31-مايو-2017

عندما تتراجع القيم تحكم الشكليات (Getty)

انتبهت إلى أنّ كل مقاطع الفيديو والرسائل التي وصلتني على حسابي بفيسبوك وعلى الهاتف، كانت تتمنّى أن يتقبّل الله صيامي وقيامي، بل إنّ بعضها راح يُعلّمني كيف أحصد أكبر عدد من الحسنات، بقراءة هذه الآية أو ترديد ذاك الذّكر، من غير أيّ أمنية بأن أوفّق في تقديم خدمة إنسانية لمحتاج من المحتاجين أو فقير من الفقراء، انسجامًا مع مبدأ الصيام، الذي تعلمناه صغارًا، وهو الإحساس بجوع الجائعين. وهالتني كمّية الرّسائل التي تقول: "إنّنا سنقوم بعملية تسبيح جماعية وصلاة على النّبي، فكن معنا"، من غير أن تصلني رسالة واحدة تدعوني إلى الانخراط في مسعى ميداني، لتنظيف بقعة أو تهيئة ساحة أو إعداد إفطار جماعي.

معظم الاستنكارات الفردية والجماعية خلال رمضان، تمس الحريات الشخصية للناس

كما لاحظت أنّ معظم الاستنكارات الفردية والجماعية، خلال شهر رمضان، باتت تمسّ الحرّيات الشّخصية للنّاس، مثل لباس الفتيات والفتيان، وإقدام أحدهم على إعلان أكله وشربه في النهار، أو إمساك أحدهم ليد إحداهن، وقد تكون زوجتَه أو أختَه، أو الاستماع إلى الموسيقى والغناء. ولا تتعدّى هذه الاستنكارات إلى جشع التجّار، وتبذير الصّائمين والتهاون في العمل وأداء المهمات.

اقرأ/ي أيضًا: الإفطار في نهار رمضان عربيًا.. قوانين وأعراف مختلفة

هنا، نجد أنفسنا أمام هذا السؤال، إذ يبدو أنّنا بتنا نصوم عن الأسئلة الحقيقية المتعلّقة بواقعنا ومستقبلنا، بشكل سيهدّدهما قريبًا. والسؤال هو: هل باتت سلطة الشّكل في عباداتنا أكبرَ من سلطة الجوهر؟ وإلا كيف نفسّر أنّ الصّلاة قائمة بالتزامن مع قيام الجرائم المختلفة؟ والصّيام قائم بالتّزامن مع قيام الفقر؟ ما معنى أن يساوي عدد المخالفات بكلّ أنواعها، عدد مساجدنا وأئمتنا ودعاتنا وقنواتنا المتأسلمة؟ ما معنى أن يتمكّن الرّسول الكريم، انطلاقًا من مسجد واحد، من زرع الحضارة في محيطه، ونعجز نحن عن ذلك، رغم وجود 25 ألف مسجد في الجزائر فقط؟

إنّ سيادة سلطة الشّكل، في فهم الدّين وممارسة العبادات، يثمر بالضّرورة ثلاث ثمار سيّئة جدًّا، أولاها معاداة العقل والعقلاء، وإنّ متابعة بسيطة للكمّ الهزيل الذي يحظى به منشور عقلاني في مواقع التّواصل الاجتماعي من الإعجابات والتّعليقات، تجعلنا نقف على هذه الحقيقة في الفضاء الإسلامي المعاصر، في مقابل كمّ كبير منها يحظى بها منشور أثمرته ثقافة اليقينية والاتباع.

سادت سلطة الشّكل والمظهر في فهم الدين وممارسته، ومن هذه السلطة تمثّل الخلق دور الخالق في الحكم على الناس!

ثاني الثمار السيئة، الجرأة على أخذ دور الخالق في الحكم على الخلق، حيث يصبح الشّكل/المظهر في حكم النّص، فيتم الانطلاق منه في إقرار إيمان هذا وكفر ذاك. فيما تتمثّل الثمرة الثالثة في قلب اتجاه الإشعاع، في علاقة المؤسّسة الدّينية والعلمية بالمحيط، فعوض أن يقضي المسجد على السرقة داخل المجتمع مثلًا، ينقل المجتمع السّرقة إليه. وعوض أن تشعّ الجامعة علميًا وثقافيًا وحضاريًا على محيطها، ينقل هذا المحيط مظاهر الجهل والبداوة إليها.

اقرأ/ي أيضًا: رمضان الذي أصبح عنيفًا ومبتذلًا

ويصبح هذا المعطى أكثرَ خطورةً، على الواقع والمستقبل، والفرد والجماعة، حين تستثمر فيه الأنظمة غير الديمقراطية وغير المؤمنة بالحرّيات وحقوق الإنسان، لاكتساب شرعية الاستمرار في الحكم، باكتساب تزكية الشّكليين لها. إذ يصفّق لها هؤلاء الشّكليون، حين تطارد المجاهرين بالإفطار مثلًا، أو تحاصر المخالفين دينيًا ومذهبيًا، أو تغلق الحانات وفضاءات اللّهو، مقابل سكوتهم على سرقتها للمال العام وغشّها في المشاريع وتهميشها للعقول والكفاءات واحتكارها لمبدأ التّداول على السّلطة. 

 

اقرأ/ي أيضًا:

لماذا يكره فلان شهر رمضان؟

التطرف في رمضان.. من ينهي التكفير؟