05-أبريل-2019

أظهرت المعارضة الموريتانية بعض المشتركات في خطابها (فيسبوك)

صحيح أن القوى السياسية المعارضة في موريتانيا لن تدخل الانتخابات القادمة بمرشّح موحّد. لكنّها بعثت برسائل مهمّة، أظهرت مستوى التنسيق والتكامل بينها. إذ حرص أبرز مرشّحيْن للمعارضة، حتى الآن، على حضور حفل إعلان الترشح الخاص بكلّ منهما. فالتحدي المعلن للمعارضة الموريتانية والقوى المدنية الملتفّة حولها، هو تحدّي الحيلولة دون وصول مرشّح النظام والمؤسسة العسكرية إلى الحكم، في انتخابات حزيران/يونيو القادمة.

برزت نقطة مشتركة في خطاب المعارضة الموريتانية، هي تحميل قيادات المؤسسة العسكرية مسؤولية إجهاض الحلم الديمقراطي الموريتاني، وعرقلة نهضة البلد التنموية

العشر العجاف

كانت السنوات العشر التي قضّاها محمد ولد عبد العزيز في حكم موريتانيا وخيمة على المعارضة الموريتانية، فقد حرم ولد عبد العزيز معارضته من المشاركة في الحكومات المتعاقبة، وضيّق على مصادر تمويلها وأنشطتها. بل وزجّ ببعض رموزها في السجن، وأبرزهم الناشط الحقوقي بيرام ولد الداه ولد اعبيد، الذي يخوض السباق الرئاسي المرتقب مرشّحًا عن حزب الصّواب. وفي خطاب ترشّحه حمّل بيرام ولد الداه جزءًا كبيرًا من مسؤولية تدهور الحالة الاقتصادية والاجتماعية في البلد لنظام محمد ولد عبد العزيز، واصفًا فترة حكمه بعشرية اللّهب، التي احتلت فيها موريتانيا "رأس الدول التي ما تزال تمارس العبودية بكلّ أشكالها"، وقام فيها النظام "بتسيير مافيوي لثروات البلاد" على حدّ وصف المرشّح بيرام ولد الدّاه.

أما المرشّح الثاني للمعارضة سيدي محمّد ولد بوكّر فقد ثمّن، في خطاب ترشحه في 30 آذار/مارس 2019، المرحلة الانتقالية 2005 – 2007 التي أفضت إلى انتخاب رئيس مدني لأوّل مرّة، إلا أن هذه التجربة، وهذا المسار حسب المرشّح للرئاسيات سيدي محمد ولد بوبكّر "سرعان ما تم الالتفاف عليها من طرف من يحاولون اليوم أن يغرسوا في أذهاننا الاستسلام واليأس والعجز، وأن يوهمونا بأن طريق التغيير مسدود".

إذًا فمرشّحا المعارضة يُراهنان على انتخاب رئيس مدني، ويُحمّلان النخب العسكرية مسؤولية الفشل في إرساء ديمقراطية حقيقية والخروج من ربقة الأحكام الفردية، على حدّ وصف المرشّح ولد بوبكّر، وإحداث القطيعة الضرورية مع الفساد وإهدار موارد البلد.

اقرأ/ي أيضًا: موريتانيا بين جنرالين

نقطة مشتركة بين خطابي المرشّحين هي تحميل قيادات المؤسسة العسكرية مسؤولية إجهاض الحلم الديمقراطي الموريتاني، وعرقلة نهضة البلد التنموية. ولوقف ذلك الهدر لا بد من إبعاد قادة الجيش عن المعترك السياسي وبناء جيش جمهوري بعقيدة عسكرية وطنية جديدة.

هل يتمكّن أحد مرشّحي المعارضة من حسم السباق في الجولة الأولى؟

من المستبعد عمومًا في الانتخابات القادمة أن ينجح أحد المرشّحين بالفوز بالأغلبية المطلقة من الشوط الأوّل. ومرشّحي المعارضة على وجه الخصوص يواجهون تحدّيًا مضاعفًا، فأصوات جمهور المعارضة ستكون معرّضة للتشتت بين مرشّحيها. وحتّى الآن يبدو أن جماهير المعارضة تتركّز في العاصمة نواكشوط وبعض عواصم المدن الدّاخليّة، لكن في المقابل تفتقد الأسماء المرشّحة من المعارضة لدعم الوجهاء القبليين والمال السياسي الضروري لخوض حملة انتخابيّة قويّة، ومع ذلك يمكن استثناء سيدي محمد ولد بوبكّر الذي تتحدّث عدة مصادر عن دعمه ماليًا من طرف رجل الأعمال محمد ولد بوعمّاتو، الذي يعيش منفى اختياريًا خارج البلاد، بسبب مطاردة السلطة الحاليّة له، بالرغم من أنه كان أبرز داعم مالي لحملة الرئيس الحالي محمّد ولد عبد العزيز عام 2009 قبل أن تسوء العلاقة بينهما، وتتحوّل إلى عداوة قويّة بين أبناء العمومة.

اقرأ/ي أيضًا: فوضى أحزاب موريتانيا.. تعددية غير ديمقراطية

كما أن المرشّح سيدي محمد ولد بوبكّر ينحدر من المنطقة الشمالية في البلاد، التي هيمنت فترة طويلة على رئاسة البلد، وبالتالي فقد يحظى بدعم جهوي وقبلي على مستوى تلك المنطقة، مقابل مرشّح النظام الفريق محمد ولد الغزواني الذي ينحدر من المنطقة الشرقيّة. كما يحتفظ المرشّح ولد بوبكّر بعلاقات قويّة داخل الجهاز الإداري والديبلوماسي للدولة، في الفترة التي تولى فيها رئاسة الوزراء 1992 – 1996، 2005 – 2007. هذا فضلًا عن وقوف الإسلاميين إلى جانبه بعد إعلان حزب تواصل عن دعمه له، وقد خاض الحزب حملة مبكّرة لصالح المرشّح ولد بوبكّر في دواخل البلاد. في ظلّ هذه المعطيات سيكون من الصعب حسم السباق الرئاسي من الشوط الأوّل.

كانت السنوات العشر التي قضّاها محمد ولد عبد العزيز في حكم موريتانيا وخيمة على المعارضة

يشكل الوصول للشوط الثاني في الانتخابات المقبلة مكسبًا كبيرًا في حدّ ذاته للمعارضة الموريتانية، وحال وصول أحد مرشّحيها إلى ذلك الشوط فمن المتوقّع أن يلقى دعم باقي المرشّحين. وقد سبق للمعارضة الموريتانية في العام 2007، أن خاضت تجربة مماثلة، حين تمكّن أحد مرشّحيها من الوصول إلى الشوط الثاني مقابل المرشّح الذي دفع به النّظام، لكنّ قيام بعض رموز المعارضة بدعم مرشّح النظام حينها كان سببًا في خسارة مرشّح المعارضة للسباق الرئاسي، فهل تنجح المعارضة الموريتانية اليوم في التعالي على المصالح الشخصية الضيّقة إذا واتتها فرصة الوصول للشوط الثاني أمام مرشّح النظام؟

 

اقرأ/ي أيضًا:

موريتانيا بخير يا سيدي الرئيس

الأزمة السياسية في موريتانيا والحوار المرتقب