12-سبتمبر-2016

مقطع من عمل لرنا حتاملة

بعد اجتيازها المرحلة الثانوية، ومثل كل طالب يسعى لإكمال دراسته في الجامعة، كان طموح رنا حتاملة وهدفها الرئيسي هو الوصول إلى كلية الفنون الجميلة. الحلم الذي راودها منذ طفولتها. لكن الأمر لم يكن بمجرد هذه السهولة إذ تقول رنا: "كانت معاناتي في إقناع والدي بالموافقة على أن أتقدم لامتحان التنافس في كلية الفنون الجميلة لجامعة اليرموك، حيث كانا يريدانني أن أدرس المحاسبة أو الإدارة أو أي تخصص آخر لكن ليس الفن، لأن اقتناعهم التام أن من يدرس الفنون لا يجد وظيفة بهذه الشهادة، أي بمعنى آخر "الفن لا يطعمنا الخبز" لقد كان الله معي حينها فلم أقبل بالجامعات التي قدمت لها بالتخصصات التي كتباها لي في طلب القبول".

ومن هنا بدأت ملامح حلم تلك الطفلة تتضح خلال سنوات الدراسة التي تقول عنها: "لقد كان يضايقني جدًا وقت الفراغ الذي يكون بين فترات المراسم الفنية، فكنت أزور المكتبة الحسينية كثيرًا لأستعير كتبًا عن الفنون العالمية التي لا ألم بلغتها شيئًا كاليونانية والألمانية والإيطالية. إلا أنني كنت آخذ الكتب من أجل اللوحات التي بداخلها".

ترى حتاملة أن الإبداع هو لحظة مخاض حقيقي، ولادة لا تنتظر أي شكل من أشكال البروتوكولات المتعارف عليها

اقرأ/ي أيضًا: حمزة جاب الله.. حين تنقذ السينوغرافيا المسرح

تعمل حتاملة حاليًا فنانة تشكيلية ومصممة غرافيك حرّة بعيدة عن المكاتب والتجارة. مستعملة شعار "بلوويل" الحوت الأزرق للتصميم والإبداع، أنتجت من خلاله مجموعة لكتب الأدب والنصوص النثرية والقصص القصيرة والشعر وغيرها، من خلال تواصل الكتاب والأدباء معها لتصميم ورسم كتبهم وأغلفتهم.

ولرنا علاقة جميلة مع الأدب والكتابة أتت من طبيعة عملها في تصميم الكتب فتقول في الحديث عنها: "لكتب الأدب والتاريخ والفلسفة سحر ما عليَّ، فهي التي شدتني كثيرًا، لقد كنت أقرأ وأقرأ وأقرأ .. ففي اليوم الواحد أصل إلى عدد 50 صفحة على الأقل، حتى تحولت القراءة إلى شغف وحالة يصعب التخلص منها، ببساطة أدمنتها، كانت علاقتي مع الكتاب في السابق علاقة شكلية متعة الشكل والصورة ولكن عندما بدأت ألمس الحروف وأنسجها بإحساسي كلوحة أرسمها أثناء تصميمي للكتاب، شعرت أنني أولد من جديد، فهذا رزق من نوع فريد حصلت عليه .. اللغة، المعرفة، الحس، الشعور".

وتضيف حتاملة: "تعرفت على الكثير من مؤلفي الكتب، منهم من كان يراسلني عبر البريد الإلكتروني لمكتب تصميم المطبعة التي عملت فيها، ومنهم من كان يزور المطبعة ليستلم كتبه أو يجري تعديلات في تصميم كتابه".

من هذا المنطلق تشكلت علاقة حتاملة بالأدب، فلم تكن تغادر مكان عملها في المطبعة إلا وحملت الكثير من كتب الفلسفة الأدبية والتاريخ التي أغرمت بها.

وعن شغفها بالكتب وولعها بقراءتها تصرح: "مكتبتي، مكتبتي.. الكنز الذي كلما خرجت من غرفتي نحو الشارع عدت بكتاب إليها، كنت أضع نقودي بكل سعادة مقابل اسم مؤلف أو مفكر قد يكونوا هؤلاء ليسوا كما وصفهم الأدب العالمي، إنما هم بالنسبة لي غيوم محمّلة بأنقى القطرات في فضاء لا يشاركني به أحد غيرهم".

وبصدد كتابها وعناوينها المفضلة توضح حتاملة: "إني أتحدث هنا عن هربرت ريد، فريدريك نيتشه، دانتي، حنا مينة، دوستويفسكي، كافكا، جوزيه سارماجو، ليو تولستوي، ألبير كامو، نيكوس كازانتزكيس ،مكسيم غوركي، تشيخوف، أرنست همنجواي، هرمان ملفل، إنهم وأنا نشكل كوكبًا لا أرض له ولا سماء.. فضاء واسع".

