01-ديسمبر-2017

الروائي صنع الله إبراهيم

في نهاية ستينيات القرن المنصرم كتب دانيال مانيكس رواية كانت بطلتها سمكة؛ تغامر وتتسكّع في البحر إلى جانب كونها تعاني من تلوثه، في رمزية من الكاتب لبطل خيالي يعاني من أزمات المجتمع وحصاره.

ثمة رسالة تقريرية أخلاقية في رواية "الحياة والموت في بحر ملون" وهي الحفاظ على مياة البحر الأحمر

مرت السنين وقام الكاتب والروائي المصري صنع الله إبراهيم، اليساري الذي سجنه عبد الناصر، بكتابة أول "رواية" -حسب قوله- أبطالها أسماك البحر الأحمر، وكانت بعنوان "الحياة والموت في بحر ملون" (188 صفحة)؛ قصص عن الأسماك تبدأ مع رحيل الشمس وقدوم الغروب، عالم الأسماك الغريب والممتع في آن، صفات على أنها مثلًا لا تغيّر مواقعها طالما تملك مسكنًا ملائمًا، وعن بحر كان"جسمًا هزيلًا سقيمًا مستلقيًا، في استسلام بين المحيط الهندي والبحر الأحمر المتوسط، ومع ذلك نسجت عنه الأساطير ودارت حوله المعارك والصراعات وحفر اسمه في تاريخ الأمم والحضارات، يكاد ينفرد بين عالم بما يسكن أعماقه من أحياء، تمثّل كافة درجات سلم التطور الحيواني، منذ بدأ قبل ملايين السنين رغم أنه هو نفسه لم يبرز للوجود سوى من 50 مليون سنة فقط، عندما انفصلت الكتلة الأفريقية عن الجزيرة العربية أطلقوا عليه اسم (البحر الأحمر)، وما يتمتع به هذا البحر من خصائص فريدة؛ الدفء وثبات الحرارة -20 جدرجة مئوية- والملوحة الزائدة وانعدام الأمطار، لذلك تنتشر الشعاب المرجانية فيه بكثرة".

اقرأ/ي أيضًا: هزيمتنا في الرواية المصرية

نقرأ في رواية "الحياة والموت في بحر ملون" عن حكايات لأسماك مثل "المشيط" التي تسير ببطء وسط الماء وهي تتهادى كالعروس، وتتأمل جانبي العالم الأخضر المحيط بها، بتلك النظرة الوديعة التي تشتهر بها حتى أنها يطلق عليها مسمى، خطأ علميًا، باعتبارها سمكة الملائكة، التي لا يزيد طول الواحدة منها على ثلاثة سنتيمترات، تتحرك دائمًا في أعداد ضخمة لتحمي نفسها من أعدائها الكثيرين، أو عن سمك الجوبي الصغير الذي لا يزيد طوله عن أصغر إصبع بشري المعروف باسم مرجان المخ، حيث يقضي الليل تحت لولبياته الرقيقة في حماية شبكة من الخلايا اللاسعة، وعن أسماك أخرى تستطيع تغيير لونها حتى ولو بشكل تدريجي على مدار اليوم؛ كسمكة أبو طنقور مثلًا التي ينتشر فيها اللون البرتقالي نهارًا لتصل إليها بقع غريبة مع دخول الغروب بشكل كامل، ثم عن أسماك شاءت أن تتجنب الخطر في حصولها على الطعام فروّضت نفسها على الاكتفاء بأسماك أخرى.

الحياة والموت في بحر ملون

جميعها أشياء معلوماتية وتقريرية ربما لا تقترب من كونها "رواية"، لا في الصياغة ولا في طريقة السرد التي رصّت الكلمات بجانب بعضها البعض فقط.

ثمة رسالة تقريرية أخلاقية للحفاظ على مياة البحر الأحمر والحد من تلوثه، تطلبت منه شهورًا عديدة للتنقل بين المراجع المختلفة من أجل تمييز بعض الأسماك والمرجانيات والأعشاب وتجمبع التفاصيل اللازمة عن حياتها وإشارات برمزيات واضحة لصفات تتواجد لدى البشر أيضًا، لكنّها تظل أول "رواية" (إذا جاز أن نطلق عليها ذلك)، أو كتاب في المطلق يوثّق تلك الحياة علميًا؛ حيث عيّن العلماء 2500 نوع من الإسفنج، و4500 نوع من المرجانيات والشقائق البحرية والحيوانات الهلامية، وحوالي 30 ألف نوع من الأسماك، أشهرها تلك التي تعيش بين الشعاب المرجانية، خصوصًا في المناطق الاستوائية.

جاء صنع الله إبراهيم ليوثقها بأسمائها العلمية غير المشهورة، واستعرض أبحاثًا مغمورة مثل ما قام به الدكتور الدكتور حامد جوهر، الذي كان واحدًا من الذين اكتشفوا سر العلاقة بين الشقائق البحرية ذات الخلايا السامة التي تقضي على من يفكّر في الاقتراب منها من الأحياء، وبين سمكة المهرج التي تعيش آمنة بين لوامسها. بعد أبحاث لاحظ أن سمكة المهرج ترسل بحركات بهلوانية تديلكات لطيفة تجعل الآخر يرحب بتواجدها ويمتنع عن إيذائها.

اقرأ/ي أيضًا: قاهرة مكاوي سعيد

يدور الكتاب في فلك وعالم البحر الأحمر كأول تجربة تكتب ذلك في المكتبة العربية كلها، تدور أحداث قصصه الشائقة في مياه البحر الأحمر وبين حيواناته العجيبة، يتكون الكتاب من عدة فصول غير مترابطة بأي شكل من الأشكال، كل يتناول قصة حياة سمكة مختلفة.

لا تختلف الفصول في الأحداث وإنما في نوع السمكة التي تخرج من مكانها داخل البحر بحثًا عن الغذاء، لتصير فريسة لسمكة تكبرها حجمًا.

 

اقرأ/ي أيضًا:

زقاق المدق: الرواية والسينما!

لماذا عليك الآن قراءة رواية "أسوار" لمحمد البساطي؟