17-يناير-2018

فادي عزام

لا تقوم رواية "بيت حُدُد" (دار الآداب، 2017) للروائيّ السوريّ فادي عزّام على شخصيّة مُحدَّدة، إنّما على فكرة تتطوَّر باستمرار داخل الرواية لتصل إلى ما هو مُبتغى منها، مشكِّلةً عدّة حكاياتٍ تتفرَّع من الحكاية الواحدة، وتصبُّ جميعها في فكرة واحدة أيضًا؛ تتمثَّل في تعرية واقع الحياة اليوميّة السوريّة من كلّ جوانبها، منذ عهد حافظ الأسد وحتّى قيام الثورة السوريّة سنة 2011، راصدةً وكاشفةً ما هو مخفيّ من ممارسات النظام القمعيّة والوحشيّة وما يُمارسه رجاله من عمليات ابتزاز بُغيةَ تحقيق مصالحهم الشخصيّة.

وزّع فادي عزّام حكايات روايته "بيت حُدُد" على عدّة شخصيّات، فاتحًا مجالًا واسعًا للخيال

وزّع فادي عزّام حكايات الرواية على عدّة شخصيّات، فاتحًا مجالًا واسعًا للخيال الذي يُحيل القارئ إلى الواقع مُباشرةً، مانحًا لكلّ شخصيّة أفكارًا مختلفة حيال الواقع والنظام والثورة ومرحلة ما بعد الثورة، مُقيمًا تلك الأفكار على تجارب شخصيّة لتلك الشخصيّات، إن كانت داخل سوريا أو في المنفى، اختياريًّا كان أم إجباريًا. رغم تعدّد الشخصيّات، إلا أنّ شخصيتيّ فضل/فيديل وأنيس تشكّلان ركائز الرواية والحكاية معًا، إذ أنّ بقية الشخصيّات وجدت نتيجة احتكاكهما بها، وكذلك الحكايات أيضًا.

اقرأ/ي أيضًا: "بيت حُدد" لفادي عزام.. رواية السوري المزدوج

تبدأ رواية فادي عزّام من مدينة دبي الإمارتية، ومن على شط الجميرة تحديدًا؛ حيث يتلقّى فيديل/فضل اتصالًا هاتفيًّا من الدكتور عمران، يعرض عليه من خلاله السفر إلى دمشق للترويج لمستشفى جديد تُنجزه شركة عمران، ويديرهُ الدكتور سعد، أحد المقرّبين من النظام السوري. فيديل يعترف لعمران أنّهُ ممنوع من الدخول إلى سوريا، ومطلوب لأجهزة المخابرات هناك، ولكنّ عمران يتعهَّد بترتيب كلّ الأمور من خلال علاقاته مع ضبّاط ومسؤولين داخل النظام. ورغم ذلك، إلا أنّ الحادثة تشكّلُ شرارةً تدفع فيديل للنبش في ماضيه وذاكرته، مستعرضًا الأحداث التي دفعته للهرب من سوريا، وساردًا حكاية اسميه قبل ذلك "فيديل وفضل".

يعود فيديل في سرد حكاية الاسمين إلى تاريخ ولادته سنة 1973، متحدِّثًا عن الصراع غير المُباشر الذي دار حينها بين والده، مدرّس الرياضيّات الشيوعيّ والمعارض للنظام، ووالدته وأخواله المتدينين. حيث سمّاه والده حينها "فيديل" تيمنًا بقائد الثورة الكوبيّة فيديل كاسترو، كما أراد لهُ أيضًا أن يكون محاميًا مثله. بينما سمّته والدته وأخواله "فضل" لأنّ فيديل اسمًا نصرانيًا. كما أرادو لهُ أيضًا أن يكون إمامًا، وسهّل أمر اعتقال والده ذلك الأمر، حيث صنع منه أخواله شيخًا صغيرًا يستعدُّ لدخول كليّة الشريعة الإسلاميّة، ولكنّهُ التحق لاحقًا بكليّة الحقوق محاولًا تحقيق رغبة والده الذي كُسر حين رآه شيخًا بعد الإفراج عنه.

يروي فيديل أيضًا حكاية رويدا، الفتاة الشيوعيّة والمعارضة للنظام التي غيّرت مسار حياته، وأدخلته في صراعٍ بين شخصيتيه؛ فيديل اليساريّة، وفضل المتديّنة. إذ أنّ الأولى كانت تشتهيها، والثانيّة تمنعه من التقرّب منها. كما أنّها غيَّرت أيضًا تخصّصه الجامعي، مُلغيةً شخصيّة فيديل طالب الحقوق، ومنتجةً بدلًا منها شخصيّة فيديل الرسّام. وذلك قبل اعتقالها وهروب فيديل إلى بريطانيا من خلال الفيزا الذي تحصّل عليها برفقة رويدا لدراسة اللغة الإنجليزية هناك.

