29-نوفمبر-2020

الكاتب الأرجنتيني باتريثيو برون

ألترا صوت – فريق التحرير

أصدرت "منشورات ذات السلاسل" حديثًا رواية "من دفتر الدكتاتورية الأرجنتينية: روح أبي تصعد في المطر" للكاتب الأرجنتيني باتريثيو برون، ترجمة أحمد اللطيف، وهي الخامسة في مسيرة مؤلفها الذي يعتبر أحد أكثر الأسماء الأدبية البارزة في الأرجنتين والدول الناطقة باللغة الإسبانية خلال السنوات العشر الأخيرة، ويوصف بأنه امتداد لمواطنيه خورخي لويس بورخيس، وخوليو كورتاثر.

ترسم رواية "روح أبي تصعد في المطر" تاريخ الأرجنتين التي اختبرت زمنًا صعبًا عنونته حوادث الاختفاء القسري والاعتقالات العشوائية

تشكلت اهتمامات باتريثيو برون الأدبية أثناء قراءته للأعمال المنتمية إلى أدب "الواقعية السحرية" السائد في أمريكا اللاتينية، ولكنه، رغم ذلك، لا يرى في أعماله الأدبية امتدادًا لهذا التيار الأدبي، إن إذ اهتماماته كمؤلف أخذت فيما بعد منحىً آخر مختلف يبدو حاضرًا في روايته هذه التي تنزع نحو الواقعية البحتة، اليومية والمعاشة، باعتبارها ركيزة أساسية للحكاية الممتدة زمنيًا منذ السبعينيات، سنوات 1976 و1977 تحديدًا كونها شهدت بداية الدكتاتورية العسكرية، وحتى عام 2010.

اقرأ/ي أيضًا: 12 رواية قصيرة لثربانتس

خلال هذه الفترة الزمنية، يرسم الكاتب الأرجنتيني تاريخ بلاده التي اختبرت زمنًا صعبًا عنونته حوادث الاختفاء القسري والاعتقالات العشوائية والقتل بصفتها وسائل السلطة الجديدة لمواجهة المعارضة من جهة، وبث الرعب داخل بقية أفراد الشعب بهدف ضمانة صمتهم من جهةٍ أخرى، والبدء بعد ذلك بتثبيت أركانها، ونقل البلاد من حال إلى أخرى مختلفة يتعرف عليها القارئ عبر حكاية شابٍ ينقب في تاريخ والده الذي ينشغل بدوره بالتنقيب في حادثة قتل مواطن تقود تفاصيلها إلى اكتشاف حادثة قتل أخرى بحق فتاة كانت قد اختفت خلال فترة السبعينيات، ليتبين فيما بعد أنها قتلت في مبنىً تابعًا لقوات الأمن، ذراع سلطة العسكر بعد انقلابهم.

اعتمد باتريثيو برون أثناء بنائه لعمارة "روح أبي تصعد في المطر" على مادة صحفية أنجزها والد البطل حول حادثة القتل أعلاه، وانطلق منها باتجاه الحكاية المبنية على هذه المادة التي تشكل خطًا يبدو مستقيمًا، ولكنه في الواقع وعند تدقيق البطل في شكله ومساره، يتضح له أنه متعرج ومليء بالتفريعات التي تسير به إحداها إلى حادثة اختفاء الفتاة ومقتلها، وتعيده في الوقت نفسه إلى أحداثٍ مضت متعلقة بوالده، الصحافي المعارض المهدد إلى جانب زوجته بالقتل، وهو ما بدا أمرًا معتادًا ومتوقعًا في ظل حكم العسكر، ولعل هذا ما دفع والد البطل بعد سقوط النظام بداية الثمانينيات إلى تفقّد سيارته ليتأكد من أنها لا تحمل قنبلة اعتاد العسكر على انهاء حياة معارضيهم عبر زرعها أسفل سياراتهم.

تقوم حبكة رواية "روح أبي تصعد في المطر" على التنقيب في حكايات قتل تقود كلٌّ منها إلى حكاية قتل أخرى

اقرأ/ي أيضًا: "موكب الظلال".. أصداء الحرب الأهلية الإسبانية

تتشعب وتتعدد أحداث وحكايات رواية المؤلف الأرجنتيني، حيث الوصول إلى نهاية حادثة/ حكاية، يقود بالضرورة نحو حكاية/ حادثة أخرى هناك ما يجمعها مع تلك التي انتهت، بدءًا من إعادة تشكيل خارطة جديدة لحقبة قاسية ومظلمة اختبرتها الأرجنتين، وتقديم صورة شبه بانورامية لحياة الأرجنتينيين خلال تلك الحقبة وما تلاها: عودة حرية التعبير، تطبيق سياسات اقتصادية جديدة، فشل تلك السياسات، إفلاس الدولة، انتشار الفقر وزيادة معدلاته؛ مرورًا بتشكيل صورة تقريبية لتاريخ البلاد الحديث، وانتهاءً بتوضيح تبعات كل هذه الأحداث على الفرد تحديدًا باعتباره وبمعنىً أو آخر، انعكاسًا لحال الجماعة.

 

اقرأ/ي أيضًا:

فرجينيا وولف في سيرتها.. أسئلة الزمن والموت

رمزية نموذجية في رواية "امتلاك سر البهجة" لأليس ووكر