09-يناير-2019

تفر النساء السعوديات من منظومة القمع الدارجة في بلادهن (تويتر)

من جحيم العادات والتقاليد المفروض عليهن، هربن إلى خارج المملكة العربية السعودية، باحثات عن الأمان حتى وإن كان بعيدًا عن حضن العائلة، وفي بعض الحالات هروبًا من العائلة نفسها. خلال الساعات الماضية كانت مواقع التواصل الاجتماعي منشغلة بقصة السعودية رهف القنون، التي قررت الهروب، بعد أن تركت الإسلام، وحاولت التوجه إلى أستراليا عبر تايلاند، غير أنها علقت هناك قبل أن تحاول السلطات السعودية إعادتها، وهو ما أثار خوفًا في أوساط الناشطين والمنظمات الحقوقية، حيث إنه وفي حالة ترحيلها، فإن مصيرها سيكون الإعدام لو أصرت على موقفها وفقًا للقانون السعودي باعتبارها مرتدة عن الدين.

رهف القنون، لم تكن الحالة الأولى في قائمة طويلة لسعوديات حاولن الهروب. نجح بعضهن في الحصول على اللجوء في دول بعيدة عن المملكة، فيما فشل البعض الآخر

اقرأ/ي أيضًا: هوامش بروباغندا ابن سلمان الصاخبة.. سعوديات محكومات بالصمت

رهف القنون، لم تكن الحالة الأولى في قائمة طويلة لسعوديات حاولن الهروب. نجح بعضهن في الحصول على اللجوء في دول بعيدة عن المملكة، فيما فشل البعض الآخر. وهو ما لا ينفك يثير أسئلة واسعة: لماذا تهرب السعوديات وكيف يتمكنّ من ذلك بالرغم من التضييق الكبير الذي يمنع سفر السيدات دون ولي أمر؟

رهف.. النموذج الأخير

كانت رهف القنون، وهي فتاة سعودية تبلغ من العمر 18 عامًا، الأخيرة ضمن سلسلة طويلة من فتيات حاولن الهروب من المملكة. بدأت قصتها عندما سافرت مع عائلتها إلى الكويت، فاستقلت طائرة متجهة إلى أستراليا، تمر عبر محطة توقف (ترانزيت) في بانكوك عاصمة تايلاند. وبمجرد هبوط الطائرة الأحد الماضي، التقت رهف حسب إفادتها دبلوماسيًا سعوديًا، قام باحتجاز جواز سفرها ومنعها من الذهاب إلى أستراليا، فنشرت عبر حسابها في موقع التواصل الاجتماعي تويتر، ما حدث، فلفتت أنظار العديد من النشطاء، الأمر الذي دفع  المنظمات الدولية المعنية بحقوق الإنسان للاهتمام والحديث عن حالتها. فيما انتشرت القصة على مواقع التواصل الاجتماعي سريعًا، ما تسبب بحالة جدل كبير عبر هاشتاج #SaveRahaf.

في البداية  تعاونت السلطات التايلاندية مع السلطات السعودية، لكنها غيرت موقفها بسبب الضغوط الدولية الكبيرة التي حدثت وانتشار قصة رهف القنون، ووافقت على مغادرتها المطار تحت رعاية مفوضية الأمم المتحدة، بعد أن كانت ترفض ذلك بداية. وتنفي السفارة السعودية في بانكوك تدخلها لترحيل الفتاة، بالرغم من وجود دبلوماسي سعودي سمحت له تايلاند بالدخول إلي مكان تواجد رهف القنون، وساعدته على احتجاز جواز سفرها.

وكانت المنظمات والنشطاء يخشون من نجاح الاتفاق بين البلدين على ترحيل الفتاة،  كما حدث لحالات أخرى، وهو الأمر الذي يعني قتل رهف القنون أو اختفاءها مدى الحياة. في الوقت ذاته، أعلنت الداخلية الأسترالية دراسة ملف رهف القنون والبت في قبولها على أراضيها كلاجئة "مثلما تفعل عادة بالنسبة للملفات التي تتلقاها من المفوضية العليا للاجئين".

لماذا يهربن؟

 وفقًا لأبرز الحالات والنماذج المتداولة عن الهاربات من المملكة، لم يكن تغيير الديانة السبب الوحيد في الهروب. حيث ترتبط الأسباب غالبًا بالتضييقات التي تتعرض لها المرأة السعودية، خاصة من خلال القوانين التي تحكم تحركهن في المقدمة، فالمرأة في السعودية مقيدة، والقوانين تعطي سلطات واسعة لولي الأمر المباشر، الأب أو الأخ والزوج، كما أنها لا تحمي النساء، في حالة حدوث اعتداءات من "ولي الأمر" نفسه.

تتمكن الفتيات في السعودية من الهرب من خلال عدة طرق. وغالبًا ما كانت الطريقة الأكثر انتشارًا، هي الهرب خلال الرحلات السياحية خارج المملكة، حيث لا تحتاج المرأة هناك لإذن ولي الأمر. أما من داخل البلاد، فهناك طريقة جديدة مستخدمة، وهي استصدار إذن سفر باستخدام هاتف ولي الأمر، دون علمه من خلال تطبيق "أبشر"، وهو تطبيق على الهاتف لتسهيل الخدمات في السعودية. ومن الطرق الأخرى للهروب أيضًا، التي تقوم به المبتعثات بعد انتهاء دراستهن، هي الاستمرار في الخارج وطلب اللجوء بسبب القوانين السعودية.