تستمرُّ حالة الصراع بين شخصيتيّ فيديل بعد وصوله إلى لندن وفشله في الحصول على حق اللجوء، ومن ثمّ زواجه من هيلين الذي أجّجَ حالة الصراع تلك، ووفاتها بعد ذلك وحصوله على جزء من ثروتها التي أنفقها في سفره برفقة يارا بعد انتصار شخصيّة فيديل اليسارية على شخصيّة فضل الدينيّة. ولكنّهُ كان انتصارًا مؤقتًا، إذ أنّ شخصيّة فضل عادت إلى الواجهة من جديد بعد أن طردته لارا من منزلها، والعمل مدرِّسًا للغلة العربيّة لدى جمعيّة اسلاميّة، بالإضافة إلى زواجه من مريم، إحدى فتيات الجمعيّة الملتزمات دينيًّا، ولكنّه كان أيضًا زواجًا مؤقتًا انتهى بالطلاق وترك العمل لدى تلك الجمعيّة، مُلتحقًا بشركة إعلانيّة وفّرت لهُ فرصة السفر إلى الامارات، تاركًا خلفه شخصيّة فضل، ومُعيدًا شخصيّة فيديل إلى الواجهة مجدّدًا.

على المقلب الآخر، في لندن، نتعرّف على الدكتور أنيس الذي يُخطِّطُ للعودة إلى دمشق بعد حصوله على ورثة من خاله المتوفيّ بدر الدين عمارة، والمتمثِّلة في "بيت حُدُد". علاقة أنيس مُنقطِعة مع البلاد منذ زمن، وقد نجحَ في تكوين مكانةٍ مُهمّةٍ له طبيًّا في لندن، ما دفعه للاستقرار هناك دون أن يفكّر بالعودة، ولكنّهُ يجدُ نفسه مُضطّرًا للعودة من أجل انهاء معاملات حصر الإرث وبيع البيت بمبلغ لا يقلُّ عن مليون دولار أمريكيّ، ولكنّ الأمور لا تجري كما خطَّط لها أنيس، حيث يصطدم هناك بـ "سامية" الناشطة المُعارضة للنظام ولبيع البيت أيضًا، وذلك لما يمثِّلهُ -بحسب رأيها- من أهميّة تاريخيّة وتراثيّة لمدينة دمشق، كما أنّهُ يعدُّ ذاكرةً للسوريين وواحدًا من أهم أمكنة صناعة القرار السياسيّ في سوريا ما قبل البعث.

تُحاول سامية مع مجموعتها تسجيل "بيت حُدُد" لدى منظمة "اليونسكو" من أجل المحافظة عليه، كما تُحاول أيضًا إقناع الدكتور أنيس بأهمية البيت وعدم بيعه، وأنّ من يريد شرائه هو واحدًا من رجال النظام الذي يعملُ على تحويل الأماكن التراثيّة في دمشق إلى مطاعم وفنادق، محاولًا بذلك مسح تاريخ مدينة دمشق وتحقيق مكاسب ماليّة وسياسيّة أيضًا. تنجح سامية في تغيير موقف أنيس، وتتطوّر علاقتهما لتصلُ لاحقًا إلى الحب، وبعد أول مضاجعةٍ بينمها.

يعملُ أنيس وسامية لاحقًا على إنشاء حملة إعلاميّة للتعريف بالبيت وأهميته، ويرسل أنيس في طلب ابنه سامي لمساعدته في ذلك، تزامنًا مع بدء الاحتجاجات الشعبيّة التي انخرط فيها كلّ من سامي وسامية، ما دفع أنيس للضغط على سامي من أجل العودة إلى لندن، ولكنّه يفشل في إبعاد سامية عمّا يحدث، حيث باتت مطلوبةً لأجهزة المُخابرات التي داهمت بيت حُدُد بعد دقائق قليلة من هرب سامية، ولجوئها إلى المناطق المُحرّرة في ريف دمشق، حيث بدأت تعمل هناك في مركزٍ للتنسيق بين المناطق الثائرة.

ترتِّبُ سامية لاحقًا لقاءً بينها وبين أنيس الذي يدخل إلى تلك المنطقة سرًّا بمساعدة أصدقاء سامية، ليتعرّف على الحياة داخل المناطق المحرّرة والمحاصرة أيضًا، كما أنّ سامية تحدِّثه عن التهديدات التي تصلها من مجموعات إسلامية ظهرت حديثًا ويقودها سجناء سابقين لدى النظام، لأنّها من غير الطائفة، دون أن تُعطي أهمية للموضوع، عكس أنيس الذي استشعر ما هو قادم لتلك الثورة، والذي اعتقل حين وصل إلى دمشق، مُرسلًا كلمة "بحبك" لسامية، كدلالة على اعتقاله، دون أن يعرف أنّ سامية سوف تُعتقل لاحقًا على يد تنظيم الدولة الإسلاميّة.