وفيما يرتبط بنظرتها وموقفها من الفن والجمال فهي تراهما علم حديث كان يطلق عليه عبر التاريخ "الاستاطيقا" وهو منوط بالفلسفة لأنه مربوط بالوجدانيات والشعور، فكثير ما يحدث خلط بين الجمال والفن بالرغم أن هناك صلة قوية تربطهما معًا، فالفن هو إعادة خلق لشيء محسوس بوجدانياتنا من خلال أداة ملموسة مثل اللوحة الفنية، أو تمثال أو مقطوعة موسيقية أو قصيدة شعر، وأداء مسرحي. فلا يمكن كتابة قصيدة من دون قلم أو نعزف دون آلة موسيقية ونرسم من دون ألوان أو فرشاة وهكذا. وتجد نفسها متماهية مع تعريف هربرت ريد على أن الجمال هو وحدة العلاقات الشكلية بين الأشياء التي تدركها حواسنا، أما هيجل "فقد كان يرى الجمال بأنه ذلك الجنيّ الأنيس الذي نصادفه في كل مكان".

اقرأ/ي أيضًا: هل لامست السينما المغربية خطوط التابوهات؟

رنا حتاملة: الفن هو إعادة خلق لشيء محسوس بوجدانياتنا من خلال أداة ملموسة مثل اللوحة الفنية، أو تمثال أو مقطوعة موسيقية أو قصيدة شعر

"أنا لا أشعر أننّي على قيد الحياة إلا عندما أرسم". هكذا علقت رنا باقتباس للفنان الإسباني فنسنت ويليام فان جوخ عندما سؤالها عن كيفية الموائمة بين العمل والكتابة والحياة وتقول: "الأمر لا يحتاج إلى مواءمة كما يظن كثيرون، الإبداع هو لحظة مخاض حقيقي، ولادة لا تنتظر أي شكل من أشكال البروتوكولات المتعارف عليها، وهذا أمر ربما يكون حساسًا خصوصًا عند الالتزام مع جماعة الكتاب والمؤلفين الذين أقوم بتصميم كتبهم، لكنني وإياهم نتفق أن لا وقت يحصر الإبداع ولا أي نوع من الالتزامات، القيمة الحقيقة تبدأ من مخاض الفكرة ويجب أن تكون بعيدة عن التكلف، يجب أن يعلم الكثيرون أن الفنان لا يستطيع العيش دون أن يمارس طقوسه الحسيّة والتعبيرية إلا بالصورة التي يحبها وفي الوقت والمكان المناسبين لحالته".

وتضيف الفنانة الشابة عن السياسة ودورها في حياة الفنانين فـتقول: "السياسة هي الزر الوحيد الذي يقلب توجهات الأفراد، أعتقد أنها قادرة على أن تؤثر على اللون الذي سأستخدمه في لوحتي بنسبته وكثافته وعلى الفرشاة التي سأستخدمها بالرسم، وحتى على مضمون العمل المطروح كقضية سياسية أطلقها للعالم، أنا كفنانة أعيش يوتيوبيا خاصة بي، والسياسة الأردنية لا أريد أن أسميها المُهمّشة إنما الأردن تبقى دولة رأسمالية بحتة، لا تنظر إلى الفنان إلا بشكل واحد "خبر" ويصبح بفعل الماضي "الفنان الفلاني أقام معرضه الخاص تحت رعاية وزير..... وتم تكريم الأديب الراحل الفلاني في حفل تحت رعاية فلان…".

هل فكرت الدولة بهذا الفنان الذي قد لا يتقاضى معاشًا آخر الشهر، وأنه قام بجمع رعايات من شركات ومؤسسات ضخمة لكي يقوم بتغطية ثمن الألوان والكانفس وتأطير أعماله ونقلها وحجز قاعة عرض وتأمين ضيافة ودعاية للجاليري ودعوات، هذا لا يمكن أن يكون مجانًا، الفنان ليس مسؤولاً عن هذا كله لكي يظهر بصورته المتميزة، لماذا لا تحقق الدولة للفنان مكانته وتمنحه الأمل، لينهض برسالة عظيمة في كل مرة، هذا من أبرز ما يشغل وعي حتاملة السياسي.

وعن لونها المفضل فقد اختارت رنا الأزرق لونًا لها، قائلة: "لا أعرف السبب ولكن أشعر أنه يضفي مساحة شاسعة للفضاء الذي أرغب. لو كنت تنظر من خلال عيني نحو الطبيعة والسماء والغيوم لوجدت قيمة اللون كما هو ممزوج في اللوحة التي أصنعها".

وأخيرًا تتمنى رنا أن تكمل دراسة الماجستير والدكتوراه في مجال الفن التشكيلي خارج الأردن وأن تتعلم اللغة الإنجليزية لتتحدث بها بطلاقة، فهي لا تريد أن ينحصر مجالها داخل محيط واحد وتوضح قائلة: "أنا أمتلك طموحات سبقت بها الكثيرين، إنما القيود هي التي تجعلني أكافح من أجل التخلص منها وهي المال واللغة، حينها سأحمل رسالتي نحو العالم، فـ"الفن ليس للأردن فقط الفن للكون للسماء ولكل من يجفف ملابسه تحت شمس واحدة".

اقرأ/ي أيضًا: 

فتح النور بن إبراهيم.. حين يمرض العرّاب

بديع خيري.. موليير المصري