20-يوليو-2017

الروائي السوري راهيم حساوي

تدور أحداث رواية "الباندا" (دار هاشيت أنطوان، 2017) للسوري راهيم حساوي في دمشق وباريس وبيروت، ما بين ستينات ونهاية تسعينات القرن الماضي، وتحكي عن جنون سارة الزين، وجدلية فريدة الأسعد التي لا يقف شيء في طريقها، وعن عاصم التل الذي يقتل نفسه في مكتبه برصاصة مسدس كان قد اشتراه ليدافع به عن نفسه، وعن ولده عمران التل الذي يصاب بوجع أبيه بعد عثوره على مسودات مكتوبة.

تطرح رواية "الباندا" شخصيات مأزومة أمام سطوة نظام الحياة

يقوم عمران بصناعة فريدة الأسعد التي يجلبها من القاع، ويُطلقها في المجتمع عن طريق إدارتها لجمعية "الغد الفريد" الخيرية. العمة سعاد تغوص بكراهية رحاب لها وبوزنها الزائد وبتر ساقها. حب عنيف بين كلودين وعزّام من جهة، وكلودين وعمران من جهة ثانية، وحكاية ست رسائل من فاتن حمامة لشادن التي أنجبت كلودين وهربت لباريس وتزوجت موريس.

اقرأ/ي أيضًا: راهيم حسّاوي: أنا سريع مثل الكهرباء

تبقى أماني هي الوحيدة التي يمر اسمها دون معرفة أي شيء عنها، كدلالة على أن هناك مليارات من البشر لا نعرف عنهم أي شيء مقابل معرفتنا اللاحقة بالذين نالوا نوبل للسلام.

"الباندا" رواية لا تقول كلمتها بقدر ما تريد طرح شخصياتها المأزومة بالحياة حبًّا وكراهيةً أمام سطوة نظام الحياة، التي تم تلويثها عن طريق البشر أنفسهم .

يمثل زوج فريدة الأسعد معظم سكان الأرض، فلقد جاء دون اسم كدلالة على أنه نكرة منذ بداية الرواية حتى نهايتها مقارنةً بالأمين العام للأمم المتحدة داغ همرشولد الحائز على نوبل للسلام 1961. وكأن البشر تافهون جميعًا ما عدا هؤلاء الذين ينالون نوبل للسلام، وهذا أسخف ما تم فعله، فليس من المعقول أن القائمين على نوبل للسلام يعرفون زوج فريدة الأسعد، بينما هم سيتعرفون على فريدة الأسعد التي صنعها عمران التل كفخ لهم وكتأكيد لمسودات أبيه التي تركها بعد قتل نفسه ممددًا على تلك الأريكة في مكتبه .

اقرأ/ي أيضًا: أشياء على سطح الرواية

رواية الباندا تقوم على طرح شخصيات متناحرة فيما بينها، ومضطربة مع نفسها، شخصيات لا تجد من عبثية الحياة إلا الرد عليها بعبثية مشابهة تارةً، وعزوفًا عن الحياة تارةً أخرى، ويظهر في نهاية المطاف أن جميع البشر هم أبطال في نظر الحياة، مع أنها تدفع بهم نحو الهلاك.


مقطع من رواية الباندا

منذ خمسة عشر عامًا مات والده، لقد قتل نفسه برصاصة مسدس كان قد اشتراه ذات يوم للدفاع به عن نفسه، اخترقت الرصاصة صدغه ليفارق الحياة التي أدهشته بكل ما فيها من دهشة، وأدهشها بتلك الرصاصة بكل ما فيها من مباغتة غير متوقعة لأي أحد ما عدا أخته سعاد، كان العالم مُدهشاً بالنسبة إليه حتى على مستوى كسر بيضة في مقلاة، وكان يضحك كثيرًا كلما كسر بيضة في مقلاة، أو كلما رأى أخته سعاد تكسر البيض في المقلاة، وكانت تشاركه هذه الضحكات دون معرفة دقيقة للسبب الذي يقوده للضحك في هذا الموقف.

لقد قتل عاصم التل نفسه في مكتبه ممددًا على الأريكة التي بجانب النافذة المُطلة على شارع طويل، أمّا النافذة الثانية فلقد كان يستطيع من خلالها رؤية البناء الذي يحتوي على شقته التي يعيش بها مع زوجته رحاب وولده عمران وابنته جيداء وأخته سعاد، لقد قتل نفسه في ليلة شتائية عاصفة، وانقطاع التيار الكهربائي زاد تلك الليلة كآبة واضطرابًا، وكلُّ شيء كان يشير إلى أنّ شيئًا ما سيحدث في تلك الليلة، كانت السماء تتكسر مثل وعاء زجاجي وبداخله حمم بركان صغيرة تتحرك باتجاهات متعاكسة لتصطدم مع بعضها بعضًا، تهشمت مظلات القصب التي كانتْ فوق أسطح الأبنية، وأنهت الأمطار الغزيرة بقاء الطلاء القديم المتشقق على الجدران الخارجية لبعض الأبنية المهجورة ليكون مصير هذا الطلاء ضمن سيول انحدرت نحو المنخفضات والزوايا التي صارت على شكل برك من الماء تطفو عليها الأكياس والأوراق وعُلب السجائر والكبريت والكثير من أعقاب السجائر، كانت ليلةً موحشة، لم يشأ أحدٌ رؤية البرق الذي وصل الأمر به إلى الأرض كألسنة ثعابين غاضبة تُعلن سطوة كهرباء البرق على كهرباء أديسون، لكن صوت الرعد استطاع أنْ ينقل للسامع جزءاً من صورة ذاك البرق الذي يتشكل بطريقة تشبه طريقة موت والد عمران التل المُعقَّدة.

 

اقرأ/ي أيضًا:

نبيل الملحم: أغار من عبد الباسط الساروت

ناجي رحيم.. الشاعر، السبّاب، الحسّاس