كان من أبرز النماذج لسعوديات هاربات أثرن جدلًا كبيرًا، الشقيقتان أشواق (30 عامًا)، وأريج حمود (28 عامًا)، إذ قامت كل منهما بالهرب من السعودية إلى تركيا، وبررت الفتاتان ذلك بسبب اعتداءات متكررة من عائلتهما، بالضرب والحبس والحرمان من الطعام في بعض الأحيان. بعد علم عائلتهما بمكان تواجدهما، قامت بإبلاغ السلطات التركية أن أشواق وأريج هربتا للانضمام لداعش، فما كان من السلطات في أنقرة إلا أن اعتقلتهما في 16 أيار/مايو 2017، خلال متابعة طلبات الحصول على تصاريح إقامة، بعد نحو خمسة أشهر من الاختفاء. لاحقًا، تدخلت العديد من المنظمات التي طلبت من السلطات التركية رفض تسليم أريج وأشواق، دون أن تتبين تفاصيل ما جرى إلى الآن.

ثاني أبرز النماذج، كانت  دينا علي السلوم. تتشابه تفاصيل حالتها إلى حد كبير مع قصة رهف القنون، حيث هربت في 10 نيسان/أبريل 2017، خلال تواجدها في الكويت، واستقلت طائرة في طريقها إلى أستراليا، مع محطة توقف (ترانزيت) في مانيلا في الفلبين، رفضًا لرغبة أهلها في تزويجها بشكل قسري. غير أن السلطات السعودية وعبر الضغوط السياسية والدبلوماسية تمكنت من إرغامها على العودة دون رغبتها، وفقًا لمرأة كندية تصادف تواجدها في غرفة الانتظار التي وضعت فيها السلوم، ونشرت مقاطع فيديو تُظهر السلوم في مطار مانيلا الدولي وهي تطلب عدم إعادتها إلى السعودية مرة أخرى خشية أن تقتلها أسرتها. كانت تصرخ: "سيقتلوني لو عدت".  

محاولات مختلفة

هناك العديد من السعوديات التي فضلن عدم العودة بعد إتمام الدراسة في الخارج. وبحسب بعض المصادر، فإن من أبرزهن دانة المعيوف، وهي فتاة سعودية كانت تدرس في الولايات المتحدة لسنوات حاولت عقب إنهاء دراستها تقديم طلب للهجرة، وهناك أيضًا موضي الجهني، التي قالت إنه تم احتجازها في منزلها ثمانية شهور، بسبب المجتمع الذكوري الذي يلغي حقوقها كمرأة.

أما هالة السويكت، ابنة ملياردير بارز في مجال المقاولات، فهربت من أجل الحب، قائلة في مقابلة مع صحيفة "ذا صن" إنها تخلت عن الثروة من أجل الحرية.  حيث سافرت إلى حبيبها الألماني بعد أن تنقلت بين تركيا وإثيوبيا، واستطاعت الوصول في النهاية لألمانيا والزواج، رغم رفض أسرتها ذلك.

اقرأ/ي أيضًا: دفاعًا عن حقوق المرأة أم تطلعات ابن سلمان؟!

كان الهروب الداخلي حلًا في بعض الحالات لدى بعض السعوديات أيضًا، أبرزهن الناشطة سمر بدوي التي هربت في عام 2008 من منزل أسرتها ولجأت إلى دار للرعاية وطالبت القضاء بالتخلص من ولاية والدها بسبب تعرضها المستمر للاعتداء البدني عليها من قبله، إلا أن والدها رفع دعوى مضادة يتهمها فيها بمعصيته، وصدر حكم بحبسها، لكن السلطات السعودية ألغت الحكم بعد مرور نحو سبعة أشهر في السجن. وكذلك الناشطة في مجال حقوق المرأة مريم العتيبي، التي تركت منزل والدها  في منطقة القصيم وهربت إلى الرياض، مقررة العيش في منزل مستقل في الرياض، لكن والدها تقدم بشكوى للشرطة السعودية التي قامت في نيسان/أبريل 2017 باعتقالها أكثر من مائة يوم. وتعد كل من سمر ومريم من أبرز الناشطات في مجال رفض نظام الولاية الذي يعطي ولي الأمر صلاحيات كبيرة تمكنه من السيطرة الكلية على السيدات.

من جحيم العادات والتقاليد المفروض عليهن، رفقة القمع الممنهج، هربن إلى خارج المملكة العربية السعودية، باحثات عن الأمان حتى وإن كان بعيدًا عن حضن العائلة، وفي بعض الحالات هروبًا من العائلة نفسها

هناك بعض الحالات التي لم تعلن الهاربات فيها عن سبب الهروب، لكنها قصص شغلت مساحة كبيرة من الاهتمام في المملكة، من أبرزها  الهاربة إلى جورجيا، وهي الفتاة التي لم يعلن عن اسمها بشكل رسمي. لكنها وفقًا لما هو متداول مراهقة تبلغ من العمر نحو 17 عامًا، هربت خلال رحلة سياحية مع عائلتها في تركيا، وقامت قبل الهروب بالاستيلاء على جوازات سفر وهواتف أسرتها. وهناك أيضًا  فتاتا كوريا الجنوبية، وهما سعوديتان لم تتجاوزا العشرين من عمرهما، هربتا في تشرين الأول/أكتوبر.

 

اقرأ/ي أيضًا:

ابن سلمان يقود "الانفتاح" في السعودية بسوط القمع والتخويف

تحدت نظام الولاية السعودي.. ما مصير دينا علي؟