن جوزيف أدراس بذلك للقارئ صورة تقريبية عن هذا الرجل، منذ طفولته وحتّى إعدامه.

يصف مترجم العمل الجزائريّ صلاح باديس بأنّه ليس وثيقة تاريخية بقدر ما هي قصيدة طويلة عن حياة الأفراد، كبارًا وصغارًا، تحت مطحنة الماكينة الاستعمارية الكبيرة.

رواية "عن إخواننا الجرحى" بمثابة قصيدة طويلة عن البشر تحت مطحنة الماكينة الاستعمارية

وفي أحد الحوارات التي أُجريت مع الروائي جوزيف أندراس، يقول إنّه حاول الإحاطة بالحالات النفسية التي تختبئ خلف صورة فرنان إيفتون. ويضيف: "من النّادر أن نُصادف حالة يقرّر فيها شخص ما، ذات صباح، وضع قنبلة، في مصنع. المنشور يحمل أجوبة، والأدب يحمل أسئلة. أنا لا أواجه الاثنين، فهما مرحلتان، ويتوجّب علينا أن نحافظ على استقلاليتنا، مع أنهما، أحيانًا، يتقاطعان". ويردف قائلًا: "وهذه حقيقة، لكن هذه الرواية تتموقع، أولًا، في صفّ المضطهدين. المناضل والفيلسوف فرنسيس جونسون، وعلى العكس من إيفتون، لم يكن يتحدّث كجزائري، لكنه حكى كيف أن "الخيانة" يمكن أن تتحوّل إلى "وفاء" بخيانة فرنسا – ظاهريًا – أي بدعم الثوريين الجزائريين، جونسون كان يعدّ نفسه وفيًا لفرنسا، التي كان يحملها في قلبه. فرنان إيفتون جزائري، وكما قال خلال محاكمته، هو أحبّ فرنسا. كان يستهدف نظامًا وهياكل ومنظومة، لا شعبًا ولا ثقافة. نعم، نستطيع دعم فرنسا، من خلال تحطيم الإمبراطورية".

اقرأ/ي أيضًا: يوسا.. هل السياسة أقرب إليه من الفن؟

يُذكر أنّ جوزيف أندراس كاتب فرنسي من مواليد مدينة نورمندي سنة 1984، صدرت روايته هذه "عن إخواننا الجرحى" سنة 2016 عن دار (Actes Sud)، وحصلت على (جائزة الغونكور الأولى) ولكنّ جوزيف أندراس رفضها، مُفسِّرًا الأمر بأنّ الكاتب يجب ألّا يُكافأ على عمله بغير القراءة.

 

اقرأ/ي أيضًا:

"واحد - صفر للقتيل".. كمال الرياحي طاردًا الأرواح بالكتابة

5 مقالات من أشهر ما كتب ديفيد فوستر والاس