بيت حدد

تستمر أحداث رواية "بيت حدد" بالتقلّب والانتقال من شخصيّة إلى أخرى، حيث تعود مُجدّدًا إلى فيديل الذي دخل دمشق بمساعدة الدكتور عمران، وغادرها بعد انتهاء عمله هناك، تاركًا خلفه "ليل" الطبيبة الأربعينيّة الواقعة في حبّه، وما خلّفه ذلك الحب لها من مشاكل على الصعيد العائلي والاجتماعيّ، تمثّلت في اكتشاف زوجها، الدكتور عادل، لعلاقتهما. ولكنّ ذلك لم يحدث مصادفًة، إنّما من خلال الدكتور سعد الذي كلّف واحدًا من رجاله بتعقّب ليل والتقاط صورًا لها تمكّنه من مساومة عادل للحصول عليها جسديًا، حيث أرسل له صورة لليل وفيديل في وضع حميمي، وجعل منه لاحقًا قوادًا يرتّب اللقاءات بين الدكتور سعد وليل للحفاظ على نفسه وأولاده وتجنبًا لما قد يلقاه من سعد. وكانت آخر تلك اللقاءات في منزل عادل وليل، حيث غادر عادل حينها تاركًا سعد ينفرد بليل التي تخلّصت منه وهربت من المنزل، لتبدأ حينها معاناة العائلة بعد طرد كلّ من عادل وليل من ثوةعملهما، وحظر الآخرين من التعامل معهما.

من دبي، يحاول فيديل انتشال ليل من ذلك البؤس، عارضًا عليها السفر إلى الإمارات والعمل هناك، حيث وجدت ليل الأمر فرصةً للتخلّص من الحياة البائسة في دمشق، وفرصةً لتكون أكثر قربًا من فيديل. إذ أنّ علاقتهما تطوّرت في دبي بعد سفرها بمفردها بدايةً، وانتقلت من الحب الموارب إلى المكشوف، ومن القبل الصغيرة إلى ممارسة الجنس بشكلٍ هستيري، وذلك قبل وصول عائلة ليل إلى دبي، ومن ثمّ قرار فيديل الابتعاد عن ليل والسفر إلى سوريا لأنّه لا يستحقّها، قاطعًا لها وعدًا كاذبًا بأن يعود. وعلى الجانب الآخر، يستغلّ عادل سفر فيديل ويعرض على ليل السفر معه إلى فرنسا، حيث حصل على حق اللجوء هناك، ولكنّ ليل تغيّر رأيها لاحقًا، وبعد اتصالها بعيسى وسامية، وحديثهما عن فيديل، الذي يعمل لدى تنظيم الدولة الإسلاميّة، مصوّرًا عمليات الذبح والاعدام. حينها تقرر ليل العودة إلى سوريا للبحث عنه.

في السجن، يطلب المحقق من الدكتور أنيس إعلامه بمكان سامية مقابل خروجه، ولكنّه يحوّل لاحقًا، وبعد رفضه، إلى التعذيب، ومن ثمّ إلى مكان أخر بمساعدة مريض سابق لديه، حيث يُجبر هناك على العمل في استئصال أعضاء بشرية من أجساد المعتقلين، وتنشأ لاحقًا علاقة صداقة بين أنيس ومدير السجن، حيث عرض عليه أنيس "بيت حُدُد" مقابل خروجه، ولكنّ الصفقة تمثّلت بخروج أنيس بعد نقل ملكية البيت إلى رجل أعمال إيراني، وتسليمه لتنظيم الدولة مقابل إطلاق سراح سامية، كونه يحمل الجنسيّة البريطانيّة.

تأتي رواية "بيت حُدد" لفادي عزام، بعد رواية "سرمدة" و"رحلة إلى قبور ثلاثة شعراء" 

في سوريا، يعمل فيديل على توثيق شهادات الناس والمقاتلين في المناطق المحررة من أجل صناعة فيلم وثائقي عمّا يحدث هناك، قبل أن ينتقل إلى المناطق الواقعة تحت سيطرة تنظيم الدولة، ومن ثمّ العمل على تصوير عمليات الإعدام هناك، قبل أن يلتقي بالشيخ غسان الذي تربطه به علاقة صداقة منذ كان في لندن، والذي عرض عليه الانضمام إليهم لأنّ قيادة التنظيم مُعجبة بما يقوم به. ويلتقي فيديل لاحقًا أنيس الذي كان يعدُّ للإعدام أيضًا.

اقرأ/ي أيضًا: 5 روايات سورية من إصدارات 2017

تصلُ ليل إلى سوريا وتأمن لها سامية الوصول إلى المناطق المحرّرة للبحث عن فيديل، وهناك تلتقي بسميح، حبيبها اليساري القديم الذي صار قائدًا لفصيل إسلامي، والذي ساعدها في الوصول إلى فيديل الذي قال للآخرين إنّ ليل زوجته، قبل أن يُعتقل الاثنان بتهمة الزنى، كون ليل نصرانيّة، بحسب تعبير الشيخ غسان الذي ساعد فيديل في تهريبها لاحقًا، بينما فشل فيديل بالهرب، ليحكم عليه لاحقًا بالإعدام إلى جانب الدكتور أنيس، ولكنّه قبل ذلك سلّم ما قام بتصويره من شهادات لليل التي وصلت إلى بريطانيا حاملةً في أحشائها فيديل الصغير، بمساعدة سامي الذي صبّ جلّ اهتمامه في التعريف عن بيت حُدُد.

 

اقرأ/ي أيضًا:

"مشاءة" سمر يزبك

تعرّف على 5 من أبرز الروايات السورية